إسرائيل تُغيِّر جلدها السياسي، فهل سيتحسَّن اقتصادها؟

إسرائيل تُغيِّر جلدها السياسي، فهل سيتحسَّن اقتصادها؟

28 يونيو 2021
حكومة دولة الاحتلال الجديدة مطالبة بإسعاف الاقتصاد الإسرائيلي (Getty)
+ الخط -

ظهرت بوادر إزاحة بنيامين نتنياهو، أو "الملك بيبي" كما يُلقِّبه أنصاره، عن عرشه عندما أٌقرَّ بفشله الذريع في تشكيل ائتلاف حكومي يحظى بثقة الأغلبية في الكنيست، وكُلِّف بدلاً منه "يئير لبيد" زعيم حزب "هناك مستقبل" بمهمّة تشكيل الحكومة.

وبدأ العدّ العكسي لنهاية حقبة نتنياهو التي استمرَّت أكثر من 12 عاماً في 30 مايو/أيار 2021 عندما صرَّح "نفتالي بينت"، زعيم اليمين المتشدِّد في إسرائيل، باستعداده للانضمام إلى الائتلاف الذي يمكن أن ينهي حكم معلِّمه وحليفه السابق نتنياهو الذي وصف بدوره هذا المشهد الجديد بأنّه "احتيال القرن".

وتسارع العدّ العكسي للإطاحة بنتنياهو في 2 يونيو/حزيران 2021 منذ أن أبلغ "لبيد" الرئيس الإسرائيلي "رؤوفين ريفلين" الذي ستنتهي ولايته في التاسع من يوليو/تموز المقبل، بتمكُّنه من جمع الأصوات اللازمة لتشكيل ائتلاف حكومي وذلك قبل دقائق فقط من انتهاء المهلة الممنوحة لنتنياهو لتشكيل حكومة جديدة.

وأفرغت ساعة نتنياهو الرملية ما فيها يوم 13 يونيو/حزيران 2021 عندما منحت الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي ثقتها للحكومة الائتلافية التي يتولَّى من خلالها "نفتالي بينت" رئاسة الوزراء في أوّل عامين، و"يئير لبيد" في العامين التاليين، وفق اتِّفاق على تناوب المنصب.

سلخت إسرائيل جلدها السياسي الميِّت وكشفت عن آخر جديد يُعلِّق عليه الإسرائيليون الكثير من الآمال والطموحات رغم ما ينتظره من تحدِّيات ضخمة وصعوبات جمّة.
يعلم "نفتالي بينت" أنّ مهمّته لیست سهلة ولا يسيرة وأن طريقه ليس مفروشاً بالورود، بل مملوءاً بالأشواك والمزالق والعقبات والعثرات، وعليه أن يُقدِّم للإسرائيليين أكثر ممّا قدَّمه لهم نتنياهو من لائحة طويلة عريضة من الدعم الأميركي والأوروبي، التقدُّم في سباق التسلُّح، جولات التطبيع مع الدول العربية، الظفر باستثمارات ومليارات خليجية، حملة التطعيم الأسرع في العالم ضدّ فيروس كورونا، تسريع وتيرة الاستيطان، محاولة تصفية "أونروا" في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الحصول على دعم مالي سخيّ من الحلفاء وتأليبهم ضدّ إيران بغية إبعاد يدها عن الأسلحة النووية وضمان الأمن لإسرائيل، وكذا إعاقة كافة الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية "كاملة السيادة".
لكن كل هذه الإنجازات لم تشفع لنتنياهو لينال ثقة الكنيست ويبقى في سدّة الحكم، وسيجد نفسه مضطرّاً للجلوس في مقاعد المعارضة التي ستكون أكثر رحمة ورأفة به من مقعد خلف قضبان السجن بسبب فشله في الحصول على حصانة تقيه ويلات قضايا الفساد التي تلاحقه والتهم بتلقِّي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة التي يواجهها.
إنّ حكومة دولة الاحتلال الجديدة، التي تضمّ 28 وزيراً و6 نواب وزراء، مطالبة أكثر من سابقاتها بتقديم خطّة مجدية لإسعاف الاقتصاد الإسرائيلي الذي نزف بشدّة جرَّاء حرب الـ11 يوماً بين إسرائيل وغزة، حيث تكبَّد خسائر مالية مباشرة بقيمة 7 مليارات شيكل، أي ما يعادل 2.14 مليار دولار، وفقاً لتقديرات أولية لبنك إسرائيل المركزي، أي ما يُمثِّل أكثر من 4 أضعاف الخسائر المالية الإسرائيلية، في عملية "الجرف الصامد" التي أطلقتها حكومة نتنياهو ضدّ قطاع غزة سنة 2014 (التي استمرَّت طيلة 51 يوماً)، والمُقدَّرة بـ498 مليون دولار وفقاً لمؤسسة راند الأميركية RAND Corporation.

