أسواق غزة تتنفس: توافر البضائع وسط الغلاء وقلة الدخل

04 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 18:05 (توقيت القدس)
سوق في خانيونس جنوبي غزة، 8 مارس 2025 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة الحياة التجارية في غزة: بعد إغلاق طويل للأسواق بسبب القيود الإسرائيلية، بدأت الحياة التجارية تعود ببطء مع دخول محدود للشاحنات، لكن ضعف القدرة الشرائية وغياب السيولة يعيقان الانتعاش الكامل.

- التحديات الاقتصادية المستمرة: رغم فتح المحال، تظل الظروف الاقتصادية صعبة مع ارتفاع البطالة والفقر، مما يجعل الانتعاش شكليًا فقط. الأسواق تعاني من ضعف الطلب وارتفاع الأسعار، مما يزيد من إحباط التجار.

- الحاجة إلى حلول جذرية: الخبراء يرون أن تدفق البضائع بأسعار معقولة وخلق فرص عمل ضروريان لتحسين الوضع الاقتصادي، مع دعوة المؤسسات الدولية للضغط من أجل تحسين الأوضاع.

عادت الحياة التجارية في قطاع غزة لتتنفس من جديد مع السماح بدخول كميات محدودة من الشاحنات التجارية، بعد أكثر من خمسة أشهر من الإغلاق الكامل للأسواق نتيجة نفاد البضائع، ومنع إدخالها عبر المعابر المغلقة من الاحتلال الإسرائيلي.

وتبدو هذه العودة، والتي طال انتظارها، منقوصة في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وغياب السيولة النقدية وبقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة تفوق الضعفين أو أكثر، مقارنة بما كانت عليه قبل بدء العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وقال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن ما يدخل من السلع حالياً لا يتجاوز 15% من حاجة سكان القطاع، وهو ما يجعل الأسواق عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من الطلب.

وأوضح في بيان أن إجمالي الشاحنات التي دخلت القطاع خلال 35 يوماً، منذ إعلان الاحتلال السماح بإدخال شاحنات التجار والمساعدات في 27 يوليو/ تموز الماضي، لم يتجاوز 3.188 شاحنة من أصل 21 ألفاً متوقعة.

نشاط ظاهري في أسواق غزة

ويعكس المشهد في الأسواق مفارقة واضحة، فالتجار أعادوا فتح محالهم بعد شهور من الخسائر وتوقف العمل، والبضائع عادت إلى الرفوف ولو بكميات محدودة، لكن المتسوقين يمرون في الغالب مرور الكرام، ويكتفون بالتساؤل عن الأسعار دون شراء سوى الضروريات. ورغم فرحة الغزيين بعودة الحركة إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي ترافقت مع معدلات بطالة وفقر غير مسبوقة، تجعل من هذه العودة مجرد "انتعاش شكلي" لا يحل جذور الأزمة.

وعبّر الفلسطيني أحمد البهنساوي، والذي جال في سوق البريج وسط قطاع غزة، عن سعادته بعودة البضائع للأسواق قائلاً إن مشهد الرفوف التي امتلأت من جديد ولو بشكل جزئي يعطينا شعوراً بعودة الحياة. وأضاف البهنساوي في حديث لـ"العربي الجديد": "الناس حُرموا طوال الأشهر الماضية من أبسط حاجاتهم اليومية، ولكن الفرحة لا تزال منقوصة، فمعظم المواطنين بلا دخل أو رواتب والقدرة الشرائية تكاد تكون معدومة، وهو ما يترك الأسواق في حالة حركة ظاهرية فقط من دون عمليات بيع حقيقية".

ونبه إلى ضرورة تكثيف المساعدات الإغاثية للأسر الغزية، موضحاً أن إدخال البضائع التجارية إلى الأسواق لا يكفي وحده لحل الأزمة في ظل انعدام السيولة النقدية لدى الناس. وختم حديثه: "حتى لو امتلأت الأسواق بالسلع، فإن المواطن بلا دخل لا يستطيع الشراء، ولهذا فإن المساعدات المباشرة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها حتى يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم الأساسية".

