إضراب ضخم يهز تونس: لا مؤسسات حكومية ولا سفر

إضراب ضخم يهز تونس: لا مؤسسات حكومية ولا سفر

16 يونيو 2022
ألغيت الرحلات الجوية التي كانت مقررة من تونس وإليها (كنزو تريبويار/فرانس برس)
+ الخط -

يسيطر الشلل على تونس، اليوم الخميس، تحت وطأة إضراب عمالي ضخم ينفذه الاتحاد العام التونسي للشغل، ويشمل 159 مؤسسة حكومية، احتجاجاً على رفض الحكومة التفاوض حول حزمة مطالب مهنية لفائدة قطاع واسع من موظفي القطاع العام.

ولم تنجح الوساطات والمفاوضات على وقف صخب المطالب، في ظل تشبث السلطات بقرار عدم التنفيذ. وقال وجيه الزيدي كاتب عام جامعة النقل التي تضمّ أكبر وأهم المؤسسات المضربة عن العمل لـ "العربي الجديد" إن الإضراب يشمل 15 شركة نقل برّي، كما ستتعطل حركة الطيران الجوّي في كافة مطارات البلاد، مع إلغاء الرحلات الجوّية من تونس وإليها، ويطاول الإضراب الشركة التونسية للملاحة والمعهد الوطني للرصد الجوي والوكالة الفنية للنقل.

وتابع الزيدي أن النقابات في قطاع النقل متأهبة لوقف العمل، وهي حاضرة عند الساعة الصفر من أجل الدفاع عن حقوق الموظفين في الشركات الحكومية في النقل البري والجوي والبحري وباقي المنشآت المنضوية تحت الجامعة. وأكد الزيدي أن "عمال قطاع النقل منضبطون تحت قرارات هياكلهم النقابية، وسيترجمون ذلك بإنجاح الإضراب في كل المؤسسات التي تؤمن النقل عبر الحافلات فضلا عن النقل الجوي والبحري وسكك الحديد".

ووفق مصادر "العربي الجديد" سيتم إلغاء 49 رحلة كان يفترض أن تؤمنها طائرات شركة الخطوط التونسية الحكومية. وأعلنت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل نهاية مايو/ أيار الماضي قرار تنفيذ الإضراب في القطاع الحكومي، انطلقت على إثرها النقابات القطاعية في مهمة التعبئة العامة من أجل إقناع المنخرطين فيها بالمشاركة في الإضراب وتحقيق نسبة تفاعل واسعة.

ويشمل إضراب الخميس كافة القطاعات الحيوية، حيث توقف العمل في كل المؤسسات والمنشآت التابعة لرئاستي الجمهورية والحكومة، فضلاً عن تعطل الخدمة في قطاعات النقل والصحة والتربية والتجهيز والطاقة والتجارة والشؤون الاجتماعية والتشغيل والتخطيط والاقتصاد والثقافة والإعلام الحكومي.

ويستمد الاتحاد العام التونسي للشغل قوّته في التفاوض مع الحكومات من ثقله النقابي داخل المؤسسات الحكومية العاملة في القطاعات الحيوية، بينما تسعى السلطة إلى الحد من هذا النفوذ عبر إجراءاتها التي تستهدف مؤسسات القطاع العام. وحمّل الاتحاد العام التونسي للشغل، حكومة نجلاء بودن، مسؤولية الإضراب العام في بيان توجّه به الأمين العام نور الدين الطبوبي الأربعاء إلى العمال.

وقال الطبوبي إن الإضراب سيكون "دفاعا عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بعدما ماطلت الحكومة في الاستجابة إلى مطالبهم المشروعة، ولفت إلى أن برقية التنبيه للإضراب صادرة منذ 31 مايو/ أيار الماضي، إلا أن أولى الجلسات التي وصفها بغير الجدّية تمّ عقدها يوم الاثنين 13 يونيو/ حزيران الجاري ضمن اللجنة المركزية للتصالح". وأضافت المنظمة النقابية في بيان أن الحكومة تقدمت في جلسة التفاوض التي جرت الإثنين بإجابات كانت لا توحي برغبة حقيقية في تجاوز الإضراب وإيجاد الحلول للخروج بنتائج إيجابية في المفاوضة الجماعيّة لتجنّب البلاد في هذا الظرف الدقيق المزيد من التوتّر وتؤمّن الاستقرار الاجتماعي.

وتلفت بيانات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فعلاً إلى توتر الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، حيث تحدّثت عن تسجيل 734 تحركا احتجاجيا في البلاد خلال شهر أبريل/ نيسان و582 تحركا خلال مايو/ أيار الماضي. وقالت عضوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نجلاء عرفة في تصريح لـ "العربي الجديد" إن البيانات الصادرة عن المنتدى تتقاطع بشدة مع توصيف الاتحاد العام التونسي للشغل للوضع الاجتماعي والاقتصادي المنبئ بالانفجار.

وأفادت عرفة أن 42 في المائة من الاحتجاجات التي تم رصدها خلال شهر مايو الماضي تتعلّق بحقوق العمّال المالية و31 في المائة احتجاجات ضد ضعف الرواتب. وأكدت في سياق متصل أن 76 في المائة من مجموع الاحتجاجات ذات طابع اقتصادي واجتماعي و66 في المائة منها ضد سياسات القطاع الحكومي التي تتسم بضعف الخدمات العامة والتنصل في تنفيذ اتفاقيات تسوية للعاملين بعقود هشّة.

