أزمة اللحوم وفرحة الأضحية الغائبة في الدول العربية

15 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 16 يونيو 2025 - 13:51 (توقيت القدس)
تراجع واضح في الإقبال على شراء اللحوم والأضحية في مصر (محمد الشاهد/
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تساهم الأضحية في عيد الأضحى في تعزيز الاقتصاد الريفي وتوفير فرص عمل، كما تلعب دورًا اجتماعيًا في تقوية الروابط الأسرية وتعزيز التضامن من خلال توزيع اللحوم.
- شهدت أسعار الأضاحي في عام 2025 ارتفاعًا كبيرًا، مما أثر سلبًا على أداء الشعيرة في الدول العربية بسبب غلاء الأعلاف وندرة المواشي.
- تعاني الدول العربية من فجوة في إنتاج اللحوم وتعتمد على الاستيراد، بينما نجحت دول أخرى في تحسين الإنتاج من خلال دعم السلالات والاستثمارات.

أضحية العيد لها قيمة اقتصادية كبيرة ووظيفة اجتماعية في الدول العربية والإسلامية، فالطلب عليها يولد قيمة اقتصادية مضافة للمجتمع الريفي ورواجا اقتصاديا لمزارعي الأعلاف ومربي المواشي والبيطريين وتجار الأدوية البيطرية وتجار المواشي وعمال النقل والقصابين، ويستمر هذا الرواج لعدة شهور قبل عيد الأضحى وبعده. كما تدخل الأضحية البهجة والسرور على أفراد الأسرة، الجد والأب والأبناء الصغار والكبار، ولتوزيع بعضها على الأقارب تأثير في تقوية الروابط الأسرية وتنمية العلاقات الاجتماعية، ولإيثار الفقراء والمحتاجين ببعض أجزائها دور في ترميم النسيج الاجتماعي والتضامن بين لحمة المجتمع وسداته، بجانب تحقيق الحكمة من أدائها ومشروعيتها في الإسلام كسنة مؤكدة يتقرب بها المسلم المقتدر شكرا لله وطلبا للمغفرة.

ولكن في عيد الأضحى هذا العام 2025، ارتفعت أسعار الأضاحي إلى مستويات غير مسبوقة، وتراجع أداء هذه الشعيرة بصورة كبيرة في معظم الدول العربية، وعم الركود حظائر التربية والأسواق التجارية، ومنع غلاء الأعلاف وندرة المواشي والأغنام وارتفاع سعرها ملايين المزارعين العرب من تربية الأضاحي، وحالت أسعار الأضاحي المرتفعة بين المسلمين في الدول العربية على وجه الخصوص وبين أدائهم هذه السنة المؤكدة، والاحتفاء بالمناسبة السنوية السعيدة التي ينتظرها الأغنياء والفقراء بشغف وترقب.

وتراوحت أسعار الخراف في الدول العربية بين 1000 دولار للرأس الواحد في فلسطين بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية، و200 دولار في اليمن، وباستثناء موريتانيا وسورية والسودان واليمن، تجاوزت أسعار الخراف في كل الدول العربية حاجز 300 دولار. وارتفعت أسعار عجول البقر في كل الدول العربية بلا استثناء، وتراوحت الأسعار بين 1300 دولار و4000 دولار حسب وزن الأضحية.

فرص عربية ضائعة

وفي ظل هذه الأزمة، تخلي الحكومات العربية مسؤوليتها عن العجز في إنتاج اللحوم، وتلقي باللوم على الجفاف وشح الأمطار والتصحر ونقص المراعي الخضراء اللازمة لتنمية قطعان الماشية، وهي مبررات واهية، ومشاكل تقليدية تواجه كل حكومات العالم تقريبا، كما تواجه كبريات الدول المصدرة للحوم، ولكن الحكومات غير العربية تخطط للتغلب على تلك العقبات، وتشجع مربي الماشية للتحول إلى نظام التربية المكثف في حظائر محكمة، وتقلل الاعتماد على المراعي الطبيعية المفتوحة، التي تتذرع بها الحكومات العربية، وتدعمه لاستخدام الأعلاف والعلائق الصناعية المركزة، كبديل للأعلاف الطبيعة منخفضة القيمة الغذائية، وتمده بالسلالات عالية الإنتاج والخدمات البيطرية وهي مفاتيح أساسية لزيادة إنتاج اللحوم بأنواعها وتلبية الطلب المتزايد على استهلاكها محليا ودوليا.

