أوروبا تستعد للأسوأ... ضغوط ترامب تُعقّد المشهد التجاري

22 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 04:36 (توقيت القدس)
ميناء الحاويات في فرانكفورت، ألمانيا، في 10 إبريل 2025 (فلوريان ويغاند/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكثف بروكسل جهودها لتجنب مواجهة اقتصادية مع واشنطن، حيث يستعد الاتحاد الأوروبي لقبول اتفاق تجاري غير متوازن لصالح الولايات المتحدة لتفادي فرض رسوم تصل إلى 30% على صادراته.
- تشير تسريبات إلى تشدد الموقف الأميركي مع اقتراب الموعد النهائي، حيث تضغط إدارة ترامب لفرض رسوم شاملة تزيد عن 10% وتقليص الاستثناءات، مع مناقشة سقوف وحصص على بعض القطاعات.
- يستعد الاتحاد الأوروبي لإجراءات انتقامية تشمل فرض رسوم على 93 مليار يورو من السلع الأميركية، وقيود على التصدير، وتفعيل "أداة مكافحة الإكراه".

تدخل المفاوضات الأوروبية الأميركية مرحلة حاسمة مع اقتراب أول أغسطس/آب، وهو الموعد النهائي الذي حدده الرئيس دونالد ترامب لفرض رسوم تصل إلى 30% على صادرات دول الاتحاد. ومع عدم تحقيق تقدم حاسم خلال جولات المفاوضات التجارية السابقة، تكثف بروكسل جهودها لتأمين اتفاق يُجنّب القارة الأوروبية مواجهة اقتصادية خطيرة مع واشنطن، في وقت تستعد أيضاً لاتخاذ إجراءات انتقامية محتملة إذا ما انهارت المحادثات.

وجاء في هذا الصدد ما نقلته شبكة بلومبيرغ يوم الاثنين، عن مصادر مطلعة على سير المفاوضات من أن المسؤولين الأوروبيين باتوا على استعداد لقبول اتفاق تجاري غير متوازن يميل إلى مصلحة الجانب الأميركي، إذا كان ذلك كفيلاً بتجنب الانزلاق إلى مواجهة تجارية مباشرة. ورغم عقد جولة سابقة من المحادثات في العاصمة الأميركية واشنطن الأسبوع الماضي، لم تظهر حتى الآن مؤشرات على تحقيق اختراق فعلي يمكن أن يعبّد الطريق أمام توقيع الاتفاق قبل انتهاء المهلة المحددة.

ويوم الجمعة الماضي، أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن المفاوضات بين الجانبين بشأن حل نزاع الرسوم الجمركية دخلت مرحلتها النهائية، وفقاً لوكالة أسوشييتد برس التي نقلت عن البنك المركزي الألماني توقعه أن تتسبب رسوم ترامب في إعادة الاقتصاد الألماني إلى الركود. وفي وقت تستمر المناقشات، تؤكد المصادر أن الاتحاد الأوروبي بدأ بالتحضير بجدية لسيناريو "عدم التوصل إلى اتفاق"، وهو ما يعني مواجهة مباشرة مع قرارات ترامب الجمركية. ومن المرتقب أن يعقد سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اجتماعات طارئة هذا الأسبوع من أجل وضع اللمسات الأخيرة على خطة رد استراتيجية، تشمل إجراءات مضادة قد يتم تفعيلها فورا في حال فشلت المفاوضات.

مطالب ترامب التجارية الصارمة

هذا وتشير تسريبات لبلومبيرغ إلى أن الموقف الأميركي بات أكثر تشدداً مع اقتراب الموعد النهائي، حيث تضغط إدارة ترامب باتجاه فرض رسوم شاملة تزيد عن 10% على السلع الأوروبية، مع تقليص قائمة الاستثناءات إلى حدها الأدنى. وتشمل هذه الاستثناءات فقط بعض المعدات الطبية، والأدوية العامة، وعدداً محدوداً من أجهزة التصنيع التي تحتاجها الصناعة الأميركية، إضافة إلى أنواع محددة من المشروبات والطائرات.

