أسواق العيد في فلسطين... غلاء ودماء ولا رواتب

28 مارس 2025
سوق الحرجة في رام الله، 18 أغسطس/آب 2023 (عصام الريماوي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت الحكومة الفلسطينية عن عدم قدرتها على صرف رواتب فبراير 2025 قبل عيد الفطر بسبب امتناع إسرائيل عن تحويل أموال المقاصة، مما أثر على الأسر الفلسطينية وأبرز تحكم إسرائيل في الاقتصاد الفلسطيني.

- تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة بسبب الاقتطاعات الإسرائيلية وتراجع المساعدات الخارجية، مع صعوبة الحصول على قروض أو مساعدات جديدة بعد أحداث أكتوبر 2023.

- العمليات العدوانية الإسرائيلية في الضفة الغربية أدت إلى تراجع الاستهلاك والمعاملات المالية، مما أثر على الاقتصاد الفلسطيني، حيث انخفضت الإيرادات بنسبة 30-40% وتغيرت ثقافة التسوق.

 

بكل حسرة تلقى (م. س)، وهو مدير مدرسة حكومية في نابلس، الإعلان الصادر أول من أمس عن وزارة المالية الفلسطينية بعدم صرف راتب شهر فبراير/ شباط 2025 قبل حلول عيد الفطر، فقد كان يعول عليه كثيرا لتوفير مستلزمات العيد من ملابس لأطفاله وضيافة بسيطة للزائرين. وأعلنت الحكومة الفلسطينية، الأربعاء، عدم تمكنها من صرف رواتب موظفيها عن فبراير قبل عيد الفطر، الذي يحل في مطلع الأسبوع القادم.

وبررت وزارة المالية عدم قدرتها على صرف الراتب "نظراً لامتناع وتعمد حكومة الاحتلال الإسرائيلي من عدم تحويل أموال المقاصة لشهر فبراير حتى هذه اللحظة". وأكدت الوزارة في بيان، الأربعاء، أن الجهود مستمرة ومكثفة لتوفير السيولة المطلوبة، وسيتم صرف الرواتب فور تحويل حوالة المقاصة.

طامة كبرى قبل العيد 

وقال مدير المدرسة الحكومية، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "نعيش طامة كبرى، فقرار استلامنا الراتب وبكل صراحة ووضوح ليس بيدنا نحن الفلسطينيين، بل يتحكم به وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، وبالتالي قراره هو النافذ وحكومتنا لا تملك من أمرها شيئاً".
وقال بسخرية: "كنا نتوقع أن تصرف الحكومة هذه الليلة الرواتب، حتى تحتسب عن 83 شهرا لأنها ليلة القدر..."، يقهقه من ألمه ويقول: "فعلا شر البلية ما يضحك".

يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحتجز سبعة مليارات شيكل (1.89 مليار دولار)، من عائدات الضرائب الفلسطينية منذ عام 2019 حتى فبراير 2025، بحسب وزارة المالية الفلسطينية. وأموال المقاصة هي مجموعة الضرائب والجمارك المفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من إسرائيل أو من خلال المعابر الحدودية الإسرائيلية (البرية والبحرية والجوية). ومنذ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل في تسعينيات القرن الماضي تجبي وزارة المالية الإسرائيلية أموال المقاصة وتحولها للجانب الفلسطيني شهريا، مع اقتطاع 3% منها مقابل أتعاب طاقم الوزارة.

