استمع إلى الملخص
- يعاني المزارعون من عدم تغطية الأسعار لتكاليف الإنتاج، رغم توقعات بزيادة الإنتاج بنسبة 55%، مما يهدد بدوامة خسائر واستدانة.
- يلعب القطاع دوراً حيوياً في الاقتصاد التونسي، لكن تعليق الجني يؤثر على جودة الزيت وسمعته عالمياً، رغم اعتباره "الذهب الأخضر" لخلوّه من الملوثات.
تسبب تدني تسعير الزيتون في تونس في أزمة، حيث أقدم المزارعون على إيقاف عمليات جني المحصول، بالتزامن مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم المزارعين وأصحاب معاصر الزيتون بالجشع، بينما يحظى القطاع بأهمية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وهو ما يدعو الحكومة إلى التدخل لإنهاء الأزمة.
أعلن مزارعون من محافظات الوسط التونسي تعليق موسم قطاف الزيتون، الذي بدأ مرتبكاً رغم بوادر المحصول الجيد هذا العام والذي يقدر أن يصل إلى 340 ألف طن وفق تقديرات أولية، حيث تزامنت بداية موسم الجني مع شن حملة على شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت المزارعين وأصحاب المعاصر، وجرى اتهامهم بالدفع نحو رفع الأسعار وتوجيه القسط الأكبر من الإنتاج نحو التصدير. بينما يشكو منتجو الزيتون من "حملة شيطنة" على حد وصفهم يتعرضون لها على وسائل التواصل الاجتماعي واتهامهم بالجشع وتعمد حرمان المواطنين من خيرات بلدهم من زيت الزيتون بسبب شطط الأسعار رغم وفرة المحاصيل.
وفي بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أعلنت وزارة الزراعة أن أسعار بيع زيت الزيتون المتداولة لموسم 2025 ستتراوح بين 18 و22 ديناراً للتر الواحد (الدولار يعادل 3.16 دنانير)، ليعلن بعد ذلك الديوان الوطني للزيت عن انخفاض في أسعار الزيت من 18 ديناراً إلى 14 ديناراً للتر الواحد، مفسراً ذلك بتراجع الأسعار على مستوى العالم. ويعتبر مزارعو الزيتون أن تعليق أنشطة جني المحاصيل وترك الثمار على رؤوس الأشجار سيكون أقل خسارة بالنسبة إليهم من تحمل كلفة الجمع والتحويل.
وبرر عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنور الحراثي، قرار وقف عملية جني الزيتون بأغلب المحافظات بعدم قدرة المنتجين على تحمل تبعات انهيار أسعار بيع الزيتون وعزوف أصحاب المعاصر عن شراء الكميات المجمعة. وقال الحراثي لـ"العربي الجديد" إن سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون انطلق في بداية الموسم ب2.5 دينار ليهبط حالياً إلى دينار واحد في محافظة سيدي بوزيد (وسط تونس) التي تتصدر المرتبة الأولى في إنتاج الزيتون في الدولة.
وأشار إلى أن الأسعار المتداولة حالياً لا يمكن أن تغطي كلفة الإنتاج، داعيا إلى الإسراع في إيجاد حلول تمنع انهيار الموسم. وقال "ربما يدخل القطاع في دوامة الخسائر والاستدانة وقد يصعب لاحقا تدارك الأمر وهي خسارة كبيرة للاقتصاد التونسي".
ورغم أن وزارة الفلاحة تصف موسم 2024-2025 بـ "الجيد والواعد"، بعد توقعات ببلوغ إنتاج زيت الزيتون حوالي 340 ألف طن، بزيادة مقدارها 55% مقارنة بالموسم الماضي، يعتبر المنتجون أن جودة هذا الموسوم تقاس باستقرار الأسعار والقدرة على تحقيق أرباح مجزية بعد تحمل الفلاحين لكلفة عالية لعمليات الري من أجل محافظة على أصول الزيتون الذي تضررت من الجفاف.
وتلعب زراعة الزيتون دوراً أساسيا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، حيث يمثل الزيتون 15% من إجمالي الإنتاج الفلاحي في حين يمثل زيت الزيتون 50% من الصادرات الفلاحية و5.5% من الصادرات. كما يمثل القطاع مصدر رزق مباشر أو غير مباشر لأكثر من مليون شخص إضافة إلى كونه يوفر 34 مليون يوم عمل في السنة الواحدة، وهو ما يعادل 20% من التشغيل في القطاع الفلاحي. كذلك جنت تونس خلال الموسم الماضي عائدات قياسية من صادرات زيت الزيتون بقيمة تزيد عن 5.1 مليارات دينار (نحو 1.6 مليار دولار).
ويبدي المختص في السياسات الزراعية فوزي الزياني، مخاوف من تأثير تعليق عملية جني المحاصيل على جودة زيت الزيتون، مؤكدا أن الحصول على نوعية جيدة من الزيت يتطلب الالتزام بقواعد صارمة في الجني والتحويل والتخزين.
وأشار إلى أن زيت الزيتون التونسي تحوّل إلى علامة تجارية مميزة في الأسواق العالمية بفضل جودته التي يحرص المنتجون على الحفاظ عليها، لافتا إلى أن ارتباك الموسم سيؤدي إلى تراجع الجودة وضرب علامة الزيت التونسي التي اشتغل عليها المنتجون لسنين.
وأقر الزياني في تصريح لـ"العربي الجديد" بتراجع أسعار زيت الزيتون في البورصة العالمية والبلدان المنافسة لتونس على إسبانيا وإيطاليا واليونان، لكنه أكد في المقابل وجود حملة ممنهجة تستهدف قطاع الزيت والزيتون المحلي. ورأى أن أسعار بيع زيت الزيتون في تونس أقل بكثير من الأسعار العالمية المتداولة والتي تتراوح بين 8 دولارات و10 دولارات للتر، بينما يتم جرّ الأسعار محلياً إلى ما دون أربعة دولارات وهو سعر لا يغطي كلفة الإنتاج وفق قوله.
ويصف خبراء زراعة، الزيتون التونسي بـ"الذهب الأخضر" لخلوّه من الملوثات العضوية، ذلك أن حوالي 85% من زيت الزيتون يتم إنتاجه بطرق تقليدية ودون استخدام أسمدة كيميائية أو مبيدات حشرية. وتحتل تونس المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد أشجار الزيتون والمرتبة الثانية فيما يخص المساحات.