وفي الوقت الذي يمتنع المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة المسؤولة عن إدارة ملفات التجارة الخارجية، عن الإدلاء بتصريحات حول سير المحادثات، يؤكد عدد من المسؤولين أن المفاوضات تتضمن أيضاً مناقشة فرض سقوف على بعض القطاعات الحساسة، إلى جانب حصص محددة على تصدير الصلب والألمنيوم، وخطط لعزل سلاسل الإمداد الأوروبية عن مصادر الإغراق في الأسواق العالمية، لا سيما في قطاع المعادن.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، بعث الرئيس دونالد ترامب برسالة رسمية إلى الاتحاد الأوروبي يحذر المسؤولين فيه من تطبيق رسوم جمركية شاملة تصل إلى 30% على معظم صادرات دول الاتحاد إلى الولايات المتحدة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مرضٍ قبل الأول من أغسطس/آب المقبل. وبحسب فحوى الرسالة، لن تقتصر الرسوم الجديدة على المنتجات الصناعية والزراعية فحسب، بل ستطاول أيضاً قطاعات حيوية مثل السيارات وقطع الغيار بنسبة 25%، والصلب والألمنيوم بضعف النسبة المفروضة سابقاً، وقد تمتد في المستقبل القريب، إلى الصناعات الدوائية وأشباه الموصلات، إضافة إلى إعلان حديث عن رسوم بنسبة 50% على واردات النحاس. وبحسب تقديرات المفوضية، فإن الرسوم الأميركية المفروضة حالياً تشمل نحو 380 مليار يورو (أو ما يناهز 442 مليار دولار)، أي ما يعادل 70% من صادرات الاتحاد إلى الولايات المتحدة.

انقسام حول التنازلات

وقبل تلقي رسالة الرئيس ترامب الأخيرة، كانت بروكسل تأمل تحقيق تقدم نحو اتفاق أولي قائم على فرض رسوم موحدة بنسبة 10% على فئات متعددة من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، بما يمهّد لمزيد من المفاوضات التفصيلية. إلا أن المستجدات الأخيرة دفعت بالاتحاد إلى مراجعة حساباته، وسط انقسام داخلي بين الدول الأعضاء حول حدود التنازل المقبولة. ففي حين ترى بعض الدول أن من الأفضل تقديم تنازلات أكبر للحصول على إعفاءات أوسع، بخاصة في قطاعات حساسة، مثل السيارات والطيران والأدوية، تُصرّ دول أخرى على ضرورة وضع ضوابط صارمة لحماية المصالح الأوروبية.

تدابير انتقامية جاهزة

واستعداداً لأسوأ السيناريوهات، يضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على حزمة واسعة من التدابير الانتقامية تشمل فرض رسوم على ما يصل إلى 93 مليار يورو من السلع الأميركية. وقد وافق الاتحاد بالفعل على رسوم جمركية تغطي صادرات أميركية تبلغ قيمتها نحو 21 مليار يورو، من بينها منتجات زراعية مثل فول الصويا والدواجن والمركبات النارية، وكلها تستهدف ولايات ذات ثقل سياسي مثل لويزيانا، مسقط رأس رئيس مجلس النواب مايك جونسون.

وبالإضافة إلى ذلك، أعد الاتحاد قائمة موسعة لرسوم قد تُفرض على واردات أميركية إضافية بقيمة 72 مليار يورو، تشمل صناعات ثقيلة مثل الطائرات (بما فيها منتجات بوينغ) والسيارات والمشروبات الكحولية مثل الويسكي الأميركي. ولم تقتصر الإجراءات الأوروبية المحتملة على الرسوم الجمركية فحسب، بل تشمل أيضاً قيوداً على التصدير، وحرمان الشركات الأميركية من دخول عقود المشتريات العامة في أوروبا، في سابقة تهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى واشنطن مفادها أن الرد الأوروبي لن يكون تقليدياً.

تفعيل أداة مكافحة الإكراه؟

هذا ويتزايد الدعم داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لتفعيل "أداة مكافحة الإكراه" الجديدة التي تمنح المفوضية صلاحيات استثنائية لردع ومواجهة أي إجراءات تجارية عدائية كتلك التي يمارسها الرئيس دونالد ترامب. وإذا تم تفعيل هذه الأداة، فإن بإمكان الاتحاد الأوروبي فرض ضرائب إضافية على شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، وتقييد استثماراتها الأوروبية، وفرض قيود على مشاركتها في المشاريع العامة والبنية التحتية الأوروبية.

المساهمون