أزمات تموينية تطحن الجزائريين... وإنكار حكومي

أزمات تموينية تطحن الجزائريين... وإنكار حكومي

10 يناير 2022
المواطنون يعانون من قفزات في أسعار السلع الضرورية (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

بدأ الجزائريون سنة 2022 على وقع ندرة حادة للعديد من المواد واسعة الاستهلاك رغم الارتفاع الكبير في أسعارها، ما دفعهم لخوض سباق مع الزمن يوميا من أجل تأمين قوت عائلاتهم.

ويأتي ذلك وسط جمود حكومي محير، وتقاذف للمسؤولية مع التجار في مختلف سلاسل العملية التجارية، ليبقى المواطن وحده الضحية.
ندرة الزيت
عادت ندرة زيوت الطعام مع بداية السنة الجديدة، لتعصف برفوف المساحات التجارية الكبرى والبقالات في الأحياء، ما أربك كثيرا الجزائريين الذين باتوا يترقبون مرور شحنات التوزيع بين نقاط البيع للظفر بقارورة سعة 2 لتر أو 5 لترات، بأسعار مرتفعة رغم تقنينها بقرارٍ حكومي، كونها من المواد المُدعمة.

وتثير أزمة الزيت في الجزائر مزيدا من الجدل، حول خلفيات وأسباب هذه الأزمة التي بدأت مطلع 2021، ففي الوقت الذي يجد المواطنون صعوبة في الحصول عليها، تعلن السلطات أن الأزمة مفتعلة من قبل التجار، بسبب رفض التدابير المتعلقة بـ"الفوترة" والتهرب من الضريبة. كما تنصل مجمع سفيتال، الممون الرئيس للسوق المحلية بمادة الزيت، والمملوك لرجل الأعمال الشهير، يسعد ربراب، من المسؤولية عن أزمة الزيت الحالية.

وفي السياق، أكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار، الحاج الطاهر بلنوار، لـ "العربي الجديد" أن "تجار الجملة والتجزئة باتوا يجدون صعوبة في إيجاد زيوت الطعام بمختلف العلامات (3 علامات تجارية)، والمشكل متعلق بإلزامية التعامل بالفواتير الذي قلص هوامش ربح التجار، الذين فضلوا عدم تسويقها".

وأضاف بلنوار أن "سعر زيوت الطعام محدد وفق قرار حكومي، وأي زيادة فهي من طرف المضاربين الذين أظن أنهم أعلنوا الحرب على الحكومة التي سنت قانونا نهاية 2021، لمكافحة المضاربة عبر إقرار عقوبات تصل 30 سنة وحتى المؤبد في الظروف الاستثنائية على المضاربين".

شح الحليب
انتقلت أزمة الندرة لتمس الحليب غير المدعم، بعدما عاش الجزائريون أشهرا من شح الحليب المدعم، اضطرهم للانتظار ساعات في طوابير طويلة يوميا لشراء كيس الحليب، حيث اختفت وبشكل مفاجئٍ علب الحليب غير المُدعم من رفوف المتاجر، فيما استغل "صائدو الفرص" الندرة، لعرض الحليب بمختلف علاماته عبر منصة "فيسبوك" بأسعار مرتفعة، مستغلين حاجة المواطنين لهذه المادة الأساسية في النظام الغذائي الجزائري.

إلى ذلك، أكد مدير معمل لبن خاص، عبد الله عمار عبازي، أن "الإشكال يكمن في تقليص الاستيراد، فجلب مسحوق الحليب الرخيص أي المادة الأولية لم يمنح للمنتجين إلا في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، ويجب الانتظار إلى غاية منتصف الشهر القادم حتى تعود الأمور لنصابها".

وأضاف عبازي لـ "العربي الجديد" أن "جل مصانع إنتاج الحليب غير المدعم اقترب مخزونها من مسحوق الحليب الذي يستورد أساسا من نيوزيلندا وسويسرا وفرنسا، من النفاد".

وعاد الجزائريون نهاية 2021، للوقوف في طوابير للحصول على كيس حليب مدعم، بدءاً من السادسة صباحاً من كلّ يوم، مشكلين مشهداً لم يعد يترجم أزمة عابرة قد يمرّ بها أيّ بلد، بقدر ما يعكس حجم الفشل الذي ضرب الحكومات المتعاقبة في تسيير ملف بات يؤرق البلاد، وينهك الخزينة العمومية بثقل فاتورة الاستيراد لتغطية الطلب الداخلي.

إلى ذلك، أكد رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، أن "مصالحه تلقت مئات الرسائل والمكالمات لأجل التبليغ والاستفسار عن نقص حليب العلب لبعض العلامات في السوق، نعتقد أن المسألة ظرفية فقط وناجمة عن تأخر تسليم الرخص الصحية لاستيراد مسحوق الحليب (غير المدعم)".

