أولويات وضرورات الدعم في سورية

17 يناير 2025
الشعب السوري يحتفل بسقوط الأسد، 27 ديسمبر 2025 (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحاجة إلى الدعم المالي وإعادة الإعمار: سوريا تحتاج إلى مساعدات مالية ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة واستعادة الاقتصاد بعد الحرب الطويلة، مع التركيز على استعادة البنى المالية والكشف عن الثروات المنهوبة.

- أولوية تعويض المتضررين والدعم النفسي: يجب التركيز على تعويض المتضررين من الحرب وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، خاصة الأيتام والأرامل والمعتقلين، من خلال إنشاء مراكز متخصصة والاستفادة من آليات الزكاة والوقف.

- تدفق المساعدات وخطر الشروط السياسية: يجب الحذر من المساعدات المشروطة التي قد تؤدي إلى تعزيز الطائفية، وضمان أن تكون المساعدات في مصلحة إعادة بناء الدولة بشكل صحيح ومستدام.

التجربة التاريخية تفيد بأن الدول التي تخرج من حالات مشابهة لسورية، وعانت من حرب فرضها ديكتاتور مثل بشار الأسد، تكون في أمسّ الحاجة للمساعدات المالية والدعم الخارجي، وبخاصة أن تجربة سورية المريرة مع الحرب والفساد امتدت لفترة طويلة (من مارس/آذار 2011 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024)، تعرضت خلالها البلاد وبنيتها التحتية لعمليات تدمير شامل وممنهج بسبب الحرب الشرسة التي شنها الأسد على شعبه، والفساد الذي قاده النظام ورموزه لسنوات تمتد لما يقرب من ربع قرن.

ومن هنا فإن إعادة بناء الدولة السورية، وتشغيل مرافقها واستعادة وحدة شعبها في إطار اقتصادي ونسيج اجتماعي، تستلزم الكثير من النفقات والمخصصات الضخمة، بل تعد من أكثر الملفات تعقيداً في حالة سورية، فهناك حاجة ملحة لاستعادة البنى المالية المتهاوية، والوقوف على حقيقة ثروات البلاد ومواردها المنهوبة، وهو ما يصعب تحقيقه في الحالة السورية في وقت قصير، نظراً لغياب الشفافية في عهد الأسد، حيث إن الموارد المالية وثروات البلاد كانت بحوزة دائرة ضيقة جداً هي أسرة الرئيس المخلوع، وأقاربه، والمسؤولون الكبار المنتفعون من وجوده، وبلا شك فإن هؤلاء هرّبوا أموالاً ضخمة، كما جرى في العامين 2018 و2019، حيث هُرِّب 250 مليون دولار لروسيا وحدها، أو أُخفي جزء من تلك الثروات، إن داخلياً أو خارجياً.

والملاحظ أن حديث السلطات الجديدة عن إعادة تأهيل البنية الأساسية، من مدارس ومستشفيات وطرق وبنية تحتية وشبكات كهرباء واتصالات وغيرها، بات محل اهتمام، سواء من قبل الحكومة أو من قبل المانحين، وكذلك إعادة بناء البيوت المهدمة خلال فترة الحرب، التي تخص عدداً كبيراً من النازحين والمهاجرين، وينتظرون أن يعودوا إليها. لكن هل في مقدور تلك السلطات اقتحام هذا الملف الشائك؟

