أميركا تقود تكتلاً تجارياً لكبح نفوذ الصين... مبادرة "زرع الخلاف"

أميركا تقود تكتلاً تجارياً لكبح نفوذ الصين... مبادرة "زرع الخلاف"

24 مايو 2022
بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في طوكيو (Getty)
+ الخط -

لم يكن الإعلان الأميركي عن إطلاق شراكة اقتصادية جديدة في منطقة آسيا- المحيط الهادئ، من أجل التصدي لنفوذ الصين، مفاجئاً، وإنما يجرى الإعداد له منذ نحو أربع سنوات بين واشنطن وعدة دول حليفة، منها اليابان، بهدف إيجاد ممرات تجارية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية المعروفة باسم طريق الحرير، والتي نجحت من خلالها في الزحف تجاريا نحو أفريقيا وآسيا وحتى أوروبا، التي تعد الحليف الأكبر لأميركا.

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الإثنين، في طوكيو، إطلاق هذه الشراكة، لكن خبراء أبدوا تحفظات أو حتى بعض الشكوك حيال أبعادها الفعلية، إذ يرونها لمجرد زرع الخلاف بين الصين وشركائها التجاريين، وبالتالي تعطيل تمدد بكين وكبح زحفها نحو إزاحة أميركا من صدارة أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما توقعت مؤسسات مالية عالمية أخيراً حدوثه في غضون سنوات.

سلاسل الإمداد والبنية التحتية للطاقة

ولا يُعد "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" اتفاقية تجارة حرة، ولكنه ينص على مزيد من التكامل بين الدول الأعضاء في أربعة مجالات رئيسية، هي الاقتصاد الرقمي وسلاسل الإمداد والبنية التحتية للطاقة النظيفة ومكافحة الفساد.

وقال بايدن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا: "ستطلق الولايات المتحدة واليابان مع 11 دولة أخرى الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ".

تضم المبادرة بشكل أساسي 13 دولة هي الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا (الدول الأربع المنضوية تحت ما يعرف بتحالف كواد) الدبلوماسي، وكذلك بروناي وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا ونيوزيلندا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.

وتشكل هذه الدول معا حوالى 40% من إجمالي الناتج العالمي، كما يمكن أن تضم المبادرة دولاً أخرى على المدى الطويل، وفق ما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان.

كما أكدت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو أن "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" كان موضع ترحيب من قبل أوساط الأعمال في منطقة آسيا-المحيط الهادئ التي "تبحث بشكل متزايد عن بدائل للصين".

لكن العديد من الخبراء شككوا في هذا الإطار في الوقت الراهن. وقال روبرت كارنل، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا-المحيط الهادئ لدى المصرف الهولندي "آي إن جي"، في تصريح لوكالة فرانس برس، إن هذا الإطار الاقتصادي "يبدو أنه يستند إلى إثبات أن الولايات المتحدة شكلت قوة من أجل الاستقرار في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، وأن هذا يبرر الاصطفاف معها في القضايا الإقليمية". لكن كارنل أضاف أن دولا ناشئة في المنطقة قد تكون أقل اهتماماً بهذا الإرث التاريخي مقارنة بالاستثمارات الصينية "القوية".

زرع الخلاف

من جهته، قال كازوهيرو مايشيما، المختص في السياسة الأميركية في جامعة صوفيا في طوكيو، إن واشنطن تحاول "زرع الخلاف" مع هذه المبادرة، لكن إذا لم تكن اتفاقية تجارة حرة، فإن هذه الشراكة تخاطر بأن تكون "ضعيفة جدا"، طالما أن الكثير من دول آسيا والمحيط الهادئ لا تريد إثارة غضب الصين.

في ما يدل على هذا النهج الضعيف، أشاد رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ بالمبادرة، معتبرا أنها "إشارة ثمينة"، بحسب قوله، إلى أن إدارة بايدن "تدرك أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في آسيا"، معتبرا في الوقت نفسه أن المبادرات الاقتصادية الصينية في المنطقة "إيجابية"، وذلك في مقابلة مع صحيفة نيكاي اليابانية، نشرت أمس الإثنين.

وفي عام 2017، انسحبت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، وهو اتفاق واسع النطاق يتعلق بالتجارة الحرة متعددة الأطراف، تحولت إلى اتفاقية جديدة في عام 2018 لا تتضمن واشنطن.

وأشار بايدن إلى أنه لا ينوي إعادة إطلاق اتفاقيات التجارة الحرة، بالنظر إلى أن الرأي العام الأميركي يرى بغالبيته في هذه المعاهدات تهديداً لفرص العمل في الولايات المتحدة.

نقطة ضعف أخرى في هذه المبادرة هي الغياب الملحوظ لتايوان بين الدول المشاركة، في حين أن هذه الجزيرة، التي تطالب بكين بعودتها إلى سيادتها، هي مركز عالمي لصناعة أشباه الموصلات وتكنولوجيا أساسية أخرى، وفق فرانس برس.

لكن مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان قال إن واشنطن "تريد تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع تايوان" بما يشمل مجال أشباه الموصلات وسلاسل التوريد، لكن ذلك سيجرى "على أساس ثنائي".

احتواء الصين

وانتقدت الصين التحركات الأميركية. وقال وزير الخارجية وانغ يي، في تصريحات أوردتها وكالة شينخوا يوم الأحد، إن واشنطن تسعى إلى "تشكيل تكتلات صغيرة باسم الحرية والانفتاح" على أمل "احتواء الصين"، معتبرا أن المشروع الأميركي "محكوم عليه بالفشل".

