أسوأ سيناريو للمجاعة في غزة... ومساعدات محدودة تفشل في تحريك السوق

30 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 01:24 (توقيت القدس)
غزيون يحملون أكياس دقيق من المساعدات، 27 يوليو 2025 (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استئناف إدخال المساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم لم يحسن الأسعار أو توافر السلع بسبب قلة الكميات وغياب التأمين اللازم، حيث دخلت 160 شاحنة في يومين، وهو عدد غير كافٍ.
- غزة تحتاج إلى 600 شاحنة يومياً لتلبية الاحتياجات، لكن إسرائيل تسمح بإدخال 5% فقط، مما يفاقم أزمة الغذاء، وفقاً لتحذيرات المرصد الرئيسي للأمن الغذائي.
- سياسة التقطير الإسرائيلية تسببت في ارتفاع الأسعار وتشوه الاقتصاد، حيث يعتمد 95% من سكان غزة على المساعدات، مما يستدعي فتح المعابر بشكل دائم.

رغم سماح الاحتلال الإسرائيلي باستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم، بعد دخولها من معبر رفح المصري، لم تشهد الأسواق المحلية في القطاع أي تحسّن فعلي في الأسعار أو توافر السلع، نظراً لضآلة الكميات المدخلة، وغياب التأمين اللازم لوصولها إلى مستحقيها. ففي يوم الأحد الماضي، دخلت إلى قطاع غزة 73 شاحنة محملة بالمساعدات، وهو عدد يقل كثيراً عن الحد الأدنى المطلوب لإحداث أي تأثير حقيقي في الأسواق التي تعاني من شح حاد منذ بداية الحرب. وزادت حالة الإحباط عند الغزيين مع دخول عدد 87 شاحنة، أمس الاثنين، وسط رفض إسرائيل تأمين الشاحنات، ما جعلها عرضة للسرقة والنهب قبل توزيعها.

أسوأ سيناريوهات المجاعة

يحتاج قطاع غزة، بحسب تقديرات حكومية وأممية، إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والصحية، إلا أن إسرائيل تواصل فرض سياسة التقطير، حيث لم تسمح خلال الشهور الماضية سوى بإدخال ما لا يتجاوز 5% من هذه الاحتياجات، قبل أن تغلق المعبر كلياً في 2 مارس/آذار الماضي، لمدة 148 يوماً. وحول ملف المساعدات الشحيحة، أعلن المرصد الرئيسي للأمن الغذائي في العالم، أمس الثلاثاء، أن "أسوأ سيناريو مجاعة يحصل الآن" في قطاع غزة المحاصر والمدمّر بفعل الحرب المستمرة منذ 21 شهراً بين إسرائيل وحركة حماس.

وحذّر "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" IPC الذي وضعته الأمم المتحدة بأن عمليات إلقاء المساعدات فوق القطاع غير كافية لوقف "الكارثة الإنسانية"، مشدداً على أن عمليات إدخال المساعدات برّاً "أكثر فاعلية وأماناً وسرعة". لكن حسب مراقبين، فإنّ المساعدات البرية الشحيحة وعرقلة الاحتلال دخول الاحتياجات الفعلية للقطاع، تساهمان في الاتجاه نحو تعميق كارثة التجويع.

الأسعار تعاود الارتفاع في غزة

عبّر الفلسطيني، عبد الله مقبل، من مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، عن إحباطه من حجم المساعدات التي دخلت مؤخراً، قائلاً: "استبشرنا خيراً مع إعلان استئناف إدخال المساعدات وتوقعنا كميات كبيرة وتأميناً فعلياً لها، لكن للأسف لم يحدث شيء من ذلك". وأضاف لـ"العربي الجديد": "شهدت الأسعار انخفاضاً مؤقتاً صباح الأحد، لكنها سرعان ما عادت للارتفاع في المساء، مع اختفاء الشاحنات دون فائدة تذكر للسكان المجوّعين". وأكد بائع الطحين (الدقيق) في سوق دير البلح وسط القطاع، باسم العر، أن سعر كيلو الطحين انخفض من 55 شيكلاً إلى 23 شيكلاً صباح الأحد، أي بنسبة انخفاض بلغت 58%، نتيجة انتشار أخبار دخول المساعدات، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن السعر سرعان ما ارتفع مجدداً ليتراوح بين 45 و50 شيكلاً بسبب ندرة الكمية، وفشل إيصالها إلى الأسواق (الدولار = نحو 3.35 شواكل).

