أموال عربية عالقة في لبنان: حجز ودائع ضخمة ليمنيين وعراقيين وسوريين

أموال عربية عالقة في لبنان: حجز ودائع ضخمة ليمنيين وعراقيين وسوريين

08 يونيو 2021
بنوك لبنانية تحتجز ودائع لدول عربية بالدولار منذ ما يقرب عامين (العربي الجديد)
+ الخط -

تجاوزت أزمة الودائع الأجنبية في بنوك لبنان نطاق حدود الدولة، لتتصاعد حدتها في الآونة الأخيرة مع تزايد مطالب حكومات وشركات، وأفراد أيضاً، من دول عربية بردّ أموالهم المحتجزة في الدولة التي تشهد انهياراً مالياً واقتصادياً غير مسبوق.

ويزور وفد مصرفي رسمي يمني حالياً لأول مرة لبنان لبحث أزمة الأموال العالقة، التي أضحت تبعاتها تلقي بظلال سلبية أكثر حدة على البنوك اليمنية، التي تشهد بالأساس تردياً بفعل الحرب التي تمزق اليمن منذ نحو ست سنوات، إذ تتركز المباحثات التي عقدت مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفق مصادر مصرفية يمنية، على استعادة المبالغ المحتجزة المقدرة بحوالى 200 مليون دولار.

ولجأت البنوك اليمنية، طوال سنوات الحرب، إلى التعامل مع القطاع المصرفي والبنوك اللبنانية، التي كانت نافذتها على القطاع المالي والمصرفي الإقليمي والدولي والمعاملات المصرفية الخاصة بالاستيراد والتعاملات التجارية.

وقال مسؤول مصرفي من المشاركين في الوفد اليمني لـ"العربي الجديد" إن "هناك مؤشرات إيجابية للمباحثات مع مسؤولي مصرف لبنان المركزي وبنوك لبنانية أخرى، هناك وعود باتجاه الإفراج عن الأرصدة المحتجزة وسداد الالتزامات الخاصة بالبنوك اليمنية، حفاظاً على عمق العلاقات التاريخية بين القطاعين المصرفيين في اليمن ولبنان".

بدوره، أشار مسؤول في البنك المركزي اليمني، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن البنوك اليمنية تعاني من تبعات مؤثرة داخلياً وخارجياً بسبب الأزمة المصرفية في لبنان، لافتاً إلى أن احتجاز أموال البنوك زاد من الأضرار التي تتعرض لها السوق المصرفية في اليمن واضطراب العملة الوطنية.

في أواخر 2020، ألقى رئيس النظام السوري بشار الأسد باللائمة في المشاكل الاقتصادية المستمرة التي تعاني منها سورية على "أن ما بين 20 مليار دولار وحتى 42 مليار دولار تعود إلى مودعين سوريين فرضت عليها قيود في لبنان"

ويشهد لبنان منذ نحو عامين أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه المعاصر وانهياراً لقيمة العملة الوطنية، وفرض قيود مصرفية تحظر التحويلات المصرفية إلى خارج البلاد.

ومنذ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تحتجز المصارف اللبنانية حسابات الودائع بالدولار،  ووضعت سقوفاً على السحوبات من حسابات الليرة اللبنانية، فيما تشير تقارير لبنانية إلى أن البنوك مدينة بأكثر من 90 مليار دولار.

ولا تقتصر الأزمة على أموال البنوك، بل أيضاً الأفراد اليمنيين الذين توجهوا بأموالهم إلى لبنان، ولا توجد إحصاءات دقيقة حولها، فضلاً عن الاحتياطي الأجنبي للحكومة اليمنية.

وفي عام 2020، أشارت دراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إلى أن ما يصل إلى 20% من احتياطيات اليمن من العملات الأجنبية، التي تقدر بنحو 240 مليون دولار، كان عالقاً في البنوك اللبنانية.

وقال الخبير المصرفي اليمني أحمد السهمي، لـ"العربي الجديد"، إن القطاع المصرفي اليمني يعاني كثيراً بسبب هذه الأزمة، وهناك شبه توقف لارتباط اليمن بالتعاملات المصرفية الخارجية وأعمال التجارة الدولية عبر بنوك لبنان، ما أدى أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد من الخارج، خصوصاً أن اليمن يعتمد كلياً على الاستيراد في تلبية احتياجاته السلعية.