في حين، أعاد التاجر عزيز دياب فتح محله في سوق الصحابة الشعبي بعد إغلاق قسري منذ مطلع مارس/ آذار الماضي، ليعود إلى بيع البهارات والتوابل التي يشتهر بها محله، واصفاً الأمر بأنه فرصة للعودة إلى العمل والبحث عن الربح بعد شهور من انعدام الدخل.

وقال دياب لـ"العربي الجديد": "الصعوبات ما زالت تحاصر التجار والمستهلكين معاً، حيث إن العملة المتداولة مهترئة، والأسعار ارتفعت بشكل كبير والمواطنين يشترون كميات صغيرة جداً لا تكفي لتلبية احتياجاتهم"، مشيراً إلى أن الأسواق لن تستعيد عافيتها إلا بتدفق البضائع بشكل أكبر وبأسعار معقولة.

وأضاف: "نحن نعمل ساعات طويلة لكن العائد ضئيل جداً، ومعظم الزبائن يطلبون بأقل الكميات الممكنة، وأحياناً يغادرون دون شراء وهذا يضاعف من إحباط التجار الذين ينتظرون منذ شهور لحظة عودة الحركة التجارية".

الأزمة مستمرة

رأى الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، سمير أبو مدللة، أن إعادة عمل الأسواق خطوة ضرورية لديمومة الاقتصاد الغزّي وتشغيل عجلة الحياة، لكنه يصفها بالناقصة في ظل بقاء الكميات الواردة محدودة وارتفاع الأسعار إلى مستويات مضاعفة، مصحوبة بضعف القدرة الشرائية للمواطنين".

وأكد أبو مدللة في حديث مع "العربي الجديد" أن قطاع غزة يحتاج أكثر من 600 شاحنة يومياً لتغطية احتياجاته، بينما تسمح سلطات الاحتلال بدخول نحو 70 شاحنة فقط في أحسن الأحوال، وهو ما يبقي السوق في حالة عجز متواصل ويمنع أي انتعاش حقيقي. وقال إن المؤسسات الدولية مطالبة بالضغط من أجل تدفق أكبر للبضائع بما يسهم في خفض الأسعار وإعادة التوازن للأسواق، مضيفاً: "غياب الاستقرار التجاري ينعكس على قطاعات أخرى مثل النقل والتخزين والعمالة اليومية، ما يحرم آلاف الأسر من مصادر دخلها ويزيد اعتمادها على المساعدات".

وبدوره، قال المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد: "فتح الأسواق يمثل خطوة إيجابية، لكنها لا تغير من واقع الأزمة العميقة في غزة، خصوصاً أن نسبة البطالة تجاوزت 83% فيما تفوق معدلات الفقر 90%، وهو ما يجعل الغالبية العظمى من الأسر عاجزة عن شراء احتياجاتها اليومية حتى في حال توفرها".

وأوضح لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن أكثر من 95% من سكان القطاع يعتمدون بشكل مباشر على المساعدات الإنسانية، وهو ما يحوّل الأسواق إلى مجرد واجهة محدودة النشاط، مشيراً إلى أن إعادة الحياة الاقتصادية تتطلب معالجة جذرية تشمل خلق فرص عمل جديدة، وتشغيل عجلة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على المساعدات وزيادة تدفق المساعدات.

وأكد أن أي حديث عن انتعاش حقيقي يظل بعيد المنال ما لم ترفع القيود عن إدخال البضائع بشكل واسع وتتخذ سياسات داعمة للفئات الفقيرة، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي يهدد بتدهور اقتصادي إضافي، إذ تتسع الفجوة بين قلة تستطيع الشراء وغالبية لا تملك سوى الانتظار على قوائم المساعدات التي لا تصل إليهم.

المساهمون