ومن الفرص العربية الضائعة، أن السودان كان يمتلك ثروة حيوانية تتجاوز 110 ملايين رأس من الماشية ويرفد أسواق الأضاحي العربية بحوالي 5.5 ملايين رأس سنويا، ولكنه خسر 95% من صادراته هذا العام بسبب الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفقد الاقتصاد السوداني نحو 2.5 مليار دولار من عائدات تصدير الأبقار والجمال والخراف والماعز منذ بدأت الحرب، بسبب توقف حركة البيع والتصدير وعمليات السلب والنهب الواسعة التي تعرضت لها المواشي، إلى جانب قتل أعداد كبيرة من الملاك والرعاة أثناء دفاعهم عن مواشيهم خلال رحلة تجوالهم بحثاً عن المراعي، ونفوق معظم المواشي بسبب انقطاع الخدمات البيطرية وتوقف حملات اللقاحات والتحصينات التي كانت تنظمها منظمة فاو التابعة للأمم المتحدة بولايتي كردفان ودارفور، خزان الثروة الحيوانية، بسبب انعدام الأمن.

وبسبب الحرب، فقد السودان 40% من ثروته الحيوانية ونفقت أعداد هائلة من الماشية هناك بسبب انتشار الأمراض بين الماشية وهجرة الكوادر البيطرية وتدمير معامل اللقاحات والأمصال وتدهور المراعي الطبيعية ومصادر المياه وانتشار الأمراض.

وفي المغرب، تراجعت أعداد الأغنام والماعز بنسبة 38% هذا العام بسبب الجفاف المستمر منذ 7 سنوات، وفقد المزارعون نحو 1.4 مليار دولار من عائدات الأضاحي السنوية، وفق تقدير وزير الزراعة، وقضى المغاربة العيد هذا العام بلا أضحية، فأصدر الملك المغربي محمد السادس قررا قبل عيد الأضحى بأربعة شهور بالامتناع عن ذبح الأضاحي، وأغلقت السلطات المحلية في الأقاليم المغربية أسواق الماشية قبل العيد بأسبوعين لمنع أي محاولات للالتفاف على القرار.

أما الصومال الغني بثروة حيوانية هائلة، تقدّر بـ40 مليون رأس من الإبل والبقر والغنم، وكذلك ثروة زراعية تقدر بـ8 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والتي تجعل منه سلة غذائية للدول العربية، فإنه محروم من الاستثمارات العربية في مجالات تكنولوجيا الري ومحاربة التصحر وزراعة وتصنيع الأعلاف المركزة لتعويض المراعي الطبيعية وتحسين سلالات ماشية اللحم، علما بأن 60% من سكان الصومال البالغ عددهم 18 مليونا يعملون في تربية المواشي والزراعة، اللتين تسهمان بـ40% من إجمالي الناتج المحلي و50% من الإيرادات العامة للدولة.

أسباب أزمة اللحوم

قبل نحو 30 سنة، عقدت المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية لجنة لتقدير الفجوة في اللحوم والألبان في الدول العربية وإحصاء أعداد الماشية وبحث أسباب تراجع الإنتاج الحيواني. وأعلنت اللجنة أن الدول العربية تستورد 1.3 مليون طن من اللحوم و9 ملايين طن من الألبان ومنتجاتها بقيمة 4 مليارات دولار. وقدرت رؤوس الأبقار بنحو 36 مليونا، والإبل 10 ملايين، والجاموس 2.6 مليون، والأغنام 105 ملايين، والماعز 75 مليونا، وعقدت مؤتمرا أعلنت فيه عن خطة استراتيجية لعلاج الأزمة، وحصرتها في تحسين سلالات الأبقار والأغنام والماعز، وتجاهلت أهمية توفير الأعلاف والأمصال واللقاحات والأدوية البيطرية.