بحسب جمعية البنوك اليمنية، فإن الأمر يتطلب حلولاً عاجلة للودائع المحتجزة في بنوك لبنان من أجل تمويل احتياجات الاستيراد الضرورية وتخفيف المعاناة عن المواطنين في اليمن

وبحسب جمعية البنوك اليمنية، فإن الأمر يتطلب حلولاً عاجلة للودائع المحتجزة في بنوك لبنان من أجل تمويل احتياجات الاستيراد الضرورية وتخفيف المعاناة عن المواطنين في اليمن.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال محمود ناجي، رئيس جمعية البنوك اليمنية، إن "الجمعية طرحت هذه الأزمة على المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي، ووعد ببذل جهوده لدى السلطات النقدية اللبنانية وإقناعها بتفهم وضع البنوك اليمنية وحاجتها للأرصدة المجمدة".

شلل مصرفي وتجارة في اليمن

ولم تقتصر الأزمة على البنوك اليمنية المرتبطة بتعاملات مع الحكومة التي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها، أو الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، إذ أدت إلى وضع قيود صارمة على التحويلات النقدية بين مناطق طرفي الصراع، وعلقت غالبية البنوك المراسلة التعامل مع البنوك اليمنية في مجال التحويلات بالدولار وفتح الاعتمادات المستندية، وأثر ذلك كثيراً بتوفير الخدمات المصرفية، مثل التحويلات الإلكترونية الدولية، وعمليات التمويل التجاري، والحوالات التي تعتبر أمراً حيوياً لأداء الاقتصاد.

وقال التاجر عدنان الوافي، لـ"العربي الجديد"، إن عدم استرداد أموال بعض الكيانات والأفراد المودعة في بنوك لبنان أثر في القطاع التجاري في اليمن، وقطع خطوط تواصله مع الخارج، مشيراً إلى تضرر قطاعات تجارية مرتبطة بالتعاملات المالية الخارجية.

وبينما تركزت شكاوى العديد من مسؤولي البنوك اليمنية والتجار من احتجاز ودائعهم في بنوك لبنان، أكد المحلل المالي اليمني، محمد العمراني، أن تجميد الأرصدة لدى المصارف اللبنانية ليس سوى حلقة واحدة ضمن سلسلة من التبعات التي يعانيها اليمن بفعل الحرب.

وأضاف العمراني أن "بعض أطراف التحالف العربي عملت بشكل مريب على تقويض المؤسسات العامة المالية وتفكيك القنوات الإيرادية الحكومية ودفع العملة اليمنية نحو الانهيار، فالقطاع المصرفي اليمني يواجه أزمة سيولة خانقة، حيث إن حوالى 78% من إجمالي أصول البنوك غير متاحة للاستخدام، وهذه الأصول عبارة عن أوراق مالية حكومية، وأرصدة (ودائع واحتياطي) لدى البنك المركزي، وقروض للقطاع الخاص معرضة لخطر عدم السداد".

وتابع: "أصبحت البنوك في اليمن غير قادرة على الوفاء بطلبات عملائها من أصحاب الأعمال في الوقت المناسب، ما أضرّ بأنشطتهم وزعزع ثقتهم في القطاع المصرفي، مفضلين الاحتفاظ بالسيولة خارج البنوك، فضلاً عن بروز تحديات مستجدة لأزمة السيولة مثل وجود فرق كبير بين الدفع نقداً وعبر شيكات أو عدم قبول الشيكات.

فخ الفائدة المرتفعة

ورغم إبراز المحلل اليمني وجود أسباب جوهرية أخرى للانهيار المصرفي والتجاري اليمني بجانب دائرة احتجاز الودائع في بنوك لبنان، فإن صدى الأزمة اللبنانية وصل إلى دول مجاورة أخرى، منها العراق وسورية.

وأودعت الحكومات والشركات في المنطقة العربية أموالاً في المصارف اللبنانية لعدة أسباب، من بينها قوانين السرية المصرفية الصارمة في البلد والإعفاءات الضريبية، وحقيقة أن البنوك المحلية كانت تعرض لسنوات أسعار فائدة مبالغ بها على الودائع بالدولار من أجل جذب المزيد من المودعين.

ووفق تقرير حديث نشرته مجلة "إنترناشونال بانكر" المتخصصة، كان لبنان واحداً من البلدان القليلة جداً التي قدمت للمستثمرين معدلات عائد جذابة للغاية، وهذا ما جعل من هذه الدولة الصغيرة نقطة جذب للمستثمرين الأثرياء من جميع أنحاء العالم في الفترة السابقة على الأزمة المالية.

