أزمة وقود عاصفة تنتظر اليمنيين: شحنات قادمة بأسعار جديدة

أزمة وقود عاصفة تنتظر اليمنيين: شحنات قادمة بأسعار جديدة

15 أكتوبر 2021
تشهد أسعار الوقود وغاز الطهو منذ منتصف الشهر الماضي ارتفاعاً ملحوظاً (فرانس برس)
+ الخط -

يترقب اليمنيون بمخاوف عديدة تطورات سوق الطاقة العالمية، التي تشهد قفزات سعرية كبيرة خلال الفترة الماضية، ومستوى استجابة الأسواق المحلية التي تعتمد بشكل كبير على استيراد احتياجاتها من الوقود، وفي ظل الإجراءات المتخذة مؤخراً لتخفيف القيود على ميناء الحديدة، وانفراج الأزمة في عدن بعد قيام البنك المركزي بتلبية طلبات استيراد الوقود وسداد مستحقات التجار المستوردين.

ومن المتوقع أن تستقبل الأسواق اليمنية شحنات وقود مستوردة بالأسعار الجديدة المرتفعة، في الوقت الذي تشهد فيه معظم مناطق البلاد الخاضعة لسلطات متعددة اختناقات وأزمات متواصلة ومتكررة في الوقود منذ بداية الحرب في 2015، وزادت حدتها بشكل كبير آخر عامين، الأمر الذي فاقم معيشة اليمنيين بصورة لم يعد باستطاعة كثير منهم احتمالها.

ويقول محمد محفوظ، سائق تاكسي في عدن، لـ"العربي الجديد"، إنه قد يتوقف عن العمل في حال استمر الوضع الراهن بالصورة التي عليها الآن من ارتفاعات متواصلة في أسعار البنزين، إذ لم يعد قادرا على إضافة أي نسبة إلى المبلغ الذي يحدده للمشوار "الرحلة" الواحد من منطقة مثل الشيخ عثمان شمال عدن إلى كريتر وسط عدن، والتي تكلف حالياً المسافر نحو 5 آلاف ريال.

أما في حضرموت، التي تشهد احتجاجات متواصلة تنديداً بأزمة الوقود وتدهور الأوضاع المعيشية، فيشكو الموظفون المدنيون في الأجهزة والدوائر الحكومية، خصوصاً المعلمين، من صعوبة التنقل في مناطق مبعثرة مترامية الأطراف من مناطق سكنهم إلى مقرات أعمالهم، الواقعة في المكلا أو سيئون، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وأجور المواصلات.

وفي صنعاء، يشكو سائقو باصات النقل الداخلية، التي تعمل أغلبها بغاز الطهو، من عدم قدرتهم على العمل بالأجرة الراهنة التي تصل إلى 100 ريال للمشوار "الرحلة"، في ظل ارتفاع أسعار الغاز التجاري إلى أكثر من 12 ألف ريال للقنينة الواحدة.

ويقول المزارع في محافظة ذمار، شمالي اليمن، حاشد يحيي، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار الديزل أجبرته على اتباع خيارات قاسية في التعامل مع مزارعه، وترك مساحات واسعة لم يستطع زراعتها لصعوبة توفير مياه كافية لريها، نظراً لتقنين استهلاكه المياه من آبار الري العاملة بالديزل، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة بشكل كبير.

وتشهد أسعار الوقود وغاز الطهو منذ منتصف الشهر الماضي ارتفاعا ملحوظا بقرارات رسمية في مختلف المحافظات اليمنية، مثل عدن وحضرموت وتعز، الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، والعاصمة صنعاء ومختلف المحافظات شمالي اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون.

وتستجيب السوق اليمنية منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول تحديداً لزيادة تدريجية في أسعار مختلف المشتقات النفطية، إذ وصل سعر الصفيحة الواحدة من البنزين 20 ليتراً في عدن إلى 7500 ريال من 5500 ريال في يوليو/ حزيران، و6800 في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، بينما شارف سعر الليتر الواحد من البنزين في حضرموت الـ800 ريال، بنسبة زيادة تصل إلى 700% مقارنة بنفس الفترة الراهنة من العام الماضي.

في المقابل، اعتمدت محطات البيع الرسمية والتجارية في صنعاء مؤخراً الأسعار التي كانت متداولة في السوق السوداء في الأشهر الأولى من العام الجاري نحو 11300 ريال، بعد تغطية احتياجات الأسواق التي عانت طويلاً من أزمات طويلة في المعروض، نتيجة لتخفيف القيود المفروضة على واردات الوقود في ميناء الحديدة.

