أزمة فرنسا العصية: جدل داخلي وتحذيرات أوروبية من شلل يهدد الاستقرار
استمع إلى الملخص
- جان لوك ميلونشون ينتقد "الدراما المالية المختلقة" ويتهم الرئيس ماكرون بالتواطؤ، بينما يدعو غابريال أتال إلى اتفاق سياسي حول الميزانية لتجنب تكاليف مالية أكبر.
- الأزمة الفرنسية تضعف الاتحاد الأوروبي، وتبرز الحاجة إلى إصلاح النظام السياسي أو تغيير الثقافة السياسية لتشجيع التسوية، وفقاً لأرانتشا غونثاليث لايا وإيفان فيروغسترات.
لم يُقابَل الفشل في التصويت على مشروع موازنة فرنسا وما تلاه من إجماع على تنحية رئيس الحكومة فرانسوا بايرو من منصبه، بإجماع مماثل حول كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. فبينما تتفق القوى السياسية على تشخيص عمق المأزق، يظل الخلاف قائماً حول سبل الحل، في وقت يزداد فيه الضغط الاجتماعي بفعل التضخم، وضعف الأجور، وأزمة السكن.
جان لوك ميلونشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، رفض ما وصفه بـ"الدراما المالية المختلقة". وفي حوار مع صحيفة "لوباريزيان" (Le Parisien) قال إن بايرو "اخترع أزمة مالية لا وجود لها بدافع مناورات سياسية محضة"، متهماً الرئيس إيمانويل ماكرون بـ"التواطؤ لأنه صادق على هذا الطرح". وحذّر من أن خطاب بايرو الكارثي قد يؤدي إلى أزمة حقيقية إذا ما صدقته وكالات التصنيف الائتماني، مطالباً بالتوقف عن "المزايدات التي تثير الهلع وتشّل المجتمع".
في المقابل، طرح رئيس الحكومة السابق، غابريال أتال، رؤية براغماتية تضع أولوية التوصل إلى اتفاق سياسي حول الميزانية. وقال لـ"لوباريزيان": "من الأفضل القبول بتحقيق تقشّف أقل بقليل، مع التأكد من وجود ميزانية، بدلاً من الإصرار على 44 مليار يورو مع اليقين بعدم وجود ميزانية". وأكد أن غياب الموازنة سيكلف المالية العامة، وكذلك الفرنسيين، أكثر بكثير. ودعا أتال إلى إعادة ابتكار نظام اجتماعي واقتصادي ومؤسساتي جديد، واصفاً النظام الحالي بأنه "موروث من مرحلة ما بعد الحرب ولم يعد يتوافق مع واقع اليوم".
على الجانب الاجتماعي، نبّه أوليفييه مورزيل، رئيس منظمة العالم الرابع التي تعنى بالفقراء (ATD Quart Monde) إلى أن معالجة أزمة السكن باتت مفتاحاً لحل الاختلالات الأخرى. وقال في تصريحات لصحيفة "لاكروا" الفرنسية (La Croix): "مع ارتفاع الفقر إلى مستويات قياسية، تحتاج فرنسا إلى خطة ضخمة لبناء 60 ألف وحدة سكنية اجتماعية سنوياً. ولا يكفي البناء فقط، بل يجب ضمان استفادة الأكثر فقراً، خاصة أن القانون الذي يخصص ربع هذه المساكن للفئات الأشد هشاشة لا يُطبَّق كما ينبغي".
وفي ردات الفعل الأوروبية، حذرت أرانتشا غونثاليث لايا، وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، من أن الأزمة الفرنسية تضعف الاتحاد الأوروبي في وقت يحتاج فيه إلى قوة ووحدة. وقالت لـ"لاكروا": "إن النموذج السياسي الفرنسي، القائم على أغلبيات قوية، لم يعد ملائماً لمشهد سياسي مجزأ"، مشيرة إلى أنه أمام فرنسا خياران: إما إصلاح النظام السياسي أو تغيير الثقافة السياسية لتشجيع التسوية، ودعت إلى ضرورة التفاوض بهدف تفادي الشلل التام.
أما النائب الأوروبي ورئيس حزب "الملتزمون" البلجيكي إيفان فيروغسترات، فرأى أن الحل الوحيد أمام فرنسا هو التسوية. وقال: "في بلجيكا، مع تعدد اللغات والحكومات، التسوية هي أساس السياسة، أما فرنسا فاعتادت في ظل الجمهورية الخامسة على حكم الأغلبية المطلقة، لكن المعادلة تغيّرت الآن، والأغلبية ليست من تحكم، لهذا من دون تسويات، لن تكون النتيجة إلا الشلل والفوضى".
الأزمة الحالية تكشف أن فرنسا تقف عند مفترق طرق حاسم، حيث بات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي رهناً بقدرة مؤسساتها السياسية على إيجاد صيغة توافقية تمنع اتساع الفجوة بين طموحات الدولة وتطلعات مواطنيها.