كشف مسؤول حكومي عراقي عن وجود مبالغ كبيرة لعراقيين أفراد وشركات في البنوك المالية تبلغ مئات ملايين الدولارات، فشل أغلبهم في استردادها أو نقلها لبنوك أخرى

مبالغ كبيرة لعراقيين

كشف مسؤول حكومي عراقي عن وجود مبالغ كبيرة لعراقيين أفراد وشركات في البنوك المالية تبلغ مئات ملايين الدولارات، فشل أغلبهم في استردادها أو نقلها إلى بنوك أخرى، وخضعت حالياً للتجميد، وعُرض على بعضهم تسلّم المبالغ بالتقسيط بالعملة المحلية اللبنانية.

ووفقاً للمسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن "أغلب الأموال المودعة في لبنان ناجمة عن عمليات فساد جرت في العراق، إذ سهلت البنوك اللبنانية عمليات الإيداع والتحويل للعراقيين في السنوات الخمس عشرة الماضية، وكانت تمثل مركزاً مالياً لشركات ومسؤولين وسياسيين وزعماء فصائل مسلحة، وزاد ذلك عقب العقوبات على إيران، إذ باتت مقصداً لتلك الجهات".

وأضاف: "تلك الأموال مودعة بأسماء صريحة لساسة وزعماء أحزاب وفصائل، وحتى ضباط أمن ومسؤولين بالحكومة أو بأسماء أفراد من أسرهم".

وقالت سلام سميسم، الخبيرة الاقتصادية العراقية، في تصريح خاص، إنه "قد تكون الأموال العراقية الأكثر حضوراً في مصارف لبنان، أكثر من غيرها بين الدول العربية".

ودائع سورية تقدَّر بـ45 مليار دولار

لكن في أواخر العام الماضي، ألقى رئيس النظام السوري بشار الأسد باللائمة في المشاكل الاقتصادية المستمرة التي تعاني منها سورية على "أن ما بين 20 مليار دولار وحتى 42 مليار دولار تعود إلى مودعين سوريين فرضت عليها قيود في لبنان". ولطالما استخدم رجال الأعمال السوريون البنوك اللبنانية لتجنب العقوبات الدولية وغيرها من القيود.

إيداعات السوريين تزيد عن 25.4% من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية، والبالغة نحو 177 مليار دولار

فيما قدرت دراسة أجراها "المرصد العمالي للدراسات والبحوث" في دمشق بعنوان "لبنان أمام أزمة مالية مرتقبة، وآثار سيئة على الاقتصاد السوري"، الإيداعات السورية بنحو 45 مليار دولار.

ويقول معد الدراسة، رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان، إن إيداعات السوريين تزيد على 25.4% من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية، البالغ نحو 177 مليار دولار.

وحول تفاصيل هذه التقديرات، أكد كنعان، خلال تصريحات صحافية أخيراً، أن تلك التقديرات تخص إيداعات السوريين الأفراد والمستثمرين، من دون احتساب إيداعات المصارف وشركات التأمين الخاضعة تحت بند حساب المراسلين وغيره، ومع احتساب هذه الأموال، فإن إجمالي الإيداعات يتخطى 50 مليار دولار.

وفي ظل امتداد أزمة المصارف اللبنانية إلى دول مجاورة، لا يزال اللبنانيون أنفسهم يعانون من تبعات احتجاز أموالهم، رغم تصاعد الاحتجاجات على تردي الظروف المعيشية والاقتصادية الناجمة عن هذه الأزمة.

وأسقطت الأزمة المالية والاقتصادية شريحة واسعة من المواطنين في براثن الفقر والبطالة، تزايدت حدتها مع انتشار جائحة فيروس كورونا منذ بداية العام الماضي.

وارتفعت نسبة الفقر في عام 2020 إلى 55% من السكان، وفق تقرير أخير للجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا "إسكوا"، إلا أن التوقعات تشير إلى أن النسبة ستكون مرتفعة أكثر في 2021.

وتتزايد التحذيرات الدولية من خطورة الأزمة. وذكر البنك الدولي، في تقرير له مطلع يونيو/ حزيران الجاري، أن "لبنان يغرق"، مرجحاً أن تحتل الأزمة المالية والاقتصادية في البلد مرتبة من الثلاث الأولى من الأزمات الأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

والشهر الماضي، قال حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، إن "الاحتياطيات الأجنبية التي تستخدم للدعم توشك على النفاد، وإن استخدام الاحتياطي الإلزامي لتمويل واردات السلع الأساسية سيكون صعباً من الناحية القانونية".

المساهمون