ومرت السنوات، وأعلنت الدول عن ضخ الاستثمارات، وعقدت المنظمة المنوطة بالنهوض بالأمن الغذائي العربي الاجتماعات ونظمت الرحلات والسفريات وأبرمت الخطط الإستراتيجية والتنفيذية والمتابعات، وفي سنة 2022 أعلنت المنظمة عن زيادة فجوة اللحوم الحمراء إلى حوالي 4 ملايين طن، بزيادة 210% عما كانت عليه قبل 30 سنة، وبلغت تكلفة واردات الدول العربية السنوية من اللحوم والألبان والدواجن 16 مليار دولار.

وأهملت الحكومات تحسين السلالات وصناعة الأعلاف المركزة والأدوية البيطرية، وفضلت الاستيراد من الخارج بدلا من الاستثمار في تنمية الثروة الحيوانية العربية في السودان والصومال وموريتانيا كخزانات للماشية، ومصادر للاكتفاء الذاتي من اللحوم كغذاء استراتيجي. وأهملت إنتاج الذرة الصفراء وفول الصويا والشعير، والتي تكون التركيبة الفعالة للأعلاف الحيوانية وتمثل 70% من تكلفة إنتاج اللحوم والدواجن. ومن المتناقضات، أن الثروة الحيوانية، التي تعاني من فجوة مزمنة بين الإنتاج المتواضع والاستهلاك المتنامي من سنوات طويلة، وتشكل وارداتها 25% من جملة السلع الزراعية المستوردة، فإن إنتاجها يتناقص سنويا بمعدل 2.8%، وفق تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية الصادر في سنة 2022.

دعم صناعة اللحوم

على النقيض من التخلف العربي في إنتاج اللحوم، فإن أستراليا، ثالث أكبر دولة موردة للأغنام الحية ولحومها للدول العربية، نفذت برنامجا لتحسين سلالات الأغنام المنتجة للحم والصوف، فأصبحت في مدة ليست طويلة قوة عالمية في إنتاج وتصدير لحوم الضأن والصوف عالي الجودة، وبلغت صادراتها السنوية من الأغنام الحية ولحومها 730 ألف طن بقيمة 4.2 مليارات دولار، و323 ألف طن من الصوف بقيمة 2.3 مليار دولار، وحاليا، أصبحت الأولى عالميا في تصدير لحوم الأغنام والصوف.

واللافت، أن أستراليا تحولت إلى دعم المربين بالأعلاف المركزة كبديل للمراعي المفتوحة، وتمدهم بالخدمات البيطرية وتستمر في برامج تحسين سلالات الأغنام المتخصصة في إنتاج اللحم بهدف المحافظة على مكانتها الرائدة والنجاح الذي حققته في إنتاج وتصدير لحوم الأغنام. وفي الأزمة الحالية، استورد المغرب 100 ألف رأس أغنام من أستراليا.

أما البرازيل، ثاني أكبر مورد لحوم للدول العربية بنسبة 22% من الواردات، فتدعم حكومتها صناعة لحوم البقر بـ2.2 مليار دولار سنويا، تغطي 10% من تكلفة الإنتاج، في شكل إعفاءات ضريبية، وتسهيلات ائتمانية، وإعفاءات من الديون. والهند، أكبر مورد للحوم للدول العربية وتسد 30% من احتياجاتها، تقدم دعما حكوميا يغطي 50% من تكلفة الأعلاف الحيوانية لتشجيع مربي الماشية على الإنتاج.

المساهمون