كذلك انتقد الاتحاد العام التونسي للشغل اتباع الحكومة سياسات وخيارات لا شعبية ولا اجتماعية، معتبرا أن السلطة تنكرت لحقوق الشغّالين بتصميمها على تحميلهم تبعات خياراتها بما تخطّط له من إجراءات لنسف المكتسبات والتراجع عن الاتفاقيات الموقعة سابقا. وسعيا لتخفيف حدّة الإضراب العام أصدرت الحكومة قرارات بتسخير الموظفين من أجل ضمان الحد الأدنى للخدمات.

وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي في تصريح للإذاعة الحكومية إن السلطة ستلجأ إلى التسخير من أجل ضمان حدّ أدنى من الخدمات للمواطن، موضحا أنّ اللجوء للتسخير في تونس لن يكون المرّة الأولى فقد سبق اللجوء إليه.

ويسمح قانون الشغل التونسي للسلطة المحلية أو المركزية باللجوء إلى التسخير، الذي بموجبه يتم انتقاء مجموعة من العمال لمواصلة تأدية الخدمات العاجلة خلال المدة المقررة للإضراب. وينظم الفصل 389 جديد من قانون الشغل التونسي إجراء التسخير حيث يمكن تسخير المؤسسة بمقتضى أمر، إذا تقرر إضراب أو صد عن العمل وشرع فيه وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية.

وعادة تلجأ السلطة إلى استعمال آلية التسخير عند الدخول في صراع مع الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث قامت باعتماد هذه الآلية في عدد من المناسبات. وكان أهم إجراء تسخير تمّ اعتماده في تونس خلال أحداث 26 يناير/ كانون الثاني 1978 عندما أمر الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الجيش التونسي بقيادة الحافلات وتأمين خدمات النقل للتونسيين، لكسر إضراب عام شنّه الاتحاد بعد خلاف مع السلطة وانتهت أحداثه باعتقال نقابيين وسجنهم.

ورأى الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي أن الحكومة متمسكة برفض مطالب النقابات بهدف إرضاء صندوق النقد الدولي والبعث برسائل إلى مؤسسات التمويل الدولية بأنها لن تذعن لمطالب الزيادة في الرواتب. وقال البدوي في تصريح لـ "العربي الجديد" إن الخلاف الأساسي بين السلطة التنفيذية والنقابات يتعلّق بكتلة الأجور، حيث تتمسك الحكومة بكبح فاتورة الرواتب وخفضها من 15,2 في المائة حاليا إلى 12 في المائة وفق ما يطلبه صندوق النقد الدولي.

وقال الخبير الاقتصادي إن الإضراب العام لن ينهي الخلاف القائم بين النقابات والسلطة نظرا لسعي كل طرف منها إلى فرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدا أن اتحاد الشغل لن يتراجع عن مطلب الزيادة في الرواتب وتحسين القدرة الشرائية للموظفين المنهكين بالغلاء والتضخم.

ورجح البدوي أن يذهب اتحاد الشغل إلى أشكال احتجاجية أخرى بعد الإضراب العام في القطاع الحكومي نظرا لحساسية الظرف الاجتماعي في البلاد وتصاعد الغلاء وجموح التضـخم. واعتبر المتحدث أن حكومة نجلاء بودن مهتمة جدا بصورتها لدى صندوق النقد الدولي، وتسعى إلى إقناع الدائنين بأنها قادرة على الإصلاح الاقتصادي وتنفيذه دون الحاجة إلى موافقة الأطراف الاجتماعية.

وتخوض تونس مفاوضات شاقة مع صندوق النقد من أجل الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، لكن المؤسسة الدولية تشترط جملة من الإصلاحات الموجعة، من بينها رفع الدعم ووقف زيادة الأجور وخصخصة عدد من المؤسسات الحكومية التي تواجه صعوبات اقتصادية والتوافق مع الطرف النقابي.

ويقدر خبراء في الاقتصاد تكلفة إضراب عام في القطاع الحكومي بقيمة تتراوح ما بين 200 و300 مليون دينار. ويعاني التونسيون من وضع اقتصادي صعب وتصاعد التضخم الذي بلغ 7.8 في المائة على أساس سنوي خلال مايو/أيار الماضي، ارتفاعاً من 7.5 في المائة في إبريل/نيسان السابق له، قرب أعلى مستوى منذ 30 عاماً. أعلنت الحكومة التونسية بداية الشهر الحالي اعتزامها إلغاء دعم الوقود والغذاء والكهرباء تدريجياً، فضلا عن إيقاف التوظيف في القطاعات الحكومية.

ونشرت رئاسة الحكومة بنود الخطة التي تمتد خلال الأعوام من 2023 إلى 2026، وتتضمن 43 بنداً تشمل إصلاح الدعم والمؤسسات الحكومية والنظام الجبائي ورقمنة الخدمات الإدارية، إذ تعتزم الحكومة إجراء تعديل شهري على أسعار المحروقات، ومراجعة أسعار غاز الطهي الموجه للاستهلاك العائلي، وتحرير توريد المواد البترولية وزيادة أسعار الكهرباء، ورفع الدعم عن الغذاء.