قرار متوقع

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أيهم أبو غوش أن هذا القرار كان متوقعا نتيجة القراءات الاقتصادية الجارية التي تشير لتعمق الأزمة المالية الخانقة لدى السلطة الفلسطينية بسبب تفاقم الاقتطاعات الإسرائيلية لأموال المقاصة وشبه توقف المساعدات الخارجية، خاصة مع اقتراب إجازة عيد الفطر السعيد. ووصف أبو غوش في حديث لـ"العربي الجديد"، الصورة في ظل التكهنات الاقتصادية بغير الواضحة، مستبعدا حدوث متغيرات قبل حلول العيد تساهم في حل المعضلة.
وقال أبو غوش: "الحلول ليست سهلة، فإما يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تحويل أموال المقاصة بشرط ألا تقل عن 400 مليون شيكل، أو أن تأخذ السلطة قرضا استثنائيا من أحد البنوك، أو أن تقوم إحدى الدول العربية المانحة بتقديم مساعدة مالية عاجلة تغطي الرواتب أو ما تبقى لصرف 70% من الراتب، وكل هذه السيناريوهات بعيدة المنال".
وأشار أبو غوش إلى أن الحلول الاستثنائية التي كانت تلجأ إليها السلطة لصرف 70‎% من الراتب باتت صعبة للغاية وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واصفًا الحلول بـ"تلبيس الطواقي"، وهي عبارة عن أخذ قروض من الشركات الكبرى والديون والإيرادات المحلية.
وبيّن أن الاقتطاع البنكي وصل للحدود العليا ولم تعد هناك مقدرة على تقديم التسهيلات الائتمانية للحكومة، حيث قال أبو غوش إن السلطة اعتادت مثلًا أن تحصل على جاري مدين من أحد البنوك بضمانة المقاصة، وهذه السياسة التي بُنيت عليها إدارة المال العام للحكومة منذ تسلمها زمام الأمور.
يذكر أن اقتطاعات المقاصة قد تأتي تحت دعاوى قضائية لعائلات المستوطنين ممن يسمونهم "ضحايا الإرهاب" وتصل إلى ملايين الشواكل.

تداعيات كبيرة للعدوان

بدوره، يقول مدير الأكاديمية المهنية للعلوم المالية شادي حمد لـ"العربي الجديد"، إن العمليات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية عامة ومحافظات الشمال خاصة أسفرت عن تراجع الاستهلاك والمعاملات المالية والبنكية، لا سيما في المناطق التي شهدت تدميرًا واسعًا وشبه توقف للعملية التجارية، كما أن حالة الحرب غير المعلنة بالضفة تركت أثرا بالغا في تراجع وصول فلسطينيي الداخل إلى الضفة التي كانت الحركة الشرائية النشطة معتمدة عليهم بشكل كبير، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات بنسبة 30-40%.

واستطرد قائلاً إن تأثيرات وتداعيات الحرب أدت إلى انكماش كبير في الاقتصاد الفلسطيني وتأثرت السيولة النقدية بشكل كبير، وثقافة التسوق للمواطن الفلسطيني اختلفت في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن "حالة تخوف المواطنين من تداعيات الأزمة المستمرة تدفع إلى انخفاض النفقات على الصعيدين الاستثماري والاستهلاكي، واقتصارها على متطلبات الحياة الأساسية، وبالتالي ستكون هناك إشكالية في السيولة، وهو ما كان يستدعي تدخلات وإجراءات لمواجهة هذه الحالة، لا سيما في ظل تضرر أو توقف قطاعات كبيرة جراء الحرب، وهناك قطاعات تعمل بطاقة لا تتجاوز 50%.

فوق الطاقة

من جهة أخرى أيضًا، يرى حمد أن البنوك لم تعد تستطيع أن تتحمل أكثر، لذا رفضت خطة الحكومة لصرف نسب قليلة مثل ‎%‎40، لصعوبة اقتطاعها من الموظفين المقترضين وصعوبة إيجاد مسوغ قانوني وإجرائي للعملية.

وكانت سلطة النقد قد أصدرت أخيرا تعليمات للمصارف ومؤسسات الإقراض للتسهيل والتخفيف من آثار الأزمة الحالية والحرب القائمة. وطلبت سلطة النقد من المصارف منح القروض الجديدة وتوجيهها وجدولة التسهيلات وهيكلتها، وذلك نظرًا إلى وجود صعوبة في موضوع الالتزام بتسديد الأقساط الشهرية. بدورها، جدولت البنوك التسهيلات وأعادت هيكلة البعض منها، كما وجهت التسهيلات الجديدة لأنشطة تتعلق بالأمور الإنتاجية وليس الاستهلاكية، لكن دون جدوى ملموسة حتى الآن.

وتعول الحكومة على دعم أوروبي محتمل وعلى إيرادات غير متحصلة بعد، وفق حمد، الذي يقول: "رغم التحذيرات والتشديدات على ضرورة ترشيد النفقات وضبط فاتورة الرواتب ووقف التوظيفات والترقيات غير الضرورية في ظل الظروف السياسية الاستثنائية، وبالإضافة للكارثة الاقتصادية الناجمة عن نهب الاحتلال للأموال وتراكم المديونية العامة على مر الحكومات المتتابعة بسبب الوهم الاقتصادي وغياب الرقابة البرلمانية كحالة سياسية نادرة، إثر ذلك كله نحن اليوم نشهد حصاد ثمار هذه الإدارة المالية".

المساهمون