أرباح الشركات الهندية تزداد والصينية تتراجع.. فتش عن رسوم ترامب
استمع إلى الملخص
- تسعى الهند إلى تنويع شراكاتها التجارية مع الولايات المتحدة وخفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو، بينما تركز الصين على تقليل الاعتماد على الصادرات الأميركية وتنويع أسواق التصدير.
- تشهد آسيا تحولاً اقتصادياً مع صعود الهند كلاعب اقتصادي عالمي مستقر، مستفيدة من إصلاحات هيكلية ونمو سكاني سريع، بينما تواجه الصين تباطؤاً اقتصادياً.
تبدي الشركات الهندية تفاؤلًا أكبر من نظيراتها الصينية لموسم الأرباح المقبل. وبحسب بيانات "بلومبيرغ إنتليجنس"، فقد جرى تعديل تقديرات أرباح الشركات الهندية بالزيادة بنسبة 3.8% منذ مارس/آذار الماضي، في حين خُفّضت تقديرات الأرباح في الصين بنسبة 3.4%. ويعزى ذلك إلى اقتصاد محلي أكثر ملاءمة، إلى جانب رهانات على أن الهند ستتمكن من التعامل بشكل أفضل مع التوترات التجارية العالمية.
ويسلك أكبر سوقين في آسيا من حيث عدد السكان مسارات متباينة، بدءًا من زخم النمو الاقتصادي المحلي، وصولًا إلى كيفية تعامل بكين ونيودلهي مع تهديدات الرسوم الجمركية الأميركية. ومن المتوقع أن تظهر هذه التباينات بشكل أوضح في التقارير المقبلة للأرباح. وبحسب المحللون أن زخم النمو في الهند سيستمر، مدفوعًا بالاستهلاك المحلي القوي، وبيئة اقتصادية كلية مستقرة نسبيًا.
في المقابل، لا تزال التوقعات بالنسبة للصين مقيدة بضعف الطلب المحلي والتأثيرات المستمرة للرسوم الجمركية. وفي الموسم الماضي، تجاوزت 34 شركة من مكونات مؤشر "نيفتي 50" الهندي تقديرات الإيرادات، رغم تباطؤ نمو الأرباح الإجمالي، بحسب بيانات جمعتها "بلومبيرغ نيوز". أما في الصين، فقد أخفقت 56% من أصل 222 شركة مدرجة ضمن مؤشر "أم أس سي أي تشينا"، والتي تتبعها "بلومبيرغ"، في تلبية تقديرات الإيرادات خلال الربع الأول. وتوقّع المحلل مارفن تشين أن يتباطأ نمو الأرباح في الصين خلال بقية العام، إلا أنه أشار إلى أن أرباح الربع الثاني قد لا تتأثر كثيرًا بالرسوم الجمركية، بفضل موجة تسريع في وتيرة الصادرات، مدفوعة بالمحادثات التجارية.
اختلاف في السياسات الجمركية
سيُشكّل اختلاف استراتيجيات الهند والصين في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتغيرة بسرعة جزءًا أساسيًا من توقعات الأرباح في كلا السوقين. ففي حين تسعى الهند إلى تنويع شراكاتها التجارية مع الولايات المتحدة، تواصل الصين تقليص اعتمادها على واشنطن. وفي السياق، قال جون وودز الرئيس التنفيذي للاستثمار في آسيا لدى بنك لومبارد أودييه، في مقابلة: "تبدو الهند في أفضل موقع، فهي تتمتع بأكبر قدر من المرونة في ظل نظام التجارة الجديد"، مضيفًا أن "الهند في وضع أكثر متانة ودفاعية وعزلة بفضل قوة الاستهلاك المحلي"، وفقًا لـ"بلومبيرغ".
في السياق، كان بنك الاحتياطي الهندي قد خفّض أسعار الفائدة في يونيو/ حزيران، واتخذ تدابير لتعزيز السيولة لدعم النمو، في وقت تعمل فيه الحكومة على تنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح مدى التقدّم الممكن تحقيقه قبل الموعد النهائي في أوائل يوليو/ تموز، مع انتهاء فترة التجميد الجمركي البالغة 90 يومًا التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحسب سيلينا لينغ، رئيسة الأبحاث والاستراتيجية في بنك "أوه سي بي سي". وبما أن سردية النمو في الهند تستند بدرجة كبيرة إلى العوامل المحلية، فإن تعليقات الأرباح من قطاعات مثل البنوك، والخدمات الصحية، والدفاع، والعقارات ستكون من بين النقاط التي ينبغي مراقبتها، وفقًا لما قاله فيكاس بيرشاد، مدير محفظة الأسهم الآسيوية في شركة "أم & جي أنفستمنت".
في المقابل، لا يزال الاقتصاد الصيني يواجه صعوبات، حيث يعاني الاستهلاك المحلي من ضعف الانتعاش، وعلى الرغم من ذلك، يبدي المسؤولون الصينيون ثقة بإمكانية تحويل الاستهلاك إلى محرك أساسي للنمو الاقتصادي، في وقت دخلت فيه الحرب التجارية مع الولايات المتحدة في هدنة هشة. ومن المتوقع أن يواصل الرد الاستراتيجي الصيني السعي لتقليل الاعتماد على الصادرات الأميركية. كما أن الهدنة المؤقتة، على الأرجح، لن تثني بكين عن الاستمرار في استراتيجيتها لتنويع أسواق التصدير على المدى الطويل، بحسب بنك "أوه سي بي سي".
