أموال اللوبي الصهيوني وترامب وخطة الاستيلاء على غزة

05 مارس 2025
ترامب خلال حديثه للصحافة في البيت الأبيض، 11 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استخدم دونالد ترامب الذكاء الاصطناعي لنشر فيديو مثير للجدل يظهر تحويل قطاع غزة إلى مدينة سياحية، في محاولة لتقديم القطاع لإسرائيل، رغم رفض مصر والأردن لخطة تهجير الفلسطينيين.
- لعبت ميريام أديلسون دوراً محورياً في السياسة الأميركية من خلال تمويل حملات سياسية ودعم شخصيات مثل نتنياهو وترامب، مستغلة ثروتها للتأثير لصالح إسرائيل.
- بعد فوز ترامب في 2016، اعترفت إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل، واستمر دعم ميريام له بتبرعات ضخمة لحملته في 2020، مما يعكس تأثير المال في السياسة الأميركية.

في خطوة استفزازية، استعان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكل من الذكاء الاصطناعي والمنصّة التي يمتلكها "تروث سوشال" لإنشاء ونشر مقطع فيديو يُظهر تحوُّل قطاع غزة من الدمار والركام إلى مدينة سياحية فاخرة تغزوها لافتات "غزة ترامب" وتعجّ بالمنتجعات المترفة التي يستجمّ فيها ترامب نفسه، بصحبة صديقه بنيامين نتنياهو، ويلقي فيها الملياردير إيلون ماسك الأموال في الهواء على إيقاعات أغنية "ترامب قادم لتحريركم". ورغم رفض مصر والأردن خطّة ترامب لاستقبال 1.5 مليون فلسطيني مُهجَّر قسرياً من غزة، لا يزال الرئيس الأميركي ترامب مصرّاً على تقديم قطاع غزة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، تنفيذاً للشرط الذي فرضه أهمّ المموِّلين الصهاينة لحملته الانتخابية.

من أهمّ المموِّلين الصهاينة الذين أغدقوا ملايين الدولارات على ترامب، بهدف التحكُّم في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل، نجد ميريام أديلسون التي تُصنَّف من أخطر سيدات الأعمال، وأكثرهن نفوذاً في العالم، بثروة تُقدَّر بنحو 33 مليار دولار. تكمل هذه الأرملة الإسرائيلية التي تكرِّس حياتها ومالها في سبيل خدمة المخطَّطات الصهيونية مسيرة زوجها الراحل شيلدون أديلسون، أحد أكبر أثرياء العالم من أبوين يهوديين والمُلقَّب بـ "إمبراطور القمار والكازينوهات" الذي صنع ترامب ونتنياهو.

فقد تمرَّد شيلدون على الفقر مبكِّراً، من خلال اقتراض أموال لافتتاح كشك لبيع الصحف في ريعان شبابه، ثمّ أسَّس بعد مدٍّ وجزر من الأرباح والخسائر التجارية في عدّة مشاريع صغيرة شركة "كومديكس" التي اختصَّت بتنظيم أكبر معارض الكمبيوتر في الولايات المتّحدة والعالم في سبعينيات القرن الماضي، ثمّ باع حصّته في عام 1995 مقابل 500 مليون دولار اقتحم بواسطتها عالم القمار والكازينوهات في مدينة لاس فيغاس، ليؤسِّس بذلك إمبراطورية "لاس فيغاس ساندز" التي تُعدّ أكبر شركة للنوادي الليلية والقمار في العالم، دون أن ننسى هنا الدور الكبير الذي لعبته ميريام في تأسيس هذه الإمبراطورية، فقد عملت قبل زواجها من شيلدون طبيبة متخصِّصة لعلاج الإدمان على المخدّرات في إسرائيل بعد تخرُّجها من جامعة تل أبيب وخدمتها في جيش الاحتلال.

في الواقع، تحوَّل الزوجان بفضل ثرواتهما الطائلة إلى شخصيتين ذواتي ثقل كبير في السياسة الأميركية، فقد بدآ مغامراتهما في السياسة في بداية التسعينيات، بداية بتمويل رحلات أعضاء الكونغرس الأميركي إلى إسرائيل، والرهان على نتنياهو، ودعمه في الفوز على رئيس الوزراء شمعون بيريز في انتخابات الكنيست في عام 1996، ووسَّعا نفوذهما في عام 2005، بعد أن تبرَّع كل واحد منهما بـ250 ألف دولار للرئيس جورج بوش الابن آنذاك من أجل ممارسة ما أمكنهما من الضغوط لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلّة، لكن سرعان ما باءت محاولاتهما بالفشل، في ظلّ إصرار بوش على تأسيس دولتين ديمقراطيتين على أرض فلسطين، واحدة للإسرائيليين وأخرى للفلسطينيين. غادر بعد ذلك بوش وحلَّ محله بارك أوباما الذي لم يحظ بدعم الزوجين أديلسون اللذين كانا يفضِّلان الحزب الجمهوري، وخضعت شركة أديلسون للتحقيق منذ أوائل عام 2011، بعدما استدعت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية Securities and Exchange Commission الشركة لتقديم وثائقها بخصوص قضايا رشاوى.

