إضراب الطيران في فرنسا يربك الأجواء الأوروبية ويعيد ملف السماء الموحدة للواجهة
استمع إلى الملخص
- الأزمات المتكررة في الأجواء الأوروبية تكشف هشاشة المنظومة الحالية، حيث أدى إضراب المراقبين الجويين في فرنسا إلى تعطيل حركة نحو مليون راكب وكلف قطاع الطيران الأوروبي حوالي 120 مليون يورو.
- يواجه مشروع السماء الأوروبية الموحدة عراقيل سياسية وتنظيمية، مع تحديات تقنية وبشرية مثل إغلاق المجال الجوي الأوكراني والطلب المتزايد على الرحلات العسكرية.
أعلنت المديرية العامة للطيران المدني الفرنسية أن حركة الطيران في البلاد ستتأثر غداً الأربعاء، نتيجة الحركة الاحتجاجية التي دعت إليها نقابات عمالية، متوقعةً تسجيل تأخيرات والغاءات للرحلات الجوية بين السادسة مساء ومنتصف الليل بالتوقيت المحلي. وطلبت المديرية في بيان لها نشرته على حساباتها في مواقع التواصل من شركات الطيران خفض برامج رحلاتها بنسبة 50% في مطارات "نيس" و"كورسيكا" (باستيا، أجاكسيو، فيغاري، كالفـي)، بالإضافة إلى مطاري "مارسيليا" و"بروفانس"، وهو ما يعادل أكثر من خمسين رحلة من أصل أكثر من 10 آلاف مقررة في الأجواء الفرنسية خلال ذلك اليوم.
وأوضحت المديرية أن هذه الإجراءات الوقائية لن تمنع اضطرابات وتأخيرات في جميع المطارات الفرنسية، داعية الركاب القادرين إلى تأجيل سفرهم والتواصل مع شركات الطيران للاطلاع على تفاصيل رحلاتهم.
كذلك من المحتمل أن يمتد التأثير لباقي منطقة الاتحاد الأوروبي مما يطرح مجدداً فكرة مشروع السماء الأوروبية الموحّدة (Single European Sky) الذي أُقرّ أخيراً ضمن التشريعات الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول 2024، لكنّه ما زال يواجه عراقيل سياسية وتنظيمية تعطل تنفيذه، رغم مرور أكثر من عقدين على طرحه لأول مرة عام 1999. إذ لا تزال الأجواء الأوروبية تُدار عبر أكثر من 40 هيئة وطنية مستقلة، لكل منها قوانينها وأنظمتها الخاصة، في نموذج يعود إلى ستينيات القرن الماضي. هذا التفكك يجعل أي خلل محلي يتحول سريعاً إلى أزمة عابرة للحدود.
وفي هذا السياق، أكد وارويك برادي، الرئيس التنفيذي لشركة "سويسبورت" (Swissport)، أكبر مزود عالمي لخدمات الطيران، لـ"ذا تايمز" (The Times) يوم الاثنين الفائت، أن "التأخيرات المرتبطة بمراقبة الحركة الجوية ارتفعت في أوروبا من 11.6% في النصف الأول من 2025 إلى 18.9% في يوليو/ تموز"، أي سبعة أضعاف المعدلات في الولايات المتحدة. وأضاف أن "النظام الحالي لم يُبنَ للتعامل مع هذه التحديات"، مشدداً على أن تحديث البنية التحتية لم يعد خياراً بل "ضرورة ملحّة".
وكشفت الأزمات الأخيرة في الأجواء الأوروبية هشاشة المنظومة الحالية. ففي يوليو/ تموز 2025، أدى إضراب المراقبين الجويين في فرنسا إلى تعطيل حركة نحو مليون راكب في أنحاء القارة من بينهم 200 ألف راكب ألغيت رحلاتهم، وحسب وكالة فرانس برس فقد كلف هذا الإضراب قطاع الطيران الأوروبي حوالي 120 مليون يورو. وفي بريطانيا، تسبب عطل تقني في أنظمة الخدمات الوطنية للمراقبة الجوية عام 2023 باضطرابات واسعة، بعد إدخال بيانات خاطئة لرحلة بين لوس أنجلوس وباريس، ونقلت "فاينانشل تايمز" (Financial Times)، نقلاً عن هيئة الطيران المدني البريطانية، أن هذا العطل أدى إلغاء 1500 رحلة.
وقالت صحيفة ذا تايمز إن مقاومة بعض الدول الأعضاء للتخلي عن الرسوم التي تجنيها من "الرحلات العابرة" (توحيد المجال الجوي يعني أن هذه الرسوم ستُدار مركزياً على مستوى الاتحاد الأوروبي) تُعد من أبرز أسباب التعثر، إلى جانب اعتبارات عسكرية وحذر من النقابات العمالية.
وإلى جانب الأزمات التقنية والبشرية، يواجه قطاع الطيران الأوروبي تحديات إضافية، أبرزها إغلاق المجال الجوي الأوكراني منذ الحرب الروسية في فبراير/ شباط 2022، ما يفرض تحويلات مكلفة لمسارات الطائرات فوق أوروبا الشرقية. كما أن الطلب المتزايد على الرحلات العسكرية والتأثيرات المناخية المتصاعدة تعقّد التخطيط طويل الأمد لشركات الطيران.