أميركا تدرس فرض قيود تجارية على روسيا بسبب أوكرانيا

أميركا تدرس فرض قيود تجارية على روسيا بسبب أوكرانيا... وتداعيات تطاول سورية وإيران

09 يناير 2022
بايدن وبوتين خلال قمة أميركية روسية في جنيف منتصف يونيو/حزيران الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تناقش إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من حلفاء الولايات المتحدة فرض قيود على الصادرات الروسية، خاصة إلى سورية وإيران وكوبا، وكذلك واردات روسيا من التكنولوجيا والإلكترونيات الحساسة، إذا "استولت موسكو على المزيد من مساحة أوكرانيا".

ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، عن مصدر وصفته بالمطلع على المناقشات الأميركية، إن "هناك اتجاهاً لحرمان روسيا من الإلكترونيات الدقيقة المصنوعة أو القائمة على برامج أو تكنولوجيا أميركية".

وأضاف المصدر أن تأثير القيود المزمعة على روسيا قد يتراوح من إلكترونيات الطائرات والآلات إلى الهواتف الذكية ووحدات التحكم في الألعاب والأجهزة اللوحية وأجهزة التلفاز.

قيود على الصادرات الروسية إلى سورية وإيران

وتابع أن روسيا قد تواجه أيضا قيوداً صارمة على الصادرات، مثل تلك التي تخص كوبا وإيران وكوريا الشمالية وسورية. ووفق بلومبيرغ، ستسعى السيناريوهات إلى الاستفادة من هيمنة الولايات المتحدة على التكنولوجيا من أجل ضرب روسيا في القطاعات العسكرية والمدنية والطموحات التكنولوجية.

وصعدت إدارة الرئيس الأميركي خطابها ضد الكرملين قبيل محادثات مقررة، غدا الاثنين، بين الدبلوماسيين الأميركيين والروس في جنيف، إذ سيحاول المبعوثون من كل جانب تجنب حدوث أزمة بعد مواجهة استمرت أسابيع بشأن نشر روسيا قوات قرب حدودها مع أوكرانيا.

ويستمر التوتر منذ أشهر، مع تحذير الغرب من أن روسيا قد تكون بصدد التخطيط لغزو شامل لجارته بعدما حشدت 100 ألف جندي على الحدود بينهما. في المقابل، يطالب الكرملين الحلف بعدم السماح بانضمام أوكرانيا، الجمهورية السوفييتية السابقة، إلى عضويته، وبأن يسحب قواته من مناطق قريبة من الحدود الروسية.

وتحمل الأزمة الأوكرانية مخاطر اقتصادية لروسيا، وكذلك للغرب، في حال عدم التوصل إلى تسوية من شأنها نزع فتيل التصعيد. إذ يكابد الاقتصاد الروسي للخروج من تداعيات جائحة كورونا، فضلا عن احتمال تضرر مداخيل الطاقة من المخاطر الجيوسياسية واحتمالات الحظر الاقتصادي، الذي سيؤدي أيضاً إلى هروب المستثمرين من الأصول الروسية.

ورغم الموارد الضخمة التي تمتلكها روسيا باعتبارها صاحبة أكبر مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي، وبالتالي صادراته في العالم، كما أنها أيضاً أكبر منتج للنفط، ولديها احتياطات من الذهب تقدّر بنحو 8 آلاف طن متري، وأكبر دولة منتجة للألماس، إلا أنها متخلفة تقنياً في الصناعات المدنية وتقنيات الذكاء الصناعي والهواتف النقالة والسيارات.

مقاومة الضغوط الخارجية

ويرى محللون أن الاقتصاد الروسي يعد من "الاقتصادات الهشة" التي ليست لديها مقاومة الضغوط الخارجية، خاصة ضغوط الحظر المشدد الذي تخطط له الولايات المتحدة في حال غزو أوكرانيا.

وقد لا تقتصر العقوبات الأميركية على فرض قيود على تصدير التكنولوجيا إلى روسيا وتجارة الدولة مع الخارج، وإنما على قطاعها المالي أيضا. إذ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن واشنطن تناقش مع حلفائها الغربيين احتمال حظر روسيا من استخدام نظام الحوالات الدولية "سويفت"، في حال الاستمرار في حشد جنودها على الحدود مع أوكرانيا.

وحظر الحوالات الدولية من أخطر العقوبات، التي ربما تعرقل تعاملات روسيا وتسوية مبيعات النفط والغاز بالدولار. ومن شأن هذه الخطوة أن تعرض روسيا لأزمة مالية خانقة تمتد تداعياتها إلى مختلف القطاعات.

وتقدّر شركة "ستاتيستا" المتخصصة في البيانات المالية حجم الدين السيادي لروسيا بنحو 296.29 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2021 ، كما تقدّر شركة "آي إن جي" الاستثمارية ديون الشركات الروسية بالعملات الصعبة بنحو 33 مليار دولار.

