أموال الجزائر المنهوبة: الممكن والصعب في رحلة استعادتها

أموال الجزائر المنهوبة: الممكن والصعب في رحلة استعادتها

04 فبراير 2023
 خلال التحركات ضد الفساد في الجزائر (بلال بنسالم/ فرانس برس)
+ الخط -

أعادت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول حجم الأموال المنهوبة المسترجعة منذ 2019، سنة سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة، بعث السجال والجدال حول حقيقة استرجاع الأموال التي نهبها الكارتل المالي لنظام بوتفليقة، وحول مصير الأموال الموجودة خارج البلاد، التي لا تزال الجزائر تسابق الزمن لاسترجاعها في ظل تعقد المسار القانوني والقضائي.

وكان تبون قد فجر قنبلتين بكشفه عن أرقام الأموال والممتلكات المنهوبة المسترجعة في أعقاب محاكمات الفساد التي تعيشها الجزائر منذ 2019، حيث أكد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استرجاع 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة، وهو الرقم الذي فجّر جدلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الساحة السياسية.

ثم عاد الرئيس الجزائري ورمى قنبلة ثانية مطلع يناير/كانون الثاني، بعد كشفه عن حجز 36 مليار دولار كانت مكدسة لدى عائلة نافذة في الكارتل المالي، وهو الرقم الذي خلف موجة من الجدل في الجزائر وخارجها، وأعاد توجيه بوصلة الشارع الجزائري نحو ملف استرجاع الأموال المنهوبة، الذي جعله الرئيس العنوان الأبرز لعهدة الرئاسية الحالية.

وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن قيمة ما استرجعته الجزائر مؤخرا لامست 56 مليار دولار، وهو رقم قسّم الرأي العام بين قابلٍ ومرحبٍ بمجهودات الدولة الجزائرية، وبين متحفظٍ لضخامة الأرقام، بالرغم من التقديرات الرسمية السابقة التي كشفت ان حجم الأموال المنهوبة فاق 100 مليار دولار طيلة فترة حكم بوتفليقة (1999 - 2019).

وفي السياق أكد شعبان زروق مدير ديوان رئاسة الحكومة سابقا أنه "لا يمكن لأي جاحد أن يتجاهل الإرادة السياسية والجهود الكبرى التي بذلتها الدولة من أجل فتح ملف الفساد على مصراعيه والقيام بالمتابعات القانونية ضد المفسدين، ومن جهة أخرى لا بد من التنويه بالعمل القضائي الهام".

وتابع: "صرحت السلطات السياسية بأن القيمة المالية للأموال المسترجعة باختلاف طبيعتها قد بلغت ما يربو على 20 مليار دولار في المرحلة الأولى وهو رقم يجب أن نشيد به مهما كانت الآراء حوله، الأكيد هناك مسعى لمحاربة الفساد المالي يجب أن يمتد إلى الفساد المعنوي الذي طاول الذاكرة الجماعية، خاصة المتعلقة بثورة الجزائر، إذ إن في عهد بوتفليقة، تمت إعادة الاعتبار لبعض الحركى (الخونة)، آباء بعض المسؤولين الكبار، الذين نهبوا أموال الجزائريين".

وفي ما يتعلق بالأموال المهربة خارج الجزائر، أضاف زروق الذي سبق وأن شغل منصب قاضٍ في تصريح لـ "العربي الجديد" أنه " يتعين على الجزائر سلوك واحد من طريقين لا ثالث لهما، إما التوجه للدول المعنية بالأحكام القضائية بالصيغة التنفيذية، وفي حالة رفضها، تقوم الدولة الجزائرية برفع دعوى قضائية لدى الجهات المختصة في البلدان المعنية للتبليغ عن الأموال المهربة وحجزها.

إلا أن المعضلة في مجال استرجاع الاموال المنهوبة من الخارج تكمن في أن هذا الإجراء قضائي محض لا دخل للسلطات السياسية فيه خاصة في البلدان الغربية حيث القضاء يتبوأ مكانة مرموقة تكمن في استقلاليته تجاه السلطة التنفيذية".

ومع عودة قضية استرجاع الأموال المنهوبة لتصدر واجهة الأحداث في الجزائر خلال الأيام الأخيرة، عادت التساؤلات حول مصير الأموال المنهوبة الموجودة خارج الجزائر، وحول إمكانية استعادتها خاصة وأن ما تم استرجاعه من أموال كان في الجزائر فقط.

ورغم وجود ترسانة من القوانين التي تسمح للجزائر بإطلاق مسار استرجاع الأموال المنهوبة، يستبعد الخبير الاقتصادي جمال نور الدين استرجاع هذه الأموال خلال السنوات المقبلة، إذ يرى أن "الطريق القضائي والقانوني طويل، وأن الدول التي تربطها مع الجزائر اتفاقيات في هذا الشأن لا يمكن أن تسحب أموال المسؤولين الجزائريين المودعة لديها إلا بملف قضائي ثقيل".

ويدعو جمال نور الدين في حديثه مع "العربي الجديد" إلى "إيجاد سبل أخرى لاسترجاع الأموال، منها الوصول إلى تسوية مع المتهمين، مقابل إعادة الأموال المنهوبة"، مشيرا إلى صعوبة تتبع مسار هذه الأموال المنهوبة، خاصة إذا تم تهريبها إلى مناطق ودول الملاذات الضريبية.

وحسب الخبير الجزائري فإن "التحقيقات في جرائم الفساد ستطاول مدتها، لأن الجرائم الاقتصادية متعلقة بالصفقات العمومية والمبالغ المالية الضخمة، وهذا يحتاج لخبرات اقتصادية وتقنية طويلة حول المشاريع المنجزة، أغلب الأموال المنهوبة تم تهريبها للخارج، واسترجاعها يحتاج أولا إلى تحديد حجمها والدول الموجهة إليها، إذ لا يمكن أن نجري وراء شيء لا نعرف ما هو".

وفي رده على سؤال بخصوص المدة الزمنية التي ستستغرقها العملية، يتوقع جمال نور الدين أن "يستغرق استرجاع الأموال وقتا طويلا، على اعتبار أن العملية تمر عبر عدة مراحل وعدة جهات، بداية من الإجراءات القضائية والدبلوماسية، والتي تشمل المنظمات المالية المختصة في البحث عن مراكز الأموال، لنصل إلى مرحلة إعادة الأموال، وهو ما قد يستغرق بين عامين وخمسة أعوام وربما أكثر".

المساهمون