وخاضت الولايات المتحدة حرباً تجارية مع الصين خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، كما بدأت فعلياً في وضع أساس تشكيل التحالف التجاري في آسيا لمواجهة بكين.

فقد نقلت صحيفة أستراليان فايننشال ريفيو، عن مسؤول أميركي كبير قوله في فبراير/ شباط 2018، إن الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان تناقش مشروع بنية تحتية دولية مشتركة كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

في المقابل، أظهرت العديد من المؤشرات التجارية والاقتصادية أن واشنطن خرجت من الحرب التجارية مع الصين بخسائر على غير المتوقع، لا سيما بعد أن عمقت تداعيات جائحة فيروس كورونا، على مدار العامين الماضيين، الندوب التي أصابت الكثير من القطاعات الاقتصادية الأميركية، بينما امتصت بكين أثار الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضتها واشنطن وخرجت كذلك سريعاً من تداعيات الوباء.

من الفائز في الحرب التجارية؟

وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً بعنوان "من الفائز في الحرب التجارية؟"، أشارت فيه إلى النتائج العكسية التي تسببت فيها سياسة ترامب.

واستعادت الوكالة تغريدات شهيرة للرئيس الأميركي السابق قال فيها إن "الحروب التجارية جيدة ويسهل الفوز بها"، وذلك عندما بدأ في فرض رسوم جمركية على حوالي 360 مليار دولار من الواردات الصينية عام 2018، لكنها لفتت إلى أنه تبين أنه كان مخطئاً في كلا الاستنتاجين.

وبدلاً من أن يتقلص العجز التجاري مع الصين، زاد إلى مستويات تاريخية. كما حلت مجموعة من 10 دول من جنوب شرق آسيا محل الولايات المتحدة كثاني أكبر شريك تجاري للصين في عام ما قبل جائحة كورونا.

وحتى قبل أن يصيب فيروس كورونا الملايين من الأميركيين ويؤدي إلى أشد انكماش اقتصادي منذ الكساد الكبير، كانت الصين تتحمل رسوم ترامب الجمركية، وفقاً للمقاييس ذاتها التي استخدمها لتبريرها.

وبمجرد سيطرة الصين على الفيروس، أدى الطلب على المعدات الطبية والسلع المرتبطة بالعمل من المنزل إلى توسيع فائضها التجاري مع الولايات المتحدة على الرغم من الرسوم. وبدت الصين في موقف أقوى، إذ سرعان ما طوقت تداعيات الوباء وأعادت الاقتصاد إلى عجلة الإنتاج.

وكانت الصين، حيث بدأ الوباء في ديسمبر/كانون الأول 2019، أول اقتصاد يتعرض للإغلاق، لكنها أعلنت الانتصار على الوباء في مارس/آذار 2020، حيث أعيد فتح المصانع وأبراج الشركات ومراكز التسوق، وأصبحت أول اقتصاد في العالم يعود إلى النمو.

وتعد الصين قوة اقتصادية صاعدة يقدر حجم اقتصادها بـ10 تريليونات دولار، بينما يقدر حجم الاقتصاد الأميركي بنحو 16.77 تريليون دولار. وباتت مبادرة حزام طريق الحرير، التي أطلقتها بكين عام 2013، تحظى بانضمام عشرات الدول، حتى باتت دول أوروبية كبرى تسعى وراء الاستفادة منها، بينما كانت من أكثر حلفاء أميركا اقتصاديا في السنوات الماضية.

ويعد طريق الحرير أضخم مشروع اقتصادي تطلقه الصين، ويشمل مشاريع للسكك الحديدية والطرق السريعة والمرافئ والطاقة تتجاوز قيمتها 1.2 تريليون دولار، ويغطي مناطق الصين وغرب آسيا وأوروبا، وانضم إليه حتى الآن نحو 65 بلداً. وتطمح الصين إلى رفع حجم التجارة بينها وبين دول الحزام إلى نحو 10 تريليونات دولار في غضون سنوات قليلة.

ويهدف الطريق إلى إنشاء مسارات تجارية متفق عليها بين عدد كبير من الدول، وبمبادرة اقتصادية واحدة، بحيث يجرى تبادل المشاريع والصفقات والأدوات التجارية والمالية وصولاً إلى عولمة جديدة، تعتبر الصين أنها ستكون لصالح الشعوب.

الصين تتمدد في آسيا وأفريقيا وأوروبا

وبجانب التمدد الصيني في آسيا وأفريقيا خلال العقدين الماضيين، بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة أن قطار نفوذها بدأ يصل إلى أوروبا، التي وصلت سلعها إليها عبر قطارات شحن متعددة الوجهات.

ولتمويل المبادرة، أعلنت الصين في القمة الخاصة بطريق الحرير في مايو/ أيار 2017، أنها ستنفق 124 مليار دولار على المشاريع، في حين أنها قدمت في السابق قروضاً بقيمة 890 مليار دولار من خلال بنوك التنمية والبنوك متعددة الأطراف الصينية.

وفي مقابل التمدد الصيني، باتت الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من إمكانية تعرضها للعزلة، لا سيما مع تبنيها، منذ إدارة ترامب السابقة، سياسات حمائية أغضبت شركائها التجاريين.

المساهمون