استمع إلى الملخص
- ردود الفعل والاتهامات: أثار الإغلاق غضب المستهلكين والمستثمرين بسبب فقدان 25 ألف وظيفة، وظهرت اتهامات ضد مؤسس الشركة بالفساد، مما يعكس بيئة تنظيمية غير مستقرة.
- التحديات والضغوط البيروقراطية: تعكس الأزمة هشاشة بيئة الأعمال في مصر بسبب تضارب الجهات الرقابية، مما يفتح الباب للفساد ويهدد الاقتصاد المحلي.
بعد تدخل رئاسي مباشر لحل أزمة سلسلة محلات شركات "بلبن" في مصر، تستعد شركة الأغذية وسلاسل الحلويات الشعبية، المالكة العلامةَ التجاريةَ لمنتجات "بلبن" و"كنافة وبسبوسة" و"كرم الشام" و"وهمي" و"بهيج" و"عم شلتت"، لإعادة العمل بـ110 فروع أغلقت خلال الأسبوع الماضي بقرارات من السلطة التنفيذية في كافة المحافظات.
حقق التدخل الرئاسي انفراجة سريعة لأزمة ما لبثت أن تحولت إلى قضية إعلامية أثارت عاصفة بين رجال الأعمال والمستهلكين الذين يقبلون على منتجات الشركة الغذائية، بينما قدمت نموذجا لفوضى إدارية في الأجهزة الرقابية وأشكال الضغوط البيروقراطية في بيئة أعمال طاردة للاستثمارات الخاصة.
تظهر أزمة "بلبن" تحرك السلطات المصرية ضد الشركة الناشئة منذ أربع سنوات بشكل مفاجئ، إثر تعرض فروعها في المملكة العربية السعودية للإغلاق المؤقت في مارس/ آذار الماضي لأسباب صحية، مع تعهد من الإدارات المختصة السعودية بإعادة تشغيلها عقب إزالة الأسباب المذكورة في التقارير الصحية الرسمية.
قامت مديرية الصحة في محافظة الجيزة بإصدار قرار مفاجئ بإغلاق 11 فرعاً من فروع "بلبن" داخل المحافظة، مبررة الإجراء بأن الشركة تدير الفروع من دون ترخيص. أثار البيان جمهور المستهلكين الذين يقبلون على أفرع الشركة المقامة داخل حيز محطات الوقود التابعة للجيش "شل أوت" والاستراحات الخاصة المملوكة للشركة الوطنية للطرق التابعة لوزارة الدفاع، على جوانب المحاور المركزية، والتي تملك وتدير تلك المناطق بتفويض سيادي.
يحمي التفويض المنشآت التي تقيمها شركات الجيش من أية قيود إدارية ويمنحها حق توصيل المرافق الأساسية وتأجير المحال للغير، وكأنها مناطق حرة مستقلة عن السلطات المحلية. تبين للمحافظة وقوعها في مأزق مع شركات الجيش، ما جعلها تصدر بياناً آخر تؤكد فيه أن إغلاق فروع "بلبن" يستهدف إجراءات تصحيحية لضمان سلامة الغذاء بعد أن ظهرت أعراض تسمم حادة على ثلاثة مواطنين تناولوا حلويات من فرع الشركة في منطقة الشيخ زايد غرب العاصمة.
مبررات الإغلاق
لم يقتنع جمهور المستهلكين بمبررات محافظة الجيزة التي لم تظهر أسماء المصابين وتطورات أحوالهم الصحية، إلى أن تطورت بسرعة بصدور تعليمات من مسؤولين ما زالوا مجهولين حتى الآن بإغلاق أفرع الشركة في كافة المحافظات المنتشرة فيها، والتي تقع في العاصمة ومحافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والساحل الشمالي ومحافظات الصعيد ودلتا النيل، ليفاجأ المستهلكون بقيام الأجهزة التنفيذية في المحافظات بإغلاق المحال وختمها بالشمع الأحمر، ومنع المساس بمحتوياتها لحين صدور أحكام قضائية بشأنها.
أدى انتشار الحدث على كافة منصات وشبكات التواصل الاجتماعي إلى حالة من السخط العام ضد الحكومة، حيث عبر الجمهور عن غضبهم من قرار الإغلاق المفاجئ لشركة ناشئة، أصدر مؤسسها محمد عادل بياناً يؤكد خطورة الإغلاق على معيشة 25 ألف أسرة يمثلهم عدد العاملين في الشركة الذين فقدوا وظائف بقرارات إدارية.
أبدى رجل الأعمال التزامه بالضوابط التي تضعها السلطات لحماية صحة المواطنين، وتحسين الأداء داخل المصانع والفروع، على أن تعود الشركة للعمل حفاظاً على مصالح المساهمين والعمال في الشركة. وعلى النقيض من ذلك، خرجت مجموعات يطلق عليها الجمهور "الكتائب الإلكترونية" تتهم المستثمر بالفساد وتشير إلى إنشائه عدة فروع للشركة في الخارج، في تلميح واضح إلى وجود شركاء مجهولين في قوائم المساهمين، وحصوله على جنسية أجنبية لتسهيل تهريبه الأموال.
