استمع إلى الملخص
- يتطلب جذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي استقرار الوضع الأمني والسياسي وتعاون الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني مع المجتمع الدولي لضمان تنفيذ الإصلاحات.
- يشير وسام فتوح إلى أهمية السياحة واستعادة الثقة في المصارف اللبنانية، مع التركيز على تعزيز احتياطي العملات الأجنبية وتحسين ميزان المدفوعات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
يمر لبنان في 2025 بمرحلة حاسمة في مسيرته الاقتصادية، فيما تُعد ورشة إعادة إعمار سورية فرصة مهمة لتعزيز أداء الاقتصاد المتعثر، في إطار ما تتطلبه التطورات المحيطة به من استجابة فعّالة للتحديات الداخلية والتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
ويسعى لبنان إلى استعادة استقراره المالي والنقدي بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تسببت في تدهور الوضع المالي وتراجع الثقة في النظام المصرفي، في حين يعتمد لبنان في ذلك على تنفيذ إصلاحات هيكلية أساسية من شأنها تعزيز الشفافية وتحقيق العدالة المالية، بالإضافة إلى تعزيز الثقة في العملة الوطنية.
في هذا الإطار، تبرز عدة فرص اقتصادية مهمة قد تساهم في تحفيز النمو، مثل تنشيط قطاع السياحة الذي يمثل أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية من خلال تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات المالية والتجارية. كما أن هناك فرصة كبيرة لإعادة الإعمار في سورية، التي تعد بمثابة بوابة جديدة للبنان لتعزيز قطاع البناء والهندسة والموارد البشرية، مما يفتح أمامه آفاقًا اقتصادية جديدة.
علاوة على ذلك، يُتوقع أن يسهم استقرار الوضع الأمني والسياسي في لبنان في جذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي. ولذا، يصبح من الضروري تكاتف جميع القوى الوطنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بالإضافة إلى التعاون مع المجتمع الدولي لضمان تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. فقط من خلال هذه الجهود المشتركة يمكن للبنان أن يتجاوز التحديات الراهنة ويحقق استقرارًا اقتصاديًا مستدامًا، ما يمهد الطريق لاستعادة مكانته وجهة استثمارية واعدة على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، أفاد الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن هناك تغييرًا كبيرًا في المنطقة، وأن هذا التغيير سيكون نحو الأفضل، والرهان على إعادة الثقة في لبنان لاستعادة الانتظام المالي والنقدي يعتمد على عدة معطيات، أبرزها نجاح مصرف لبنان في السياسة الجديدة التي اعتمدها، حيث تمكّن من المحافظة على الليرة اللبنانية مقابل الدولار رغم الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان. كما أن التدفقات المالية من المغتربين ما تزال تفوق سبعة مليارات دولار سنوياً.
وأضاف فتوح أن الاقتصاد اللبناني يعتمد بشكل كبير على السياحة، فطالما هناك استقرار أمني وسياسي، ستكون السياحة نشطة. وهذا ما حدث بعد 24 ساعة من وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث شهدت الفنادق حجوزات كثيفة وعاد المغتربون بشكل كبير لقضاء عطلة الأعياد، هنا يكمن الرهان على إنعاش الاقتصاد بشكل كبير بسبب التغيرات في سياسات المنطقة.
وأوضح أن اللبنانيين يجب أن يثقوا مجدداً بالعملة الوطنية، لافتاً إلى أنه لا يمكن للاقتصاد الاستمرار دون وجود المصارف، فالمعضلة الرئيسية التي تواجه المصارف لإعادة دورها في بناء الاقتصاد هي إعادة الثقة بهذه المصارف. ويجب تحقيق ذلك من خلال تقديم حلول واضحة وصريحة لإعادة أموال المودعين، سواء كانوا لبنانيين أو مغتربين، مشيرًا إلى أن هناك مشاكل تتعلق بالإيداعات الخارجية، حيث بلغ حجم هذه الإيداعات حوالي 35 مليار دولار منذ بداية الأزمة في 2019، بما في ذلك ودائع غير المقيمين، سواء كانت من شركات أو مؤسسات دولية أو أفراد.
وقال إن إعادة هذه الإيداعات، التي تشمل جزءًا منها مؤسسات دولية، يهدف إلى إعادة فتح خط ائتمان جديد مع هذه المؤسسات. لذلك يجب العمل على خطة واضحة لإعادة هذه الأموال وتعزيز الثقة مجددًا. وأضاف أنه لا أحد سيقوم بإيداع أمواله في مصرف لم يُوفِّ ديونه القديمة، وبالتالي أصبح هناك وعي لدى المواطن اللبناني بهذا الموضوع.