تعويض المتضررين أولوية

الإنسان أساس التنمية، ومن دون مداواة وتعويض المتضررين من تلك الحقبة، التي حوّل فيها الأسد سورية إلى ساحة حرب مفتوحة، وأتى بدول أجنبية وحلفاء مثل روسيا وإيران لقتل شعبه وتدمير الدولة، لن يكتب لتجربة الحكام الجدد وثورتهم النجاح. لأن الواقع صعب، فهناك قتلى تجاوز عددهم مئات الآلاف، ونازحون، ومهاجرون بالملايين أيضاً، وكذلك أناس ماتوا تحت التعذيب، ومعتقلون أمضوا سنوات شديدة الصعوبة، أثرت في حالتهم النفسية والعقلية. وكل هؤلاء هم أولى الناس بالحصول على الدعم، سواء كان مادياً أو معنوياً. فحسب أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك 231.4 ألف قتيل من أبناء سورية خلال الفترة من مارس 2011 إلى يونيو/حزيران 2024. ونحو 15.3 ألف إنسان قتلوا تحت التعذيب، ونحو 157.6 ألف إنسان كانوا رهن الاعتقال والاختفاء القسري، ومن بين هؤلاء المعتقلين والمختفين قسراً 5.2 آلاف طفل، و10.2 آلاف سيدة.

ولنا أن نتساءل بعد تلك الجرائم: كم يتيماً هناك، وكم أرملة هناك؟ وكم إنساناً فقد أجزاءً من جسده، وأصبح من أصحاب الإعاقات الدائمة؟ وكم شخصاً من هؤلاء المعتقلين أو المختفين قسراً من فقد عمله أو دراسته، أو رأسماله؟ فضلاً عن مجرد الرغبة في الحياة بعد ما تعرّض له من أمور تفقده الإحساس بأنه إنسان.

دعم خاص

الدعم الخاص المقصود هنا هو الدعم النفسي والفني، وهو لا يغني عن الدعم المادي، وإن كان الدعم النفسي والفني مطلوباً في هذه الحالة بشكل كبير وسريع. فأسر الشهداء تحتاج إلى دعم نفسي بعد فقدان رب الأسرة، بل هناك أسر فقدت الأب والأم وبعض الأولاد. وينقلنا هذا إلى الدعم المطلوب للأيتام، الذين فقدوا ذويهم وأصبحوا بلا عائل، وكذلك الأرامل اللاتي أصبحن يتحملن مسؤولية كبيرة، تتضمن الأعباء الاقتصادية لتدبير أمور المعيشة وأمور التربية في آن واحد، فهؤلاء يحتجن إلى دعم من نوع خاص.

أما المعتقلون، وبخاصة من تعرضوا لتعذيب نال من أجسادهم وحالتهم النفسية، حتى أن البعض منهم فقدوا عقولهم، فيحتاجون لدعم خاص، يقدم إليهم العلاج النفسي والمعنوي، لإعادتهم للاندماج في المجتمع.

أما النازحون، فهم تعرضوا لتجربة نفسية صعبة، وبخاصة الذين عانوا من تشتت أسري، أو واجهوا ظروفاً صعبة في تدبير أمور معيشتهم، فالعلاج هنا يحتاج إلى تقديم ما يجعلهم يستعيدون الدفء الأسري والعائلي، وكذلك إحساسهم بالأمان في ظل عودتهم إلى وطنهم.

ولذلك يتطلب الأمر إقامة العديد من المراكز المعنية بتقديم الدعم والعلاج النفسي، وكذلك المراكز المعنية بالتأهيل الاجتماعي والمهني، ومن المهم أن تمتلك الإدارة الجديدة في سورية قاعدة بيانات لهؤلاء المتضررين، لتقديم العون والدعم إليهم في أقرب وقت.

ومن المناسب أن تفتح الإدارة الجديدة لسورية الباب للعمل الخيري والتطوعي، على أن يكون منظماً بما يضمن استمراريته وجودته في الوقت نفسه، ومن المناسب أن تستعيد الإدارة التجربة السورية في مجال الوقف، والإفادة منها في ضوء الاحتياجات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

