أزمة عمران وإسكان تتعمّق في إسطنبول... و"قناة أردوغان" تتقدم
استمع إلى الملخص
- تدفع الحكومة بمشروع "قناة إسطنبول" رغم المعارضة الواسعة، بهدف تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور، لكنه يواجه انتقادات بيئية وتكاليف باهظة، مع مخاوف من تغييب السلطة المحلية.
- تُعدّ إسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا، تساهم بأكثر من 30% من الناتج المحلي، لكنها تواجه تحديات اقتصادية وعمرانية، مع تخوفات من تقليص صلاحيات البلديات لصالح الحكومة المركزية.
تعرقل حملة توقيفات واسعة بحق كبار مسؤولي بلدية مدينة إسطنبول التركية تنفيذ مشاريع حيوية لتحسين الخدمات العامة والجماهيرية والبنية التحتية والاستعداد للكوارث الطبيعية، وجاءت الحملة في الوقت الذي تعاني فيه المدينة الحيوية التي يقطنها ما يزيد عن 20 مليون نسمة من أزمات عمرانية واقتصادية متراكمة.
في المقابل، تُسرّع الحكومة المركزية في أنقرة بإنعاش مشروع "قناة إسطنبول" المثير للجدل. وفي هذا الصدد، تلاحظ وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير أوردته الأربعاء، أنه عندما ضرب زلزال بقوة 6.2 درجات منطقة سيلفري في إسطنبول، أكبر المدن التركية، في إبريل/نيسان الماضي، كان من المفترض أن يتولى المسؤولون المحليون إدارة الأزمة ميدانياً. لكن الواقع كان مختلفاً، إذ كان عدد كبير منهم، بمن فيهم رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، داخل سجن مرمرة عالي الحراسة، ضمن موجة توقيفات طاولت أكثر من 100 مسؤول وموظف بلدي منذ منتصف مارس/آذار، وسط تأكيدات قضائية ورسمية بارتكاب هؤلاء الموقوفين جرائم فساد مالي وإداري واسعة النطاق، واتهامات بتصفية سياسية تستهدف المعارضة، وفق رموزها.
ومن بين المعتقلين من مسؤولي إسطنبول وولايات أخرى قيادات حيوية في قطاعات المياه والإسكان والنقل والتخطيط العمراني، إلى جانب رؤساء بلديات معارضين في ثماني مناطق. ويؤكد خبراء أنّ هذه التوقيفات تسببت في شلل إداري، أجبر الفرق الباقية على العمل بأضعاف طاقتها، وأدّى إلى تعليق برامج ترميم الأبنية الآيلة للسقوط، وتأخير مشاريع التخطيط الحضري.
وفي هذا السياق، تنقل "بلومبيرغ" عن مدير وكالة التخطيط العمراني في إسطنبول، أوقتاي كارغول قوله: "إننا نواجه صعوبة في مواصلة مشروع تجديد إسطنبول الذي يهدف إلى دعم المواطنين في ترميم منازلهم المعرّضة للانهيار في حال وقوع زلزال قوي، بسبب فقدان الكوادر القيادية اللازمة"، علماً أنّ المشروع كان يوفر تسهيلات مالية وسكنية للأسر، من خلال شراكات مع البنوك والمطورين العقاريين، لكنّ اعتقال مدير هيئة الإسكان "كيبتاش" ومسؤولين آخرين أفقد المواطنين الثقة بمتابعة الإجراءات.
في موازاة ذلك، تدفع الحكومة المركزية في أنقرة قدماً بمشروع "قناة إسطنبول" الاصطناعية التي ستمتد 45 كيلومتراً بين البحر الأسود وبحر مرمرة، رغم المعارضة الواسعة من بلدية إسطنبول وأوساط أكاديمية ومجتمعية وبيئية. ويرى خبراء التخطيط أن مجرد الإعلان عن المشروع ولّد طفرة مضاربات عقارية ضخمة على الأراضي الواقعة على جانبي مسار القناة، ما شجع الحكومة على طرح مشاريع سكنية بقيمة مليار دولار في مناطق زراعية محمية سابقاً، مثل حوض سد سازليديري.