وأضاف زبدي لـ "العربي الجديد" أن "الجمعية تواصلت مع وزارة التجارة والزراعة للاستفسار حول مشكلة ندرة مادتي الحليب والزيت وحتى الخبز، وإلى حد الساعة أكدت وزارة التجارة أن المشكل يتعلق بالتوزيع الذي باتت الوزارة تشرف عليه منذ بداية الندرة عبر وضع شاحنات بيع مباشرة للمواطن سواء لمادة الزيت أو الحليب وحتى مواد أخرى على غرار الطحين مع تكثيف الرقابة على نقاط التخزين لكبح المضاربة".

أزمة الأدوية
وتفاقمت أزمة الندرة لتنتقل إلى داخل الصيدليات، إذ كشف مسؤولون في قطاع الصيدلة، عن اختفاء نحو 200 صنف دواء من الأسواق، خصوصاً أدوية مرضى السكري والسرطان والقلب، وغيرها من الأدوية المهمة، فيما تتقاذف الوزارات المسؤولية عن تفاقم الأزمة، وسط تعهدات باستدراك وشيك لهذا النقص الذي أثر بشكل بالغ على صحة المرضى وسبّب قلق عائلاتهم.

وقال رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص (القطاع الخاص)، مسعود بلعمبري، إن "قائمة الأدوية المختفية تشمل مستحضرات منتجة محليا أيضا، على غرار حقن مضادة للالتهاب والمضادات الحيوية، وأدوية القلب وأخرى مستوردة".

وأضاف بلعمبري لـ "العربي الجديد" أن "النقابة حذرت نهاية 2021 من ندرة 150 إلى 200 دواء على رفوف الصيدليات، وطالبنا الحكومة بتقسيم جهودها بين مكافحة "كورونا" والاستمرار في توفير الأدوية خاصة للأمراض المزمنة والقاتلة، وإلا فإن النتيجة ستكون إما الموت بـ "كوفيد 19" أو الموت بأمراض أخرى مثلا السرطان بعد أن ضيع مرضى مواعيد العلاج الكيميائي لنقصه".

ووفق رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة فإن "الحكومة عطلت منح رخص الاستيراد خاصة المواد الأولية، وكانت للأدوية المخصصة لعلاج كورونا الأولوية، ما أحدث خللا في عمليات الاستيراد. وفي ظل الظروف في أوروبا حاليا يمكن الحديث عن وصول الدواء والمواد الأولية مطلع شهر مارس/آذار 2022، إذا جزمنا أن الرخص ستمنح عاجلا للمستوردين".

جمود مُحير للحكومة

وأمام الأزمات التي تعيشها الأسواق الجزائرية وأدت لندرة مواد استهلاكية أساسية، تقف الحكومة الجزائرية متفرجة وتتبنى الخطاب النافي لوجود ندرة في الأسواق، أحيانا، وخطاب "المؤامرة" أحيانا أخرى.

وبالرغم من ترؤس الرئيس عبد المجيد تبون لمجلس الوزراء الأول سنة 2022، في الثاني من يناير/كانون الثاني الحالي، لم تكن ندرة المواد الاستهلاكية على طاولة الاجتماع ولا على طاولة الوزراء المعنيين الذين تجنبوا الحديث عنها، مكتفين بتصريحات مقتضبة تؤكد قرب "الفرج" وأن الأمور تحت "السيطرة".

في المقابل، أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات للحكومة التي تنتهج سياسة "النعامة" حسب جزائريين.

إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن "الحكومة أبانت عن ضعف لافت في تسيير الملفات المعيشية للمواطن، بل في كثير من الأحيان كانت تستفز المواطن بتصريحات غريبة ترجع الأزمة لجهات أجنبية وغيرها من الأمور التي لا يتقبلها العقل".

وقال نور الدين : "كان الأجدر بالحكومة وحتى برئيس الدولة أن يقوم باجتماع استثنائي مع الوزراء المعنيين بتنظيم الأسواق، لطمأنه المواطن".

وأضاف أن "حملات التواصل الاجتماعي التي يقوم بها وزير التجارة كمال رزيق، بنشر صورٍ له في مخازن تخزين مادة زيت الطعام والحليب، تبقى ذات تأثير افتراضي ولم تغير في الواقع شيئا، فالأزمات تحل في الميدان وليس عبر فيسبوك".

من جانبه حذر الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، من "الإفراط في كبح الواردات وهو الفخ الذي وقعت فيه الحكومة سنة 2021، فبلغة الأرقام استطاعت خفض تدفق الواردات، ولكن كان ذلك على حساب قوت وصحة الجزائريين وهو أمر يجب مراعاته في 2022، إذ يجب التفريق بين كبح الواردات وبين ترشيدها".

المساهمون