لكن ليست روسيا وحدها من ستخسر من تأزم المشهد. إذ من شأن استخدام موسكو سلاح الغاز أن يعمق أزمة الطاقة في القارة الباردة ويضرب اقتصادها.

وتواجه أوروبا أزمة غاز مستفحلة تهدد دول القارة بشتاء قارس وعتمة، كما تهدد المواطنين بزيادات قياسية في فواتير الكهرباء وتضخم مرتفع في الأسعار، خاصة الوقود، وسط تباطؤ الإمدادات الروسية وارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها في أشهر، ما أثار مخاوف بشأن التضخم على نطاق أوسع.

وتتزامن الأزمة التي لم تشهدها دول القارة من قبل مع توجيه روسيا شحنات الغاز نحو الشرق، وتحديدا إلى الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى قرار السلطات الألمانية تعليق منح رخصة تشغيل خط أنابيب "نورستريم 2" الروسي المثير للجدل، ما رفع مستويات القلق من نقص الإمدادات مع حلول فصل الشتاء.

أزمة الطاقة تضع أوروبا تحت رحمة بوتين

وتترك أزمة الطاقة دول الاتحاد الأوروبي تحت رحمة الطقس ومكائد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلاهما يصعب التنبؤ بهما، وفق وكالة بلومبيرغ.

وقال ماكسيمو ميسينيلي، مدير برنامج الطاقة والمناخ في شركة الاستشارات "فليشمان هيلارد - الاتحاد الأوروبي" إن "أزمة الطاقة ضربت الكتلة الأوروبية عندما كان أمن الإمدادات بنداً غير مدرج ضمن قائمة أولويات صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي".

وأضاف ميسينيلي :" يتوقع من أزمة الطاقة أن تبقى الأسعار في وضع متقلب، وأن تتسبب أيضاً في المزيد من التوتر السياسي بين الجهات التنظيمية في بروكسل وقادة الدول الـ27 الأعضاء في الكتلة".

وعلى الرغم من أن أزمة إمدادات الطاقة بلغت ذروتها بصورة مفاجئة، إلا أنها كانت تختمر منذ أعوام. إذ تمر أوروبا بمرحلة تحول في مجال الطاقة، وهي تغلق محطات الكهرباء العاملة بالفحم، وتزيد من اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة.

وفي هذا السياق، تعتبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية أنظف، إلا أنهما متقلبتان في بعض الأحيان، كما يظهر من الانخفاض المفاجئ في الطاقة المولدة من التوربينات الذي شهدته القارة العام الماضي.

وبدا النفوذ المتزايد، الذي تتمتع به موسكو على جيرانها، واضحاً في نهاية الشتاء الماضي، الذي كان شتاء بارداً وطويلاً بشكل غير عادي، ما أدى إلى استنفاد مخزونات أوروبا من الغاز في وقت كانت اقتصاداتها تتعافى من الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا.

وخلال فصل الصيف، بدأت شركة "غازبروم" الروسية، التي تسيطر عليها الدولة، في وضع حد لتدفقات الغاز إلى القارة العجوز، وهي خطوة أدت إلى تفاقم النقص الناجم عن الصيانة المؤجلة في حقول النفط والغاز في بحر الشمال.

كان إنتاج أوروبا من الغاز الطبيعي في حالة انخفاض على مدى أعوام، ما جعلها أكثر اعتماداً على الواردات. والآن، تقف روسيا على أهبة الاستعداد لتعزيز مكانتها باعتبارها أكبر مورد للكتلة.

في الوقت ذاته، أدى توقف فرنسا عن تشغيل العديد من مفاعلاتها لأغراض الصيانة والإصلاحات إلى خفض طاقتها النووية بنسبة 30% في أوائل يناير/كانون الثاني الجاري، في وقت تمضي ألمانيا بدورها في خططها لإغلاق منشآتها النووية كافة.

الغاز الأميركي لأوروبا مؤقت

وبينما يرى البعض أن الزيادة الأخيرة في واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أسهمت في توفير بعض الإغاثة، إلا أن ذلك يظل أمراً مؤقتاً في أحسن الأحوال، وفق محللين في قطاع الطاقة.

وفي الواقع، يستعد متداولو الطاقة في أوروبا بالفعل لما هو أسوأ، حيث ارتفعت أسعار الغاز، الذي يتم تسليمه من الربيع وحتى عام 2023، بنحو 40% خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقال ماسيمو دي-أودواردو، نائب رئيس أبحاث الغاز والغاز الطبيعي المسال لدى مؤسسة "وود ماكنزي" للاستشارات العالمية :"عام 2022 سيكون عاماً متقلباً آخر بالنسبة إلى أسعار الغاز الأوروبية".

المساهمون