وفي إبريل/نيسان، أصدرت "هيئة المياه في إسطنبول" (ISKI) إنذاراً قانونياً بوقف أعمال بناء 28 ألف وحدة سكنية، لكونها تنتهك قوانين حماية مصادر المياه. وبعدها بأيام، جرى اعتقال مديرها العام صفاك باسا، وأُفرج عنه لاحقاً تحت الإقامة الجبرية. ورغم نفي الحكومة أن تكون هذه المشاريع مرتبطة بالقناة، يربط محللون بين التوسّع العمراني المتسارع وتغييب السلطة المحلية، خصوصاً أن خطط القناة لم تخضع لتحليل جدوى اقتصادي - بيئي شامل، بل تُدفع قدماً بدوافع سياسية وربحية، حسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي فكرَت أدامان.
عدد من المخططين العمرانيين الذين أعدّوا استراتيجية "رؤية 2050" لإسطنبول، وهي أول خطة عمرانية شاملة منذ 2009، يقبعون الآن في السجون بتهم ارتكابهم جرائم فساد مالي، ما أوقف جهود تحديث التخطيط الحضري لمدينة بات عدد سكانها يتجاوز 16 مليون نسمة، بحسب "بلومبيرغ". وفي حين لم تُعيّن الحكومة بعد وصياً مباشراً على بلدية إسطنبول، فإنّ تعيين أمناء في بعض المناطق مثل شيشلي، حيث أوقف رئيس البلدية المنتخب مشروع بناء تجاري لتحويل الأرض إلى ساحة عامة للطوارئ، يكشف عن تحوّل السلطة الفعلية إلى يد الحكومة المركزية.
وبحسب مسودة قانون قيد الدراسة، ستُمنح سلطات موسعة للمحافظين المعيّنين من أنقرة، ما يعني تقليص صلاحيات البلديات المنتخبة في منح تصاريح البناء وتخطيط الأراضي وتوزيع المعونات الاجتماعية. ويقول كارغول: "نحاول أن نجعل إسطنبول أكثر قابلية للعيش، وأكثر مرونة في وجه المستقبل، لكننا نخشى أن يجري تجريدنا من صلاحياتنا الأساسية تدريجياً".
وتُعدّ إسطنبول العاصمة الاقتصادية والتجارية لتركيا رغم أنها ليست العاصمة السياسية، وتُساهم بأكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وتضم حوالي 20% من سكان البلاد. كما تُنتج وحدها أكثر من 40% من إجمالي الضرائب الوطنية، وتُعدّ محرك النمو الصناعي والخدمي في البلاد.
وفي مايو/أيار الماضي قال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، إن بلاده عازمة على تنفيذ مشروع قناة إسطنبول الهادف إلى تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور المزدحم، بعد الحصول على التأمين والتمويل اللازمين، وذلك رغم الانتقادات الواسعة بشأن تأثيره البيئي المحتمل.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وضع حجر الأساس للمشروع عام 2021، بهدف ربط البحر الأسود شمال إسطنبول ببحر مرمرة جنوباً، ومنع الحوادث في مضيق البوسفور، وذلك بطول 45 كيلومتراً، وعمق 25 متراً، وعرض نحو 400 متر. وقدّرت كلفة المشروع، الذي وصفه أردوغان بـ"مشروعه المجنون" عند الكشف عنه قبل أكثر من عقد، بنحو 75 مليار ليرة، لكن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن تكلفة مشروع القناة تقدر بنحو 15 مليار دولار، وهي تكلفة تقف حجر عثرة في طريق تنفيذه حتى الآن في ظل تزايد الأزمة الاقتصادية، إلى جانب نقص التمويل الخارجي نتيجة الانتقادات الحزبية والشعبية الواسعة التي وجهت إليه، بسبب ادعاءات تأثيره البيئي المحتمل.