إعادة إحياء مجموعة الثماني الإسلامية

إعادة إحياء مجموعة الثماني الإسلامية

12 مايو 2021
مخاطر أسعار الصرف تضرب العملات الناشئة
+ الخط -

دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال افتتاحه القمة الأخيرة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية إلى المزيد من التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة، لا سيما تفعيل التعامل بالعملات المحلية "من أجل حماية البلدان من المخاطر الناجمة عن أسعار الصرف، مشددا على ضرورة "تجديد مجموعة الثماني الإسلامية "D-8" وفق المتطلبات الراهنة، وتحويلها إلى كيان يركز على المشاريع والإنجازات".

والمجموعة هي منظمة دولية أسسها رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان عام 1997، وتضم كلاً من مصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وتركيا، وانتقلت رئاسة المجموعة في الدورة القادمة إلى رئيسة وزراء بنغلاديش شيخة حسينة واجد. 

الأجواء دافعة لتفعيل التعاون 

مر أكثر من أربعة عقود كاملة على نشأة منظمة التعاون الإسلامي التي تضم في عضويتها 57 دولة، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها معظم دول المنظمة، إلا أن التعاون بينها لا يزال في أضيق الحدود، وقد اقترح العديد من الخبراء البدء بتكتلات صغيرة واعدة بين مجموعة من دول المنظمة لتحريك عجلة التعاون المعطلة منذ زمن بعيد بسبب الجسد الضخم للمنظمة والذي يصعب وربما يستحيل أن يتحرك ككتلة واحدة. 

ولا شك أن نموذج مجموعة الدول الثماني مثالي يمكنه تعضيد التعاون والتكامل فيما بينهم كبداية يمكن البناء عليها وانضمام العديد من دول المنظمة الأخرى إليها في فترات لاحقة، لا سيما في ظل الكتلة السكانية الضخمة لدول المجموعة والتي تقارب المليار نسمة، تشكل 14% من سكان العالم تقريبا، علاوة على تنوعها الإنتاجي صناعياً وزراعيا، بالإضافة إلى توافر الموارد الطبيعية وموارد الطاقة، وهي المؤهلات الكافية لإثمار هذا النوع من التعاون سريعا، مع تلاقح الخبرات والموارد. 

المجموعة منظمة دولية تأسست في 1997، وتضم مصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وتركيا

وأضحت أجواء التقارب بين دول المجموعة أكثر جاهزية حاليا بعد التقارب المصري التركي الأخير، والذي عبر عنه مؤخراً وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بأن "عهدا جديدا" من العلاقات يبدأ بين تركيا ومصر، ويمكن أن تكون هناك زيارات متبادلة في الفترة المقبلة.  

كما أن التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على دول المجموعة عمقت من الأزمات الاقتصادية التي كانت تمر بها، وأوقفت استمرار عجلة النمو التي تسارعت في الخمسة أعوام الأخيرة، مما أثر سلباً ليس على مؤشراتها الاقتصادية الكلية فقط، بل تعداه إلى الضغط علي المستوي المعيشي للمواطنين، الذين تساقط الملايين منهم تحت خط الفقر، بعد فقدانهم لوظائفهم وتزايد معدلات البطالة في تلك البلدان. 

اقتصادات المجموعة تحت تأثير صدمة كورونا 

تشير النظرة المدققة لاقتصادات دول المجموعة إلى معاناة كبيرة عاشتها خلال السنوات الأخيرة، وفاقمت تداعيات فيروس كورونا هذه المعاناة، فالاقتصاد التركي ورغم نجاحه بالخروج من الأزمة بأقل الأضرار ومعاودة النمو الايجابي وتسارعه، الا أن العملة التركية التي فقدت ما يقارب 100% من قيمتها منذ 2016 وحتى الآن لا تزال عرضة لضغوط كبيرة في ظل القروض الضخمة الواجبة السداد على القطاع الخاص التركي، والذي لاحقته الخسائر والإفلاسات جراء الإغلاق.  

كما يواجه الاقتصاد المصري أزمات متنامية جراء الإصرار على المشروعات الباذخة والابتعاد عن النهج الإنتاجي وإهمال قطاعي الزراعة والصناعة، ويساند الاقتصاد المصري القروض الخارجية الضخمة التي تمنع ظهور حقيقة الأزمة، ورغم ذلك فقد الجنيه المصري 100% تقريبا من قيمته منذ 2014، وتوالى سقوط قطاعات عريضة من الشعب تحت خط الفقر. 

كما يعاني الريال الإيراني الخسائر المتوالية، حيث خسرت العملة نحو 49% من قيمتها في 2020، بعدما أسهم تراجع أسعار النفط في الأزمة الاقتصادية بإيران، التي سجلت أيضا أكبر عدد للوفيات بفيروس كورونا في الشرق الأوسط، وعموماً الاقتصاد الايراني يعاني منذ فترة طويلة بسبب العقوبات الدولية المتوالية.  