وسيكون تركيز المستثمرين في هذا الربع منصبًا على القطاعات ذات الطابع العالمي مثل: أشباه الموصلات، والسيارات، والدواء، بحسب بيرشاد. كما أن قطاع التكنولوجيا سيكون من أبرز القطاعات المؤثرة في الأرباح الصينية خلال هذا الربع. ويحاول المديرون التنفيذيون طمأنة المستثمرين بشتى الوسائل، مستندين إلى الدروس المستفادة من فترة إدارة ترامب الأولى.
البنك المركزي الهندي يسحب 10 مليارات لرفع أسعار الفائدة
من جانب ثانٍ، سحب البنك المركزي الهندي 849.75 مليار روبية (ما يعادل 10 مليارات دولار) من السيولة الزائدة في النظام المصرفي، في أول عملية من هذا النوع منذ سبعة أشهر، في محاولة لرفع تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل. وجاء سحب هذه الأموال من خلال مزاد عكسي بمعدل فائدة متغير لمدة 7 أيام، بعائد نهائي بلغ 5.49%، وفقًا لما أعلنه البنك في بيان صدر، اليوم الجمعة، وكان البنك يخطط في الأصل لسحب تريليون روبية.
وتهدف هذه الخطوة إلى امتصاص السيولة الفائضة بهدف مواءمة أسعار الإقراض بين عشية وضحاها مع سعر الفائدة الأساسي، البالغ حاليًا 5.5%، وقد بقيت أسعار الفائدة قصيرة الأجل دون هذا المستوى لعدة أشهر. وقال ريتيش بوساري، المدير العام المساعد لقسم الخزينة في بنك جنوب الهند: "ستظل السيولة في وضع فائض حتى بعد هذه العملية، وسيحافظ البنك المركزي على فائض يتراوح بين 1.5% و2% من صافي الودائع، وإذا تجاوزت السيولة هذا الحد، قد يتبع ذلك عمليات إضافية".
وارتفع العائد على السندات المستحقة في عام 2027 بمقدار نقطة أساس واحدة ليصل إلى 5.80%، كما صعد العائد على السندات القياسية لأجل 10 سنوات بنفس المقدار ليبلغ 6.29%. وكانت أسعار الفائدة قصيرة الأجل قد ظلت تتداول دون معدل الريبو خلال الشهرين الماضيين، نتيجة قيام البنك المركزي بضخ سيولة ضخمة تجاوزت 9.5 تريليون روبية منذ يناير/كانون الثاني. غير أن هذه المعدلات بدأت في الارتفاع بعد إعلان البنك عن عملية سحب السيولة يوم الثلاثاء. وحتى 26 يونيو/حزيران، بلغ فائض السيولة في النظام المصرفي نحو 2.5 تريليون روبية، وفقًا لمؤشر السيولة الصادر عن "بلومبيرغ إيكونوميكس".
خلال السنوات الأخيرة، بدأت ملامح التحول في مراكز الثقل الاقتصادي داخل آسيا تتضح أكثر فأكثر، في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني نتيجة تراكم الضغوط الداخلية والخارجية، مقابل صعود تدريجي للهند كلاعب اقتصادي عالمي أكثر مرونة واستقرارًا. فالصين، التي كانت تُعدّ المحرك الرئيسي للنمو العالمي في العقدين الماضيين، تواجه اليوم تحديات معقّدة، من أبرزها ضعف الاستهلاك المحلي، تراجع الثقة في قطاع العقارات، والضغوط الأميركية المرتبطة بالتجارة والتكنولوجيا. هذا إلى جانب سياسة "الصفر كوفيد" السابقة التي عطلت عجلة النمو لوقت طويل، وأسهمت في تآكل زخم الانتعاش.
في المقابل، استثمرت الهند بنجاح في بناء بيئة اقتصادية أكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي، من خلال إصلاحات هيكلية شملت الضرائب، والبنية التحتية، وقطاع التصنيع، مع إطلاق برامج لدعم الاكتفاء الذاتي في قطاعات استراتيجية مثل الإلكترونيات، والدفاع، والدواء. وقد جعل هذا المسار الهند وجهة مفضلة للشركات العالمية التي تسعى لتنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، خاصة في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية.
من جهة أخرى، مكّن النمو السكاني السريع للهند، وتحوّلها إلى أكبر دولة من حيث عدد السكان، من تعزيز الطلب الداخلي وزيادة استقرار العائدات، ما منحها أفضلية مقارنة بالصين التي تعاني من شيخوخة سكانية وتراجع معدلات الخصوبة. كما حافظت الهند على استقرار نسبي في مؤشراتها الكلية، بما في ذلك معدلات التضخم، والعجز في الحساب الجاري، واحتياطي النقد الأجنبي، ما أعطى البنك المركزي هامشًا واسعًا في إدارة السيولة والحد من الضغوط التضخمية.
وفي ظل هذه المعطيات، تسعى الهند إلى تعزيز مكانتها كمركز إنتاج عالمي بديل، مع الحفاظ على استقلالية نسبية عن التوترات التجارية بين القوى الكبرى، وهو ما يفسّر أيضًا تدخل البنك المركزي الأخير لضبط السيولة، في محاولة لتفادي ارتفاع مفرط في النشاط الائتماني قد يؤدي إلى اختلالات نقدية أو تضخمية، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى الحفاظ على بيئة اقتصادية مستقرة تشجّع الاستثمار طويل الأجل.