أوراق ضغط في يد أوروبا لخنق موارد روسيا إذا أسقط ترامب العقوبات

06 مارس 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
ترامب خلال استقباله زيلينسكي لدى وصوله إلى البيت الأبيض، 28 فبراير/شباط 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت خطط ترامب لإبرام اتفاق مع بوتين بشأن أوكرانيا قلق الأوروبيين، حيث يخشون من رفع العقوبات عن روسيا، مما يضعهم في موقف صعب لمواصلة فرض العقوبات بمفردهم.
- تتمتع أوروبا بنفوذ أكبر من الولايات المتحدة في ملف العقوبات على روسيا، حيث تشكل العلاقات التجارية جزءاً كبيراً من الاقتصاد الروسي، وتعمل على تنويع مصادر الطاقة لتقليل الاعتماد على روسيا.
- يمتد نفوذ أوروبا إلى شحنات النفط والقطاع المالي، حيث تفرض سقفاً سعرياً على صادرات النفط الروسية، وتمثل الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي ورقة ضغط قوية.

أثارت خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبرام اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، قلقاً لدى الأوساط الأوروبية التي لا تستبعد أن يتخذ ترامب إجراءات مفاجئة على غرار رفع العقوبات عن روسيا، ما يضع أوروبا في مأزق مواصلة فرض العقوبات وحدها.

وأظهر ترامب منذ تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني مواقف تصب في اتجاه الضغط بشكل كبير على أوكرانيا وتحميلها مسؤولية نشوب الحرب، وإرغامها على إبرام اتفاق يسمح للولايات المتحدة باستغلال ثروات المعادن لديها، فضلاً عن تبني سياسات ضاغطة على الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بملفي التجارة والإنفاق على الدفاع.

ووسط هذه التطورات يبدو خطر تراجع الولايات المتحدة عن فرض العقوبات على روسيا مرتفعاً عند الأوروبيين. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يترك لأوروبا مواصلة فرض العقوبات وحدها، وهو وضع غير مسبوق من شأنه أن يثير التساؤل حول ما إذا كانت التدابير الأوروبية الأحادية الجانب ستكون لها قوة كبيرة على موسكو. والجواب هو نعم، خاصة إذا ركزت العقوبات الأوروبية على التجارة، وفق تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية.

وتظهر الأرقام أن أوروبا تتمتع بنفوذ أكبر من الولايات المتحدة في ما يتعلق بملف العقوبات على روسيا، إذ إن العلاقات التجارية بين روسيا والولايات المتحدة ضئيلة بالأساس. وفي عام 2021، وهو آخر عام كامل قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، استوعبت الولايات المتحدة 3.6% فقط من صادرات روسيا، بينما استوردت روسيا 5.9% فقط من إجمالي صادرات أميركا. وعلى النقيض من ذلك، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لموسكو، حيث استحوذ على ما يقرب من 40% من واردات روسيا، كما استوعب الحصة نفسها تقريباً من صادرات روسيا.

وتسلط هذه الأرقام الضوء على نفوذ الاتحاد الأوروبي على روسيا في شكل عقوبات تجارية. وتغطي عقوبات الاتحاد الأوروبي 54% من الواردات الروسية من الكتلة، مما يخلق صداعاً للعديد من الشركات الروسية التي تعتمد على السلع عالية التقنية المصنوعة في الاتحاد الأوروبي. وبحلول نهاية عام 2024. على سبيل المثال، أوقفت شركة الخطوط الجوية الروسية "إس 7" تشغيل 31 من طائراتها الـ 39 من طراز "إيرباص إيه 320 نيو" بسبب نقص الوصول إلى قطع الغيار، وبدون الصيانة، لن يكون أمام شركة "إس 7" للطيران خيار سوى إيقاف تشغيل هذه الطائرات في عام 2026.

ربما يكون نفوذ أوروبا التجاري على روسيا أعظم عندما يتعلق الأمر بصادرات موسكو، ومعظمها من الهيدروكربونات. وفي هذا المجال، أطلق الكرملين النار على قدمه من خلال الحد من شحنات الغاز إلى الكتلة في عام 2022، وفق التحليل. ومنذ ذلك الحين، عمل الأوروبيون بجد لتنويع موردي الطاقة لديهم، وبناء البنية التحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتسريع توسيع الطاقة المتجددة. لا يوجد سبب يمنعهم من مواصلة هذه الجهود، والتي ستتوج بحظر الاتحاد الأوروبي على جميع واردات الهيدروكربون الروسية بدءاً من عام 2027.

كما قد لا يكون ترامب حريصاً على تشجيع إعادة ضبط العلاقات في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في شكل إحياء عمليات تسليم الغاز الروسي. والسبب في ذلك هو أن واشنطن وموسكو متنافستان عندما يتعلق الأمر بتوريد الغاز إلى الاتحاد الأوروبي. على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل ما يقرب من نصف واردات الكتلة. إذا استأنفت روسيا صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، فإن الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأميركي سينخفض. كما تتنافس شركات الطاقة الروسية بشكل مباشر مع الشركات الأميركية في مجال الغاز الطبيعي المسال، وأصبحت روسيا الآن ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، ولا شك أن موسكو تتطلع إلى المركز الأول.