صرَّح الملياردير شيلدون أديلسون بنفسه في مقابلة نادرة مع مجلة بوليتيكو Politico بأنّه تبرَّع بما يصل إلى 70 مليون دولار في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 لإبعاد أوباما عن المكتب البيضاوي، وأكَّد أنّه على استعداد للقيام بكل ما يلزم لهزيمة أوباما، وبالفعل أكسبه هذا الإنفاق المسرف قدراً لا يستهان به من النفوذ، الأمر الذي حفَّز بوليتيكو على وصفه بـ"رجل أعمال اليمين".

موقف
التحديثات الحية

بحسب المنظّمة الأميركية "OpenSecrets" التي تتعقَّب تأثير أموال المتبرِّعين على السياسة الأميركية، التقى شيلدون أديلسون وزوجته ميريام مع المرشَّح الجمهوري في الانتخابات الأميركية ترامب في أواخر عام 2015 وناقشا آراءه بشأن إسرائيل، وقرَّرا دعمه، وبالفعل تبرَّعا لحملته الانتخابية في عام 2016 بـ20 مليون دولار، بعد أن وعدهما بأنّ أولى قراراته التي سيتَّخذها فور جلوسه على مكتب البيت الأبيض ستتضمَّن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس.

بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، تبرَّع الزوجان أديلسون من شدّة الفرح بـ 5 ملايين دولار لحفل تنصيب ترامب الذي لم يتَّخذ ذلك القرار فور دخوله البيت الأبيض، جرّاء تحذيرات المسؤولين الأميركيين ومستشاريه، الأمر الذي دفع شيلدون بتحريض من زوجته إلى مواصلة تشجيع ترامب على تجاهل تلك التحذيرات التي اعتبرها ضرباً من الجبن والتوجُّس المبالغ فيه، وفقاً لما جاء في الكتاب الصادر في عام 2022 بعنوان "رجل الثقة: صناعة دونالد ترامب وانهيار أميركا" Confidence Man: The Making of Donald Trump and the Breaking of America لمُراسِلة البيت الأبيض في صحيفة "نيويورك تايمز" ماغي هابرمان.

وكما شاءت أهواء ميريام وزوجها شيلدون، أعلن ترامب رسمياً اعتراف إدارته بالقدس المحتلَّة عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر/ كانون الأوّل 2017، وفي اليوم الموالي احتلّ إعلان تحت شعار "الرئيس ترامب، لقد وعدت، وأوفيت بوعودك. شكراً لك على اعترافك الشجاع بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل" إلى جانب صورة لترامب وهو يصلِّي عند الحائط الغربي، صفحة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز، وكان هذا الإعلان مموَّلاً من قبل الزوجين أديلسون اللذين عرضا أيضاً تمويل بناء مجمَّع ضخم للسفارة الأميركية في القدس.

وبعد نصف عام، وتحديداً في 18 مايو/ أيار 2018، نقل ترامب سفارة بلاده من تل أبيب للقدس المحتلة، بالتزامن مع الذكرى التي تحتفل فيها إسرائيل باستقلالها المزعوم. جدير بالذكر أنّ قرار نقل السفارة إلى القدس ليس وليد ولاية ترامب الأولى، بل يعود إلى ولاية بيل كلينتون الأولى، وتحديداً 23 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1995 حين أقرّ الكونغرس الأميركي قانوناً ينصّ على نقل سفارة الولايات المتّحدة في إسرائيل إلى القدس؛ وخلال الفترة الممتدّة من عام 1995 إلى غاية عام 2018، استغلّ كل الرؤساء المتعاقبين مادة من القانون نفسه تسمح بالتوقيع على قرار تأجيل نقل السفارة لمدّة ستّة أشهر لدواعي الأمن القومي.

وفي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، منح ترامب وسام الحرية الرئاسي لميريام التي تبرَّعت هي وزوجها فيما بعد بنحو 90 مليون دولار لحملته الانتخابية في عام 2020، ثمّ دعمته بعد وفاة زوجها بحوالي 100 مليون دولار للفوز على كمالا هاريس، مقابل وعود بإفراغ قطاع غزة من مواطنيه، ومنحه للكيان الصهيوني، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية.

خلاصة القول، أمثال ميريام وشيلدون أديلسون هم من تشملهم الآية الكريمة رقم 36 من سورة الأنفال: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ".

المساهمون