في حين، ذكر بائع الأرز والبقوليات في سوق مخيم النصيرات، هيثم صلاح، أن أسعار الأرز لم تتأثر كثيراً، إذ انخفض الكيلو من 80 إلى 70 شيكلاً فقط، بسبب محدودية الكميات الواردة، وغياب الكميات التجارية الكافية. وقال صلاح لـ"العربي الجديد": "كان هناك أمل لدى الناس بانخفاض واسع في أسعار السلع الأساسية، لكن الكميات لم تكن كافية، ولم تصل فعلياً للغالبية، ما جعل الوضع كما هو والمجاعة مستمرة". واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاحتلال الإسرائيلي بالاستمرار في هندسة المجاعة، وتكريس الفوضى الأمنية داخل القطاع، عبر سياسات ممنهجة تستهدف شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل من معبر كرم أبو سالم.

وقال المكتب، في بيان صحافي، إن عدد الشاحنات التي دخلت القطاع يوم الاثنين، لم تتجاوز 87 شاحنة، مؤكداً أن غالبيتها تعرضت للنهب والسرقة، بسبب الفوضى الأمنية التي يغذيها الاحتلال عمداً، دون توفير أي حماية أو تنظيم لعملية التوزيع".
وأشار البيان إلى أن عمليات الإنزال الجوي التي تنفّذ كانت رمزية وعديمة الجدوى، حيث لم تتجاوز كميات المواد التي أُسقطت ما يعادل نصف شاحنة فقط، وجرى إسقاطها في مناطق قتال حمراء، شرق حي التفاح ومحيط جباليا، وهي مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال، ولا يمكن للسكان الوصول إليها.

سياسة التقطير مستمرة

من جهته، يرى المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، أن إسرائيل لا تزال تتّبع سياسة تجويع واضحة ومقصودة عبر التحكم في عدد الشاحنات الواردة لقطاع غزة، قائلاً: "الحديث عن إدخال عشرات الشاحنات لا يغيّر شيئاً، في ظل احتياج القطاع لأكثر من 600 شاحنة يومياً، تتضمن جميع السلع دون تمييز أو تغليب صنف على آخر". وأوضح لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن استمرار سياسة التقطير يُبقي حالة المجاعة قائمة، ويؤدي إلى تشوه اقتصادي دائم في الأسواق الغزية، مشيراً إلى أن الأسواق في غزة فقدت ديناميكيتها، ولم تعد تخضع لآليات العرض والطلب الطبيعية، ما جعل الأسعار تقفز بشكل كبير بين يوم وآخر. وأضاف: "خطة حرمان الأسواق من السلع كانت جزءاً من النهج الإسرائيلي منذ بداية الحرب، ولعل الحل الوحيد يتمثل في فتح المعابر بشكل دائم ومنتظم دون شروط، لضمان وصول الكميات الكافية، ومنع التلاعب أو الاحتكار".

من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ، أن التجويع بات أداة رئيسية في يد إسرائيل ضمن سياق "حرب الإبادة الجماعية"، مشيراً إلى أن الندرة المتعمدة للسلع تسببت في ارتفاعات جنونية في الأسعار، وصلت إلى أكثر من 7000% على بعض المواد الأساسية. وقال بربخ في حديث لـ"العربي الجديد": "ما جرى في اليومين الماضيين، كان مجرد هالة إعلامية لتخفيف الضغط الدولي، لكن فعلياً الأسعار لم تتغير، والانخفاضات لم تتجاوز 12% في أفضل الحالات، وسرعان ما عادت الأسعار للارتفاع، مع عدم وصول المساعدات لمستحقيها". وحذّر من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي في غزة، داعياً إلى اعتماد سياسة السوق الحرة ورفع القيود بالكامل، مع ضمان وصول المساعدات فعلياً إلى السكان، الذين بات أكثر من 95% منهم يعتمدون بشكل كلي على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

المساهمون