أظلمت الصين فلماذا تتخبط مصر؟!

أظلمت الصين فلماذا تتخبط مصر؟!

01 نوفمبر 2021
الصين واجهت مجموعة من الأزمات الااقتصادية خلال العام الجاري (Getty)
+ الخط -

واجهت الصين صدمة ثلاثية خلال الأسابيع القليلة الماضية، تمثلت في انقطاع التيار الكهربائي في أغلب أنحاء البلاد، وانتشار فيروس دلتا المتحور عن وباء كوفيد 19، وتراجع سوق العقارات، الذي يمثل 29% من الناتج المحلي، وجاءت صدمة أكبر من الخارج عندما شهدت الأسواق ارتفاعا في أسعار الطاقة.

أدت الأزمات الأربع الكبرى إلى استمرار توقع هبوط نمو اقتصاد الصين عن الهدف الذي حدده الحزب الشيوعي بنحو 8% سنويا إلى ما يقل عن 6%، وفقا لتنبؤات الخبراء، بعد أن زادت الأزمات أسعار الكهرباء، بنحو 20% وتراجع سوق العقارات الذي بلغت ديونه نحو 5 تريليونات دولار بنسبة 13.5%، وانخفض إنتاج الصلب والسيارات.
وشهدت أسواق الصين ارتفاعا في أسعار السلع للداخل والتي يتم تجهيزها للتصدير، مع توقع باستمرار الزيادة إلى ما قبل أعياد السنة الصينية في فبراير المقبل.

كما تشهد حركة النقل للموانئ العربية بخاصة زيادة تتجاوز 3 أضعاف القيمة خلال الفترة الأولي لانتشار الوباء عام 2020 مع ارتباك شديد في حركة الشحن.

أزمات الصين التي تعد القوة الاقتصادية الثانية في العالم، لن تتوقف عند حدودها، بعد أن بلغ أثرها السيئ الولايات المتحدة وهي القوة الأولى دوليا، وتهدد بتباطؤ الاقتصاد الأوروبي، فما بالنا ونحن العرب وقد أصبحت الصين الشريك التجاري الثاني للدول العربية، وأحيانا الشريك الأول في حالة دولة كمصر.

فأزمة الصين تهددنا مباشرة، لأننا اخترنا الرهان عليها باعتبارها دولة تفصِلُ الاقتصاد عن السياسة، وتفضل التعامل مع أنظمة لا ترفع شعارات حقوق الإنسان أو تلتزم بأية معايير ديمقراطية، أو تحدد حصصا لمنتجاتها، أو تضع معيارا عاليا لجودة الإنتاج.
أصبحت بلادنا سوقا للنفايات الصينية، فلم يتوقف طلب التجار المصريين عن الحصول على تأشيرة السفر إلى الصين، التي تعطلت منذ عامين بسبب الوباء، رغبة في إغراق السوق، بمثل هذه البضائع. فأمثال هؤلاء يحققون أرباحا طائلة من بيع تلك السلع، فإن زادت التكاليف حتما سيستردونها.
فالسوق المصري يعاني أيضا من حالة سعار متصاعد في الأسعار منذ عدة أشهر، متأثرا بأسباب داخلية، منها زيادة أسعار المياه والكهرباء والغاز والوقود والتعليم والمسكن، والمواد الغذائية والخدمات بما رفع التضخم إلى 6.6%.

فإذا ما أضيفت الزيادة التي طرأت على أسعار الطاقة في الأسواق العالمية والشحن والطيران مع زيادة الديون إلى نحو 140 مليار دولار مع أعباء أقساطها وفوائدها، فإن الأزمة التي تحاصر اقتصاد الصين ستزداد بالتبعية حدتها على اقتصاد مصر.

شهدت أسواق الصين ارتفاعا في أسعار السلع والتي يتم تجهيزها للتصدير، مع توقع باستمرار الزيادة إلى ما قبل أعياد السنة الصينية في فبراير المقبل

الصين التي تصدر لنا كل شيء، ومعها السائحين ستستغني عن شراء كثير من المنتجات المحلية، وعلى رأسها الخامات الأولية كالألومنيوم والحديد الخردة والفوسفات والرخام، رغم أنها أصبحت أكبر مقرض للدول النامية ومنها مصر.
فقد برزت الصين كأكبر دائن دولي غير تجاري في العالم خلال العقد الماضي، حيث أقرضت مصارف الدول النامية نحو 843 مليار دولار، بما فاق ما قدمه البنك الدولي وصندوق النقد خلال 18عاما.
ستدفع الأزمة الصين إلى إعادة هيكلة ديونها، ولن تكون مشكلتنا فقط في عدم قدرتنا على تصدير منتجات أولية، بل سنستورد منتجات غالية الثمن بما يصاعد الزيادة المستمرة في العجز التجاري، ويحرم مصر وغيرها من تدفق الاستثمارات الصينية والقروض والسائحين.