غضب المستثمرين
فجرت حملة الكتائب الإلكترونية غضباً بين المستثمرين الذين أفزعتهم البيانات الرسمية التي صدرت عن وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء التابعة لمجلس الوزراء، لتأكيد قرار الإغلاق لدواع صحية، متهمين الشركة بأنها تضيف مواد صناعية خطرة على صحة الانسان، واكتشاف ميكروبات تعرض صحة المستهلكين للخطر.
سبب الهجوم الرسمي المدعوم من الإعلام الحكومي والكتائب الإلكترونية قلقاً لدى المستثمرين الذين استفزهم عدم منح الشركة مهلة كافية لتوفيق أوضاعها الصحية، وإغلاق كافة الفروع والمصنع الرئيسي للشركة بسرعة، عقب تحذير من هيئة سلامة الغذاء.
رغم اعتراف رجال الأعمال بإمكانية وقوع أخطاء صحية تحدث في أغلب المنشآت الحكومية والخاصة لعيوب في الإدارة وعدم التزام العمال بالتعليمات الصحية، اعتبروا إغلاق شركة ناشئة تتوسع محلياً ودولياً بسرعة كبيرة كارثة وجود تعكس بيئة تنظيمية غير مستقرة، وتفقد المستثمرين في بيئة الأعمال المحلية، وتدفع العديد منهم إلى الهرب من بلدهم خشية صدام محتمل مع السلطة أو البيروقراطية الفاسدة.
ألمح أعضاء في جمعيات الأعمال إلى قيام السلطات الأمنية بملاحقة مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "جهينة" للأغذية ومنتجات الألبان صفوان ثابت، ومصادرة أمواله بتهمة "تمويل جماعة إرهابية" أحيل بسببها إلى السجن عدة سنوات مع نجله، إلى أن أفرجت السلطات عنه مؤخراً، وأزالته من قوائم الإرهاب ومصادرة الأموال، بعد ضغوط دولية ومن مؤسسات الأعمال في الداخل والخارج.
ضغوط أكثر من 18 جهة رقابية
قال عضو في غرفة شركات السياحة لـ"العربي الجديد" إن أزمة شركة "بلبن" تعكس هشاشة بيئة الأعمال، بسبب تعدد الجهات الرقابية وتضاربها، خاصة التي تشارك في الرقابة على القطاع الغذائي، الأمر الذي يضع المنشآت الفندقية والسياحية والمطاعم والمأكولات الشعبية والفاخرة تحت ضغوط أكثر من 18 جهة رقابية تتبع كل منها وزارة أو جهة أمنية مستقلة عن الأخرى، ما يفتح الباب واسعاً أمام شبكات الفساد والمحاباة لتصفية الحسابات مع صغار وكبار المستثمرين.
يشير الخبير السياحي ماجد شوشة إلى أن الضغوط التي تمارسها سلطة غير واعية بخطورة قراراتها الإدارية تدفع الناس إلى التشكك في مصداقية توجهاتها، الأمر الذي يدفع بعض رجال الأعمال إلى ترك وطنهم، ونقل نشاطهم إلى دولة أخرى أو الحصول على جنسية أخرى، يتعاملون من خلالها مع الدولة على أنهم أجانب، ما يمكنهم من حماية استثماراتهم في بلدهم من السلطة الغاشمة.
يدعو شوشة إلى محاسبة مخالفي الضوابط الحكومية، مع ضرورة الالتزام بالعدالة والمساواة، والشفافية المالية، التي تمكن الدولة من تتبع أموال الشركات والحد من تهريبها إلى الخارج أو ظهور شركات تابعة لشخصيات مشهورة بالفساد وممارسة البلطجة لتقود المشهد الاقتصادي عبر شركات عملاقة تتعامل مع مليارات الدولارات بصورة مفاجئة، ومقربة من السلطة من دون قدرة أي مسؤول على مساءلة أصحابها عن مصدر ثرواتهم أو تتبع أعمالهم وأموالهم.
يحذر عضو في جمعية مستثمري 6 أكتوبر غرب العاصمة، رفض ذكر اسمه، من غياب الحماية القانونية للمستثمر واستخدام القبضة البيروقراطية في استصدار قرارات تعسفية لا يمكن الفكاك من قيودها أو الطعن في قراراتها التعسفية بسرعة، خصوصاً إذا كانت صادرة عن جهات إدارية لا تخضع لرقابة فعالة، لافتاً إلى غياب الشفافية والوضوح في تطبيق القوانين، وخاصة القوانين الاقتصادية التي تهدف إلى تسهيل الأعمال.
يبين خبراء في المركز المصري للدراسات الاقتصادية خطورة تحول أجهزة الدولة من راع ومحفز للاستثمار إلى رقيب بيروقراطي غليظ ومتشكك ومنافس مباشر للقطاع الخاص، ما يدفع الاقتصاد إلى الانكماش وبقائه في منطقة الركود منذ خمس سنوات.