استمع إلى الملخص
- ازدهار قطاعات اللياقة والتجميل: زاد الطلب على منتجات اللياقة والمكملات الغذائية، مثل مساحيق الكولاجين ووجبات البروتين، مع ترويج شركات التجميل لمنتجات تستهدف الترهلات، وابتكار برامج مقاومة للحفاظ على الكتلة العضلية.
- مخاوف نفسية واجتماعية: أدوية التخسيس أثارت مخاوف بشأن التأثيرات النفسية، خاصة لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الأكل، مما دفع نواب بريطانيين للمطالبة بدعم وطني شامل وتحسين التقييم النفسي للمرضى.
لا تقتصر ثورة أدوية التخسيس على الجانب الصحي فحسب في بريطانيا، بل تمتد آثارها لتُعيد تشكيل مشهد اقتصادي بأكمله، من صناعة الأغذية إلى قطاع التجميل. وفي قلب هذه التحوّلات، تقف حقن مثل "أوزمبيك" و"ويغوفي" التي طُوّرت أساساً لعلاج السكري من النوع الثاني، لتقود موجة غير مسبوقة من التغيير في أنماط الاستهلاك وسلوك الأفراد.
تتميّز هذه الأدوية بقدرتها الفائقة على كبح الشهية، ما دفع ملايين المستخدمين إلى الإبلاغ عن تراجع رغبتهم في تناول الطعام بنسبة تصل إلى 30%. كما أشار كثيرون إلى انخفاض ملحوظ في استهلاك الحلويات والكحول، إلى جانب فقدان كبير في الوزن.
وبعيداً عن التأثيرات الفردية، بدأت هذه التغيرات تنعكس على قطاعات اقتصادية بأكملها، مهددة بإعادة رسم خرائط الأسواق التقليدية. وتصدّرت شركة "نوفو نورديسك" الدنماركية، وهي الشركة المنتجة لعقار "أوزمبيك"، قمة السوق الدوائي الأوروبي، بمبيعات تجاوزت 13 مليار جنيه إسترليني (17.3 مليار دولار) العام الماضي. وسارت على خُطاها شركة "إيلي ليلي" الأميركية، التي تعد من أبرز المنافسين في هذا المجال. وبينما لا تزال تكلفة هذه الأدوية مرتفعة نسبياً بالنسبة لمعظم البريطانيين، تشهد العيادات الخاصة والمنصّات الرقمية التي تتيح الحصول على الحقن رواجاً واسعاً، حتى مع استمرار القيود المفروضة على وصفها ضمن نظام خدمات الصحة العامة (NHS).
بيد أن تأثير هذه الأدوية لم يبقَ محصوراً في الأجساد، بل تسلّل إلى أنماط الاستهلاك وسلوك الأسواق، لا سيما في قطاع الأغذية والمطاعم. فقد أظهرت بيانات شركة "مينينغفول فيجن" (Meaningful Vision)، وهي شركة بريطانية متخصصة في تحليل أداء الأسواق وسلوك المستهلك، تراجع حركة الزبائن في قطاع الخدمات الغذائية بالمملكة المتحدة بنسبة 1% خلال النصف الأول من عام 2024. أما مطاعم الوجبات السريعة، فقد شهدت انخفاضاً مباشراً بنسبة 0.7%. وأفاد موقع "كيو إس آر ميديا" (QSR Media)، المتخصص في أخبار مطاعم الخدمة السريعة في المملكة المتحدة، بأن مبيعات خدمات التوصيل والطلبات الخارجية لدى أبرز سلاسل المطاعم سجلت تراجعاً بنسبة 1.9% في ديسمبر/كانون الأول الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
في السياق ذاته، أشارت بيانات "باركلي كارد" (Barclay card)، إحدى الشركات الكبرى في معالجة المدفوعات في المملكة المتحدة، إلى أن أكثر من نصف البريطانيين قلّصوا إنفاقهم على الوجبات الجاهزة والمطاعم، نتيجة ضغوط ارتفاع تكاليف المعيشة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تغيّر عاداتهم الغذائية المرتبطة باستخدام أدوية التخسيس.