ويمكن أن تشرع الإدارة الجديدة في إنشاء أوقاف جديدة تخصص فقط لهؤلاء المتضررين، فالأمر سيتطلب وقتاً ليس بالقصير، ولكنه سيمتد إلى الأجلين المتوسط والطويل، وهي أغراض تليق بطبيعة عمل الأوقاف. وهنا يمكن إنشاء أوقاف عامة، باسم دعم المتضررين، وتذكر فئاتهم، أو تخصص أوقافاً لكل فئة منهم، كالأيتام، أو رعاية الأرامل، أو مراكز الدعم النفسي، أو مراكز التأهيل المهني.
كذلك ينبغي أن تستفيد من آلية الزكاة في دعم وعلاج المتضررين كافة من فترة الديكتاتور الأسد، فهم تنطبق عليهم العديد من أبواب الإنفاق للزكاة، من فقراء ومساكين، ويأتي باب "وفي سبيل الله" ليشمل جميع أوجه الدعم لهؤلاء المتضررين.

تدفق المساعدات

تنقل لنا وسائل الإعلام الأخبار الخاصة بالوعود العربية والدولية بتقديم المساعدات العينية إلى سورية في ظل إدارتها الجديدة، بعد نجاح ثورتها وإطاحة الديكتاتور الأسد، وعلى رأس هؤلاء المانحين دول عربية، مثل قطر والسعودية والكويت والعراق ومصر، وغيرها، وكذلك دول ومؤسسات أجنبية، مثل تركيا والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي وغيرها.

وبلا شك، إن تلك المساعدات التي أُعلنَت تأتي في ضوء المساعدات العاجلة، وهو أمر لا بد منه، ولكن المساعدات التي تحتاجها سورية خلال الفترة المقبلة تتجاوز المساعدات العاجلة، فهي بحاجة لما يعرف بالمساعدات التنموية، مثل إقامة البنى التحتية (الصلبة والناعمة)، وكذلك تحتاج إلى مساعدات تتعلق بتطوير دولاب الدولة على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

موقف
التحديثات الحية

وكذلك أشارت وسائل الإعلام إلى وعود لدول أوروبية بتقديم مساعدات إلى سورية الجديدة، ولكن لوحظ أن وعود تلك الدول ربطت مساعدتها بشروط معينة، تتعلق بصورة الحكم في سورية وطبيعته خلال المرحلة المقبلة.

خطر المساعدات المشروطة

سورية في ظل الإدارة الجديدة، بعد نجاح الثورة وانهيار نظام الديكتاتور الأسد، لا بد أن تُبنى بشكل صحيح، وكما أن المساعدات مهمة وضرورية في حالة إعادة البناء، فهي أيضاً قد تكون أكثر ضرراً إذا جاءت مشروطة وموجهة لبرامج تؤدي إلى مزيد من الطائفية أو المذهبية أو العرقية في سورية، أو أن تأتي في ضوء الترويج لقيم ومبادئ تتنافى مع الطبيعة العربية الإسلامية لسورية.

قديماً كان الحديث ينصبّ على التخوف من المساعدات الغربية والأميركية لأنها عادة ما تأتي موجهة ومغرضة، ضررها أكثر من نفعها، وكانت هناك حالة من الاطمئنان للمساعدات العربية لخلوّها من أمراض المساعدات الغربية والأميركية.

ولكن على مدار العقدين الماضيين، زالت الفروق بين المساعدات الغربية والأميركية من جهة والمساعدات العربية من جهة أخرى، فالجميع الآن متهمون بالتوظيف السياسي للمساعدات الدولية، بل قد تكون المساعدات العربية في بعض الحالات أكثر ضرراً من الغربية والأميركية. ورأينا كيف قدمت بعض الدول العربية دعمها الكامل للانقضاض على الثورات العربية، والعمل على إنهاء التجارب الديمقراطية الوليدة في دول ثورات الربيع العربي، ومنها مصر وتونس.

ومن هنا، يجب على الإدارة الجديدة في سورية أن تمتلك ناصية المبادرة في ملف المساعدات، وتقيّمه على أساس قاعدة بيانات، وهي التي تحدد طبيعة المساعدات الخارجية ومجالاتها، وتضع لها الضوابط والشروط التي يجب أن تلتزم بها برامج المساعدات الأجنبية.

المساهمون