استمع إلى الملخص
- أفران الطين تحولت إلى مشاريع تعاونية بين العائلات، حيث تتعاون النساء في إعداد أفران مشتركة، مما يوفر فرص عمل للشباب العاطلين.
- قصص نجاح مثل أحمد سلامة وأم خالد حميد تظهر كيف يساهم الابتكار والتعاون في تخفيف الأزمات، بتوفير الخبز والدخل رغم التحديات.
تزايد توجه النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة خلال الفترة الماضية، إلى فتح مشاريع صغيرة لصناعة الخبز على أفران الطين البدائية في محاولة لتوفير قوت أسرهم، بعد أن تقطعت بهم السبل إثر فقدانهم مصادر دخلهم الأساسية بسبب التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي على مختلف النواحي المعيشية والاقتصادية.
ولجأ الفلسطينيون خلال فترة الحرب منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى ابتكار حلول بديلة لتلبية احتياجاتهم اليومية في ظل شح الموارد وانقطاع الكهرباء، وتعد صناعة الخبز على أفران الطين، والتي أصبحت بالنسبة للبعض مصدر دخل يوفر قوتهم اليومي واحدة من هذه الحلول.
وبدأ رواج أفران الطين في القطاع منذ الأيام الأولى للعدوان لكنها زادت كثيراً في الفترة الأخيرة بسبب استمرار انقطاع الكهرباء والوقود وغاز الطهو مما يدفع العائلات للبحث عن بدائل، حيث يعتبر الحطب المستخدم لتشغيل الأفران رغم غلاء أسعاره، أرخص وأكثر توفيراً.
وتمكن أفران الطين العائلات من خبز احتياجاتها من الخبز دون الحاجة إلى الاعتماد على المخابز التجارية، التي تغلق أبوابها غالبا بسبب الأوضاع الأمنية والظروف التشغيلية الصعبة وانعدام الموارد، ويتم إنشاؤها عبر سلسلة خطوات، تبدأ باختيار الموقع وتجهيز المواد الخام وأساسها الطين المخلوط بالتبن لزيادة التماسك والمتانة ويصنع الفرن على هيئة قبة مع فتحة علوية لخروج الدخان وفتحة جانبية لإدخال الحطب وفتحة أمامية لإدخال العجين، فيما يترك الفرن بعد تشكيله لعدة أيام حتى يجف تماما ويصبح جاهزا للاستخدام.
وتحولت الأفران إلى مصدر دخل للعديد من الأسر التي تقوم بإنتاج كميات كبيرة من الخبز وبيعه للجيران أو في الأسواق المحلية، خصوصا مع إغلاق المخابز، أو صناعة الخبز الخاص بالجيران بمقابل مادي يصل إلى دولار أميركي مقابل كل عشرة أرغفة، علاوة على إعداد منتجات أخرى مثل الفطائر، والكعك والحلويات، وحتى شوي الخضروات، واللحوم ما يفتح مجالات دخل إضافية.
وتتعدد الفئات العاملة في أفران الطين، حيث تدير بعض العائلات أفرانا مشتركة، ففي بعض المخيمات تتعاون النساء لإعداد أفران طين مشتركة تخدم مجموعة من العائلات، ويتم تقاسم التكاليف والإنتاج، ويبادر بعض الشباب العاطلين عن العمل إلى صناعة الخبز وبيعه في الأسواق المحلية، ما يمنحهم مصدر دخل مستقل، كذلك يجد بعض من فقد عمله في هذه المهنة مصدرا لتعويض الدخل.
يقول الفلسطيني أحمد سلامة (38 عاما) وهو صاحب فرن طين إنه بدأ بالتفكير في إقامة الفرن البدائي منذ الأشهر الأولى للحرب التي شهدت اشتداد القصف، وتوقفت المخابز بسبب انقطاع الكهرباء والغاز: "فكرت في طريقة لتوفير الخبز لعائلتي وجيراني، فقررت بناء فرن طين بجوار خيمة النزوح في مدينة دير البلح فأنا كنت قد رأيت والدي يستخدم أفران الطين قديما فاستلهمت الفكرة وبدأت بتنفيذها".
وتحول الفرن إلى مصدر دخل لأسرة سلامة، وعن ذلك يوضح لـ"العربي الجديد" أن الجيران شجعوه على صناعة الخبز بمقابل مادي لتوفير مصدر دخل بدل الذي فقده في الحرب، يقوم من خلاله ببيع الخبز، أو صناعة الخيز بمقابل مادي، الأمر الذي بات يعينه على توفير الخبز الطازج لأسرته يومياً.
ويضيف: "أشعر بالفخر لأنني أساعد الناس في ظل هذه الظروف، خاصة في ظل اعتماد الكثير من العائلات على الخبز الذي أنتجه، وهذا يمنحني شعوراً بالرضا"، لافتا إلى التحدي الأكبر المتمثل في الحصول على الحطب الكافي الذي يقوم بشرائه بأسعار مرتفعة، ما يؤثر على الربح الضئيل، إلى جانب الغلاء الشديد في أسعار الطحين وعدم توفره معظم الوقت نتيجة ضعف المساعدات الإنسانية وسرقة الشاحنات من قبل اللصوص.
أما الفلسطينية أم خالد حميد فقد أنشأت برفقة أولادها الخمسة فرن طين لتوفير مصدر دخل يعينها على توفير المتطلبات الأساسية، مبينة أن ذلك التوجه جاء بفعل الأوضاع الاقتصادية المتردية وعدم قدرتها على صرف شيك الشؤون الاجتماعية، في ظل شح المساعدات الإنسانية والإغاثية، إلى جانب الغلاء الشديد في أسعار المواد الغذائية والأساسية كافة.
وتوضح أم خالد لـ"العربي الجديد" أنها توزع أدوار العمل مع أولادها، حيث يجمع بعضهم الحطب والبعض الآخر يقوم بتحطيمه وتجهيزه للإشعال، فيما تقوم هي بصناعة الخبز وإنضاج أصناف الطعام، على الرغم من الإرهاق الشديد الذي يصيبها نتيجة الدخان الكثيف والذي بات يؤثر على قدرتها على التنفس.
وتسبب العدوان في فقدان أكثر من 200 ألف فلسطيني في قطاع غزة لوظائفهم وارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 80%، إلى جانب وصول معظم أهالي قطاع غزة إلى حافة المجاعة بفعل معاناة جميع السكان من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد،
وتقول لفلسطينية إسراء أبو سيدو من مدينة غزة إنها تقوم بتجهيز العجين الخاص بأسرتها صباح كل يوم، وتتجه إلى صناعته عند فرن قريب من خيمتها غربي مدينة دير البلح بمقابل مادي، وذلك لعدم قدرة زوجها على إنشاء فرن طين أو التعامل معه، حيث كان يعتمد على شراء الخبز من المخابز قبل أن تغلق أبوابها.
وتضيف أبو سيدو لـ "العربي الجديد": عندما بدأ القصف على منطقتنا في حي النصر وسط مدينة غزة، نزحنا إلى مخيم النصيرات ومن ثم إلى دير البلح ولجأنا إلى مخيم نزوح، كنت أبحث عن طريقة لتأمين الخبز لأولادي، فسمعت عن أفران الطين التي يديرها السكان وبدأت التعامل معهم بصناعة الخبز مقابل مبلغ مالي.