كما أن الأزمة الاقتصادية في باكستان برزت بقوة على السطح في أعقاب مطالبة السعودية باسترداد قرض ميسر بقيمة 6.2 مليارات دولار كعقاب على تحالف باكستان مع تركيا وقطر وماليزيا، وكان القرض جزءا من حزمة إنقاذ أعلنت عنها الرياض في أكتوبر 2018 وتضمنت هذا القرض، وتسهيلات ائتمانية للحصول على إمدادات نفطية. 

ولم تستطع باكستان الصمود أمام الضغط السعودي، خاصة بعد التلويح بورقة العمالة الباكستانية في المملكة والبالغة مليوني عامل، يحولون 4.5 مليارات دولار سنويا، كما أن الاحتياطيات الباكستانية الهزيلة من النقد الأجنبي والبالغة 13.3 مليار دولار لم تؤازر الدولة في المواجهة، فاضطرت إلى عدم حضور اجتماع جاكرتا الشهير. 

كورونا وضعت اقتصادات دول المجموعة تحت ضغوط مالية شديدة

كما أن كورونا أصابت كذلك بقية اقتصادات دول المجموعة، فنيجيريا البالغ عدد سكانها 200 مليون نسمة، كانت تضم قبل الجائحة 88 مليون شخص يعيشون بأقل من 1.9 دولار يوميا، وهي تحتل مع الهند صدارة بلدان العالم التي تضم أكبر عدد من الفقراء، كما كانت نسبة البطالة لدى الشباب تصل إلى 40%، علاوة على تفاقم الأزمة الاقتصادية في أعقاب انخفاض أسعار البترول جراء انتشار الفيروس. 

كما تواجه إندونيسيا أول ركود لها منذ عقدين، حيث تعتبر من أكبر الدول لتفشي فيروس كورونا المستجد في جنوب شرق آسيا، كما عانت في نفس الوقت من سلسلة من الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الفيضانات الأخيرة في كاليمانتان والزلازل في سولاويزي وثوران البراكين في جاوة. 

كما اختتم اقتصاد ماليزيا عام 2020 بأسوأ أداء له منذ 22 عاماً، بمعدل انكماش بلغ 5.6% في عام 2020 بأكمله، وهو أسوأ أداء له منذ عام 1998، ولا زالت التقديرات تشير إلى التعافي البطيء المتحقق خلال الربع الأول من العام الحالي، ولم يكن حال الاقتصاد في بنغلاديش أفضل كثيرًا من دول المجموعة لاسيما على صعيد التراجع الكبير للصادرات الذي بدأ من فبراير/شباط من العام الماضي، والتي لم تتعاف كثيراً حتى الآن. 

التكامل والتعاون أضحى فريضة 

تشير كل الظروف الاقتصادية السابق الإشارة إليها لمجموعة الدول الثماني الإسلامية، بالإضافة إلى التكتلات العالمية الكبرى المسيطرة علي حصة الأسد من الاقتصاد الدولي، إلى أن التعاون بين دول المجموعة أضحي فريضة لا تحتمل التأجيل أو التلكؤ، وأن تغليب المصالح الاقتصادية للشعوب والابتعاد بها عن الخلافات السياسية سيخفف ليس فقط من التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا، بل من أي تبعات أزمة عالمية قادمة في ظل الاعتماد المتبادل على أسواق هذه الدول. 

ربما تكون البداية التي أشار اليها الرئيس أردوغان من خلال التبادل التجاري بالعملات المحلية لها فوائد كبيرة في ظل محاولات التملص من سيطرة الدولار على التجارة الدولية، ولكن من المؤكد أن المزيد من عناصر التكامل وتبادل الخبرات والكفاءات سيعمل على توطين الصناعات والتكنولوجيا داخل بلدان المجموعة، كما سيتضمن التدفق السلعي حال توقف سلاسل الإمداد والتوريد العالمية كما حدث في بداية أزمة كورونا لا سيما في المعدات والمستحضرات الطبية. 

كان الرئيس أربكان، رحمه الله، ذا نظرة استراتيجية ثاقبة بانشائه هذه المجموعة، ولم يفلح رؤساء دول المجموعة المتعاقبون في تطوير التعاون فيما بين دولهم حتى الآن، وقد أصبحت الفرصة سانحة حالياً لبث روح التعاون والتكامل الاقتصادي فيما بينها، ويتبقى فقط التحلي بالإرادة السياسية الواجبة، والتي تقدم مصلحة الشعوب على الخلافات السياسية الضيقة. 

 

المساهمون