فقد سبَّب العدوان الأخير على غزة خسائر لإسرائيل بقيمة مليار دولار في قطاع الصناعة، 300 مليون دولار في القطاع الخاص، و5 ملايين دولار يومياً في قطاع الطاقة نتيجة إغلاق حقل "تمار" الإسرائيلي للغاز يوم 12 مايو/أيار 2021، بالإضافة إلى خسائر فادحة أخرى طاولت مختلف القطاعات.
وعلى النقيض من توقُّعات المؤسسات الدولية التي أفادت بنمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة تزيد عن 5 بالمائة هذا العام نتيجة لإطلاق حملة التطعيم السريع التي أدَّت بدورها إلى إعادة فتح الاقتصاد والأسواق، أفاد مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي يوم 18 مايو/أيار 2021 بانكماش الاقتصاد بنسبة 6.5 بالمائة في الربع الأول من العام الجاري بسبب انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والحكومي والاستثمار.

حكومة دولة الاحتلال الجديدة، مطالبة أكثر من سابقاتها بتقديم خطّة مجدية لإسعاف الاقتصاد الإسرائيلي الذي نزف بشدّة جرَّاء حرب الـ11 يوماً بين إسرائيل وغزة، حيث تكبَّد خسائر مالية مباشرة بقيمة 7 مليارات شيكل

ولا ننسى أنّ إسرائيل أنفقت 32 مليار دولار للتصدِّي لتداعيات جائحة كورونا، وهذا ما أدَّى إلى ارتفاع الدين العام الذي من المُتوقَّع أن يصل إلى 351 مليار دولار بحلول نهاية عام 2021.
هذا علاوة على شبح البطالة الذي يتربَّص بالشباب الإسرائيلي، فمن المُتوقَّع أن يصل معدل البطالة إلى 5 بالمائة في سنة 2021 مقارنة بـ4.3 بالمائة التي سُجِّلت العام الماضي.
يتوقَّف استرجاع الاقتصاد الإسرائيلي لعافيته على حنكة رئيس الوزراء الجديد "نفتالي بينت" في تقوية العلاقات الإسرائيلية مع إدارة بايدن والحكومات الخليجية، حيث سيُمكِّن دوره إذا كان فعّالاً مع هذه الأطراف تحديداً من حصول بلاده على دعم مالي سخيّ وفرص استثمارية ذات فوئد وأرباح طائلة.
الحكومة الجديدة تتمتَّع بفرصة للبدء بصفحة بيضاء في سجِّل العلاقة الإسرائيلية - الأميركية، أو بشكل أكثر دقّة العلاقة بين إسرائيل والحزب الديمقراطي الأميركي، وإحراز التقدُّم الذي استعصى على حكومة نتنياهو.
بإمكان الحكومة الإسرائيلية الجديدة وضع خطوات تصحيحية كبيرة تُحسَب لها في مسارها، الذي قد يكمل الأربع سنوات، من خلال إقرار ميزانية، وهو أمر لم تشهده إسرائيل منذ آذار/مارس 2018، توسيع البرامج الاقتصادية، ضخّ درجة من الاستقرار في مناخ الأعمال الإسرائيلي المضطرب، إنفاذ القانون والتعيينات القضائية، إصلاح المنظومة القانونية، وفصل الثروات العامة عن ثروات السياسيين والموظَّفين الحكوميين الذين يعطون الأولوية لرفاهيتهم على المصلحة العامة.

خلاصة القول: لقد كتب تاريخ 13 يونيو/حزيران 2021 النعي السياسي للملك "بيبي" ومكَّن من بزوغ فجر حقبة ما بعد نتنياهو، لكن هذا الأخير لن يستسلم بسرعة ولن يترك الحكومة الجديدة تعمل في هدوء واطمئنان، وسيُباغثها بهجمات لا هوادة فيها من خلال استغلال حيِّز المعارضة المهمّ الذي يحظى به حزب الليكود الذي يملك بدوره 30 مقعداً في الكنيست، وسيستهدف انشقاقاتها الأيديولوجية، وسيتربَّص بتعثُّراتها في إدارة المشروع الاستيطاني والتعامل مع قضايا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والتصعيد مع إيران، وكذا مواجهة الولايات المتحدة إذا عادت إلى الاتِّفاق النووي مع إيران، وسيركِّز على كل الهفوات والثغرات والأخطاء التي من شأنها تقصير عمر هذه الحكومة الجديدة، وسيختبر مدى صمودها في تجنُّب الدوس على كل هذه الألغام.

المساهمون