إذن علينا في مصر أن نقلق بشأن أزمة الصين، لأنها في المقام الأول، ستصدر إلينا التضخم من أسواقها مع تغير أسعار السلع وكافة الخدمات مع عدم قدرتنا على التوقع بما هو آت بعد موسم الشتاء، عدا أن نخبة من المحللين ذكرت لوكالة بلومبيرغ" أن اقتصاد الصين سيواصل تباطؤه العام القادم"، وهو يعني أن الأسواق المتصلة بها ستتأثر بشدة بما يعرف بسقوط قطع " الدومينو".
الأخطر من ذلك أن الأزمة ستدفع الصين إلى خفض اعتماداتها المالية لمشروعاتها الدولية، وإعادة هيكلة ديونها السيادية، ومطابقة هذه الديون لمعايير صندوق النقد، بعد أن خضعت قروضها القديمة لتدقيق دولي، والتي لم يكن الصندوق على علم بها إلى أن أفصحت عدد من الدول بهذه التفاصيل، بعد أن عجزت عن سداد هذه الديون.
ستسقط قدرة الصين على استمرار قيادة العربة في الطريق الخطأ. فهي تمكنت من السيطرة على الأسواق الدولية من خلال نظام شيوعي يدير الاقتصاد بوسائل ليبرالية، تعتمد على أسس الاقتصاد المفتوح.

الأزمة التي تحاصر اقتصاد الصين ستزداد بالتبعية حدتها على اقتصاد مصر

كان الأمل يحدونا أن تتحول الصين إلى قوة كبرى تأخذ بيد الدول، الفقيرة منها خاصة، إلى نظام دولي جديد قائم على احترام الشعوب وحماية حقوق الإنسان وتطبيق مبادئ أخلاقية وديمقراطية، فإذا بنا نجد نظاما ديكتاتوريا يدفع باقتصاده الضخم نحو أزمة، يطلب حرية الأسواق بينما يحول دون حرية الإنسان ويضطهد الأقليات الدينية والعرقية، ويدفع بالعمال إلى السخرة ويحارب المجتمع المدني والنقابات، فيكون نموذجا وداعما قويا بالمال والسلاح لأنظمة ديكتاتورية وأخرى سيئة السمعة في أنحاء العالم.
من المتوقع أن تزداد المخاطر الاقتصادية العالمية، مع زيادة معدلات التضخم في أنحاء العالم، كما تذكر منظمة التعاون الاقتصادي.

وفي استطلاع أخير لمؤسسة رينيسانس كابيتال، بينت أن مصر ستشهد انخفاضا في النمو إلى ما دون 5% مع زيادة في التضخم تتجاوز 6.4% العام المالي المقبل، تصل إلى7%، عام 23/24.

فإذا ما استبعدنا صعوبة الحصول على قروض دولية وانشغال الشريك التجاري الأول بذاته، وتوقع تراجع عوائد المصريين بالخارج، مع تأثر أسواق العمل بالخليج بالأزمات الدولية، سنجد أن الاقتصاد المصري غير المتوازن، يحتاج إلى إصلاحات عميقة للابتعاد عما يعيشه اقتصاد الصين وغيره من أسواق المال.

ربما تكون هناك الكثير من الإصلاحات المطلوبة، على طاولة المسؤولين، خاصة هواة الافتخار بما تعلنه المؤسسات الدولية عن إيجابيات الاقتصاد المصري، ولكنهم في حاجة إلى التدقيق فيما تذكره هذه المؤسسات حاليا عن خطورة الاعتماد على القروض والدعم السياسي من الخارج دون الحصول على رضاء الشعب عما تقوم به من ممارسات تمس حياته ومستقبله.

يكفينا ما ذكرته مؤسسة " فيتش" التي رفعت تقييمها الأسبوع الماضي للاقتصاد المصري، حيث أكدت في تقريرها "ارتفاع المخاطر السياسية المرتبطة بحرية التعبير، التي يمكن أن تعكس صورة غير واقعية لمستوى الرضا عن الإصلاحات الاقتصادية عبر أدوات التعبير السلمية".
وعلى المسؤولين المصريين تذكر أن الصين مهما تقدمت اقتصاديا سيظل نظامها سيئ السمعة أمام أغلبية واسعة من مواطنيها والخارج، وهكذا الأنظمة التي تسير في ركابها، ولن يؤذي ذلك الصين، فالدول لا يساء إلى سمعتها، ولكن الأنظمة فقط هي التي تتعرض لهذه الإساءات.

المساهمون