في ظل هذا التحوّل، لم تعد تغييرات قوائم الطعام مجرد محاولة للتجديد، بل أصبحت استجابة لمتطلبات جديدة تدعو إلى تقديم وجبات أصغر حجماً، غنية بالبروتين وخفيفة على المعدة. ويبدو أن هذا التحوّل لم يعد مجرد اتجاه عابر، بل أصبح تغييراً عميقاً يعيد تشكيل مفهوم الاستهلاك الغذائي في المجتمع البريطاني.
وفي مقابل معاناة صناعة الأغذية من اضطرابات واضحة، تستعد قطاعات أخرى مثل اللياقة البدنية والمكمّلات الغذائية لموجة ازدهار متوقعة. فعلى سبيل المثال، سجلت سلسلة متاجر "هولاند آند باريت"، المتخصّصة في منتجات الصحة والتغذية في بريطانيا، زيادة ملحوظة في الطلب على مساحيق الكولاجين ووجبات البروتين الخفيفة. كذلك بدأت شركات التجميل تروّج لمنتجات تستهدف الترهلات التي قد تظهر على الوجه بعد فقدان الوزن السريع، مستفيدة من تغير أولويات المستهلكين.
في الوقت نفسه، ابتكر المدربون في مراكز اللياقة برامج مقاومة خاصة تهدف إلى الحفاظ على الكتلة العضلية، التي قد تتأثر نتيجة تسارع عملية خسارة الدهون بفعل هذه الأدوية.
وفي خضم هذه التغيرات الجذرية، يُنبه خبراء الصحة النفسية إلى جانب أكثر خفاءً في معادلة خسارة الوزن، حيث يحذرون من التداعيات النفسية التي قد ترافق هذا "النجاح الجسدي" المفترض، ما يؤثر أيضاً بشكل غير مباشر على ممارسة العمل وبالتالي النشاط الاقتصادي ككل.
ويقول توم كوين، مدير الشؤون الخارجية في منظمة "بيت" (BEAT) البريطانية، وهي مؤسسة خيرية رائدة في دعم المتضررين من اضطرابات الأكل، في رده على استفسارات "العربي الجديد": "يجب على مقدمي الرعاية الصحية أولاً إجراء تقييم شامل للصحة النفسية للتأكد من أن المرضى لم يعانوا في الماضي أو حالياً من اضطراب في الأكل أو يظهروا أي علامات تحذيرية، كما يجب إجراء فحوصات دورية لضمان استمرار هذا التقييم".
ويضيف كوين: "قد يكون دواء سيماغلوتيد وحقن إنقاص الوزن الأخرى جذابة جداً للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل، وقد تحفز لديهم أفكاراً أو سلوكيات مرتبطة بانتكاسات أو اضطرابات الأكل لدى الأشخاص المعرضين للإصابة بها".
ويشير إلى أن هذه الأدوية ما زالت جديدة نسبياً وتحتاج إلى المزيد من البحث. ومع ذلك، يثير القلق ما يحدث بعد انتهاء فترة العلاج، خاصة إذا عاد الوزن إلى الزيادة بعد انتهاء مدة الوصفة الطبية، مما قد يؤدي إلى مشاعر الخجل والذنب، وهو ما قد يُسهم في تطور اضطراب الأكل. ورغم هذه المخاوف، يشجع كوين الأشخاص على استشارة طبيبهم العام فوراً إذا واجهوا أي صعوبة.
ويضيف كوين: "نشجع أي شخص يعاني من اضطراب في الأكل أو لديه تاريخ مرضي مع هذا الاضطراب ويفكر في بدء العلاج بحقن إنقاص الوزن، على التحدث إلى طبيبه العام أو فريق الرعاية الصحية. كما نحث أي شخص يشعر بالقلق بشأن صحته ويعتقد أنه قد يُصاب باضطراب في الأكل، على حجز موعد عاجل مع طبيب عام. إدراك المرض قد يكون أمراً مخيفاً ومربكاً، لكن اضطرابات الأكل قابلة للعلاج، والحصول على الدعم بسرعة يمنحك أفضل فرصة للتعافي التام".
ودفع تنامي القلق بشأن اضطرابات الأكل نواباً من مختلف الأحزاب السياسية في بريطانيا إلى مناقشة الأزمة داخل البرلمان في الرابع من إبريل/نيسان الجاري، حيث دعوا إلى استجابة وطنية شاملة وتحسين الدعم المقدم للمصابين.