ويمتد نفوذ أوروبا في مجال الطاقة على روسيا أيضاً إلى شحنات النفط. فمجموعة الدول السبع والاتحاد الاوروبي قد فرضوا سقفاً سعرياً بقيمة 60 دولاراً للبرميل على صادرات النفط الروسية التي يتم شحنها بمساعدة شركات التأمين أو خطوط الشحن الموجودة في الاتحاد الاوروبي أو غيره من أعضاء مجموعة الدول السبع. والناقلات التي تنقل النفط الروسي تتهرب الآن من وجهات في مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي، ولكنها لا تزال تأتي غالباً من الموانئ الروسية في بحر البلطيق وهذا يعني أنها تحتاج إلى المرور عبر نقاط الاختناق البحرية التي يسيطر عليها الاتحاد الاوروبي مما يعطي الكتلة نفوذاً لفرض سقف السعر من خلال اشتراط أن يكون لدى جميع السفن العابرة عبر مضائق الاتحاد الأوروبي إثبات على التأمين المناسب، وهو الأمر الذي ستجد السفن الروسية صعوبة بالغة في القيام به.

كما تمثل استعدادات موسكو لعودة الشركات الغربية مجالاً أيضاً لنفوذ الاتحاد الأوروبي على الكرملين. وتوضح البيانات الصادرة عن كلية كييف للاقتصاد أن الشركات الأميركية كانت منذ فترة طويلة مجرد لاعبين ثانويين في السوق الروسية، ففي أوائل عام 2022، كانت 18% فقط من 1307 شركة غربية تعمل في روسيا مقرها الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، اتخذت ثلثا هذه الشركات من الاتحاد الأوروبي مقراً لها. وبينما تتخذ موسكو خطوات لرفع العقوبات الأميركية المحتملة وعودة الشركات الغربية، ربما يعرف القادة الروس أن الصفقة الحقيقية تتلخص في إغراء الشركات الأوروبية بالعودة، وليس الشركات الأميركية التي كانت بصعوبة موجودة في المقام الأول.

ولإعادة تشغيل العمليات الروسية، ستحتاج الشركات الغربية إلى الوصول إلى القنوات المالية، وهو مجال آخر لنفوذ الاتحاد الأوروبي. ولم تكن البنوك الأميركية قط من اللاعبين الكبار في روسيا، وتشير الخبرة المكتسبة من عقوبات إيران إلى أن الأمر سيستغرق قدراً كبيراً من الإقناع لحمل الممولين الأميركيين على إعادة تشغيل أعمالهم في روسيا. وفي حالة إيران، خشيت البنوك الأميركية من عودة العقوبات حتى بعد أن حصلت إيران على تخفيف العقوبات. والبنوك الغربية القليلة الكبرى التي يمكن أن تسهل عودة الشركات الغربية إلى روسيا هي من أصل الاتحاد الأوروبي، مثل بنك "رايفايزن" النمساوي، الذي لا يزال لديه عمليات ضخمة في روسيا. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات، فيمكنه تقييد قدرة بنوك الاتحاد الأوروبي على ممارسة الأعمال التجارية في روسيا.

كذلك تعد أصول البنك المركزي الروسي المجمدة ورقة ضغط قوية في يد أوروبا. فمعظم هذه الاحتياطيات محفوظة في بنك "يوروكلير" البلجيكي وأكثر من 60% منها يبدو أنها مقومة باليورو. علاوة على ذلك، تدير المفوضية الأوروبية القرض البالغ 50 مليار دولار الذي منحته دول مجموعة السبع لأوكرانيا باستخدام عائدات الفائدة من الأصول الروسية المجمدة.

وإذا تمكنت أوروبا من البقاء موحدة، وهو تحدٍّ كبير بكل تأكيد، فإنها تتمتع بنفوذ كبير في فرض العقوبات على موسكو في هيئة علاقات تجارية ووجود القطاع الخاص، وهما ورقتان رابحتان لا تستطيع واشنطن أن تلعب بهما. وأما ما يخص الكرملين، فمن غير المرجح أن يكون رفع العقوبات الأميركية فقط كافياً. وهذا يعني أن ترامب لا يستطيع أن يعطي بوتين كل ما يريده في مفاوضات أوكرانيا، على الأقل ليس على جبهة العقوبات. وربما يكون الاتحاد الأوروبي اللاعب الحقيقي هنا، مما يمنح ترامب سبباً واحداً على الأقل لإشراك الكتلة في المفاوضات بشأن نهاية محتملة للحرب بين روسيا وأوكرانيا.

المساهمون