وأشار فتوح إلى أن الاقتصاد اللبناني قائم على الزراعة والصناعة والخدمات، ولكن الأساس هو قطاع الخدمات. لذلك، من المتوقع أن يتحسن هذا القطاع، كما أن الدول الصديقة بدأت تغيّر نظرتها إلى لبنان بشكل إيجابي، وقد تكون سنة 2025 إيجابية على الصعيد الاقتصادي. كما أشار إلى أن الدولة اللبنانية بدأت بفرض سلطتها على الأراضي اللبنانية، مما يعزز قوتها ومصداقيتها. وهذا يصب في مصلحة لبنان، وخاصة بعد انتخاب رئيس الجمهورية وانتظام المؤسسات الدستورية التي ستعزز المصداقية في الدولة اللبنانية مجدداً.
وبالحديث عن ادراج لبنان على اللائحة الرمادية، اعتبر فتوح أنها ليست نهاية العالم، لكن لا بد من إجراء إصلاحات مصرفية ونقدية واقتصادية. وإذا لم تتم هذه الإصلاحات، فإننا أمام مشكلة. والخوف الأكبر هو أن يُدرج لبنان على اللائحة السوداء، حيث إن أكبر ضرر في اللائحة الرمادية هو فقدان العلاقة مع المصارف المراسلة. لكن هذا لم يحدث، وبالتالي ما زالت هناك فرصة لإجراء الإصلاحات، رغم الأولويات الخاصة في ظل الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله. ويعتبر عام 2025 عاماً للورش والإصلاحات، وفرصة ذهبية لا تعوض للبنان.
وفي ما يتعلق بالأحداث في سورية، أفاد فتوح أن الوضع في سورية لا يزال في مرحلة التعافي، رغم بعض الثغرات الأمنية. إلا أن عملية إعادة الإعمار في سورية تشكل فرصة كبيرة للبنان، لأن أي عملية إعمار ستتم عبر الممر اللبناني. وأوضح أن سورية بحاجة إلى قطاع مصرفي قوي، إضافة إلى حاجتها في مجالات الهندسة والكهرباء. علمًا أن هناك تقارير اقتصادية تشير إلى غنى سورية بالموارد الغازية والطاقة. وفي هذا السياق، يمتلك لبنان فرصة كبيرة في الموارد البشرية والقطاع المصرفي في سورية. أما المشاريع الكبرى والبنية التحتية، فلا يستطيع لبنان القيام بها بمفرده، إذ إن هناك دولًا كبرى تشارك في ذلك.
من جانب آخر، أوضح أن الروابط الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين البلدين تتيح للبنان فرصة كبيرة للعب دور محوري في توفير الخدمات والمواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية السورية. وأضاف أن هذا المشروع الضخم سيفتح أبوابًا جديدة للمقاولين اللبنانيين، والشركات الهندسية، والمصارف التي ستستفيد من المشاريع الكبيرة في قطاعات البناء والطاقة والنقل والاتصالات. كما أن النشاط التجاري عبر الحدود سيعزز قدرة لبنان على جذب الاستثمارات الخارجية، مما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وكان قد أعلن فتوح في بيانٍ له أن لبنان على أعتاب مرحلة جديدة مع اقتراب العام 2025، تهدف إلى استعادة الانتظام المالي والنقدي وتعزيز الثقة بالليرة اللبنانية والنظام المصرفي، مشيراً إلى أن إعادة الثقة بالليرة اللبنانية تُعدّ حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في لبنان، مشددًا على ضرورة تنفيذ سياسات مالية ونقدية صارمة وشفافة لضمان استقرار الأسعار.
وأضاف أن تعزيز احتياطي العملات الأجنبية يعدّ أمرًا أساسيًا، ويتطلب تحسين ميزان المدفوعات وزيادة تدفقات الاستثمارات الخارجية. مؤكدا أهمية سعي المصارف اللبنانية إلى بناء جسور الثقة مع المستثمرين والأسواق المالية الدولية، وتعزيز العلاقات المصرفية الدولية عبر الامتثال للمعايير العالمية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وشدد فتوح على أهمية تشجيع الاستثمار من خلال تقديم ضمانات تحمي حقوق المستثمرين، بما يعكس التزام لبنان بالإصلاحات.
ولفت فتوح إلى أن نجاح هذه الجهود يعتمد على تكاتف جميع الأطراف الوطنية، من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني، إلى جانب الدعم الدولي من المؤسسات المالية والدول الصديقة. وأكد أن هذه الجهود ستمكن لبنان من وضع قدمه على مسار النمو المستدام، واستعادة مكانته وجهة استثمارية آمنة. وتابع أنه مع نهاية العام 2024 وبداية العام 2025، نأمل أن تكون هذه الجهود بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار الاقتصادي، تُعيد للبنان الثقة والمصداقية في الداخل والخارج.