ويتوقع الخبير المختص في مجال الطاقة جميل القاضي، في حديثة لـ"العربي الجديد"، أن تشهد أسعار الوقود ارتفاعات قياسية ورسمية خلال الفترة القادمة في عموم محافظات اليمن، بعد استقبال ميناء الحديدة الأسبوع الماضي سفينة محملة بالمشتقات النفطية، خصوصا الغاز، لتغطية احتياجات الأسواق في مناطق شمال اليمن التي تعاني من أزمة شديدة نتيجة لتوقف الإمدادات القادمة من حقول صافر في مأرب بسبب المعارك العسكرية الدائرة هناك.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويضيف أن السوق اليمنية مقبلة على أزمة سعرية كبيرة بعد إنهاء الحكومة اليمنية، من خلال البنك المركزي اليمني، إجراءات المصارفة الخاصة باستيراد المشتقات النفطية، بعد نحو 8 أشهر من آخر عملية قام بها المركزي اليمني.

ودعا البنك المركزي اليمني، مطلع الأسبوع، كافة البنوك التجارية التي تقدمت بطلبات عملائها لاستيراد السلع الأساسية ضمن الدفعة (41) من الوديعة السعودية، والتي سبق توريد مبالغها نقداً الى البنك المركزي وتمت مصارفتها، للحضور إلى المقر الرئيسي للبنك المركزي في عدن، لغرض استكمال الإجراءات والتنفيذ بحسب الاتفاق مع البنك المركزي.

كما أشار البنك إلى استمراره في سداد مستحقات التجار المستوردين والمزودين لشركة النفط بالمشتقات النفطية، والذين تم إجراء المصارفات لهم مؤخراً لدى البنك المركزي، ودعا البنوك للتقدم بطلبات التحويل إلى الحسابات الخارجية مرفقةً بها كافة الوثائق اللازمة لاستكمال الإجراءات.

وبرزت واردات الوقود إلى اليمن كورقة رئيسية في الحرب والصراع الدائرين، طوال السنوات الست الماضية، في بلد يعتمد بشكل أساسي على استيراد جميع احتياجاته من الوقود والغذاء والدواء، مع ارتفاع كبير في فاتورة الاستيراد في ظل زيادة الاستهلاك وانهيار العملة وتوقف التصدير.

وتشهد واردات الوقود ارتفاعاً ملحوظا خلال الشهرين الماضيين، إثر المباحثات التي رعتها سلطنة عمان لتخفيف القيود المفروضة على السفن المحملة بالوقود والمتجهة إلى ميناء الحديدة غربي اليمن، الذي يسيطر عليه الحوثيين.

يأتي ذلك بعد انخفاض المتوسط الشهري لكمية الوقود المفرغة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2021 إلى 73% بحسب آخر بيانات التقرير الشهري لآلية التحقق والتفتيش للأمم المتحدة، لتصل إلى 38309 أطنان مقارنة بمتوسط شهري بلغ حوالي 142221 طنًّا عام 2020، وانخفضت بنسبة 78% لتصل إلى 180339 طنًّا مقارنة بالمتوسط الشهري منذ مايو/ أيار 2016.

وبلغ متوسط واردات الوقود، وفق بيانات ملاحية وإحصائية حملها تقرير صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، نحو 157 ألف طن شهريًّا خلال العامين  2018 - 2019، ساهمت في تغطية حوالي 29% من الطلب المحلي في المتوسط خلال الفترة نفسها.

وبالتالي، فإن فجوة الطلب تقدمت بنسبة 71%، أي بحوالي 386 ألف طن شهريًّا في المتوسط، في حين توسعت هذه الفجوة من كافة الأوجه خلال العامين 2020–2021، اللذين تشهد فيهما البلاد أكبر أزمة في الوقود بسبب انهيار العملة المحلية إلى أكثر من 1200 ريال للدولار الواحد، وأزمات الاستيراد نتيجة لانعدام الدولار ونفاذ الاحتياطي النقدي من البنك المركزي اليمني.

ويعكس ذلك حقيقة أن قلة العرض من الوقود تمثل عاملًا أساسيًّا في أزمة المشتقات النفطية في اليمن، حيث ترتبط أسعار الديزل والبنزين والغاز ارتباطًا وثيقًا بوفرة العرض. وبغرض توفير العملة الأجنبية لمستوردي المشتقات النفطية، نفذ البنك المركزي في عدن عددا من خدمات المصارفة والتحويل الخارجي لتجار المشتقات النفطية عبر البنوك التجارية، بأسعار تقل عن أسعار السوق للعملة الأجنبية.

وتدل هذه النتائج على أن أزمة المشتقات النفطية تتسم بالتكرار والتزامن لجميع أنواع المشتقات في الفترة ذاتها، وهو الأمر الذي يضاعف المعاناة والأثر السلبي على مختلف شرائح الدخل الثابت والمؤقت في اليمن، الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة.

المساهمون