أخطر شريحة من المصريين

أخطر شريحة من المصريين

14 يوليو 2021
مباني جامعة هارفارد العريقة في الولايات المتحدة (getty)
+ الخط -

أدركت الدول "العاقلة" أن توفير التعليم الجيد لأبنائها يعد أفضل أنواع الاستثمار، فعمدت إلى بناء الجامعات، واستقدام أفضل الأساتذة، وتخصيص مبالغ ضخمة للبحث العلمي، لضمان الوقوف على أحدث مخرجات العصر في كل المجالات الحيوية.ولم تعرف الدول "غير العاقلة" أهمية التعليم، فلم تهتم بالمستوى التعليمي الذي تقدمه لأبنائها، ليتراجع ترتيب جامعاتها على المستوى العالمي، ولتضخ كل عام مئات الآلاف من أنصاف المتعلمين إلى سوق العمل.
لم تكن لدى بعض الدول العاقلة الإمكانات المادية أو البشرية التي تسمح لها بتوفير محتوى تعليمي جيد يمكن التعويل عليه لإحداث نهضة في البلاد، إلا أنها لم تستسلم وقررت الاستعاضة عن ذلك بإرسال الدارسين إلى البلدان المتقدمة لينهلوا من جامعاتها، ثم يعودوا لبلدانهم لنقل ما تعلموه إليها. لم تكتف الصين بما لديها من جامعات قوية، حيث أرسلت عشرات الآلاف من الدارسين للتعلم في الولايات المتحدة، والاطلاع على أحدث ما وصل إليه العلم في الاقتصاد الأكبر والقوة العظمى رقم واحد في العالم.

الأرشيف
التحديثات الحية

شجعت الحكومة الصينية مواطنيها على السفر للدراسة بالخارج، وقدمت الكثير من الدعم المادي والمعنوي، وفتحت لهم الأبواب بعد إتمام دراستهم، وحفزتهم للمشاركة بأفكارهم في صنع القرار ووضع الخطط والتأسيس لمستقبل البلاد.
وتتهم الولايات المتحدة الصين بأنها تقوم بإرسال العشرات، بل المئات، من الضباط العاملين بالجيش الصيني، ومن أعضاء الحزب الشيوعي، للدراسة في الجامعات الأميركية للاطلاع على أحدث نظم التكنولوجيا في كافة العلوم، من أجل نقلها إلى بلدهم، إلا أنها لم تستطع إيقاف هذه الممارسات التي ربما تكون قد بدأت قبل عقود.

أتت سياسة الصين أكلها، وعاد كثير من الطلبة الصينيين بعد الدراسة في الولايات المتحدة ليساهموا في صناعة النهضة في بلدهم، لترتقي الصين فتكون قوة عظمى حقيقية في فترة وجيزة، وليصبح اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما يصنفه البعض، ومنهم جهاز الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، باعتباره الاقتصاد الأكبر في العالم، باستخدام مفهوم تعادل القوى الشرائية.

لم تكتف الصين بتشجيع مواطنيها على الدراسة في الجامعات الأميركية، وإنما سعت لتطوير جامعاتها لتعظيم الاستفادة، ليرتفع تصنيف الجامعات الصينية ضمن أكبر جامعات العالم، ولتتجاوز خلال العام الماضي الجامعات الأميركية بعد دخول 204 جامعات من جامعاتها ضمن تصنيف CWTS Laiden لأفضل 1176 جامعة من 65 دولة، بينما لم تكن للولايات المتحدة سوى 198 جامعة في التصنيف نفسه.
ولمعرفة ما فعله التعليم الجيد للصينيين يكفي أن نلقي نظرة على حجم الجهد والعمل المبذول في الولايات المتحدة، ومحاولاتها حشد حلفائها الأوروبيين من أجل التصدي للتنين الصيني القادم بقوة، والذي ثبت عدم قدرة الولايات المتحدة حتى الآن على مواجهته بصورة فردية.
الأمر نفسه ينطبق على الطلبة الهنود، الذين دعمت حكومات بلدهم المتعاقبة سفرهم إلى الولايات المتحدة للدراسة، واستعانت بهم بعد انتهاء دراستهم ليتولوا قيادة البلاد، حتى أصبح العالم المتقدم يتعامل مع البلد الذي كان في وقت من الأوقات رمزاً للفقر والجهل والعشوائية باعتباره القوة العظمى القادمة بعد الصين. والأمر نفسه ينطبق على الكيان الصهيوني، الذي تلقى أغلب قادته وأعضاء حكوماته على مر السنين تعليمهم في الولايات المتحدة، وكذلك العديد من بلدان الخليج العربي.
وخلال حكمه للمملكة العربية السعودية، قرر الملك عبد الله بن عبد العزيز إيفاد خمسة آلاف طالب سعودي للولايات المتحدة كل عام، مع تحمله شخصياً نفقات سفرهم ودراستهم وإقامتهم ومياومتهم هناك، هم ومن يضطر لمرافقتهم إذا كانوا من النساء، كزوجٍ أو أخٍ أو أبٍ.

وقبل أن يضرب فيروس كوفيد-19 العالم، كان هناك ما لا يقل عن ثمانين ألف طالب سعودي يدرسون في مراحل التعليم الجامعي، وما أعلى من ذلك، في الجامعات الأميركية.
وفي مصر، قالت نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة المصرية، الأسبوع الماضي، إن "الدارسين المصريين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين نتيجة عدة عوامل، على رأسها الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر"! وأكدت الوزيرة، التي تحظى بثقة السيسي الكاملة، أن الجيلين الثاني والثالث من الشباب المصريين بالخارج "بحاجة لمزيد من التعريف بالمجتمع المصري والأفكار السليمة بعيدًا عما يسمعونه في الخارج عن جيش مصر من مغالطات، فكنا نستقدم العديد من المهاجرين ونأخذهم إلى العديد من المناطق، منها معهد ناصر العسكري ومناطق تدريب القوات المسلحة، للتعريف بما يفعله الجيش المصري".

تصريحات الأسبوع الماضي لم تكن الأولى للوزيرة، حيث سبقت لها الإشارة إلى إمكانية تجنيد المصريين الدارسين بالخارج للتجسس على زملائهم المصريين، حين قالت "الحقيقة أن شباب الجامعات قوة ناعمة كبيرة جداً، داخل الجامعات بتاعتهم، لأنه ممكن يوصللي كل الأفكار اللي بتبث بطريقة سلبية داخل الجامعات من جماعات أخرى"، مشيرةً إلى أن الطالب المصري الذي يدرس بالخارج "من الممكن جداً أن يتم استقطابه بأفكار مضادة لاتجاهات الدولة أو بأفكار تكفيرية".
حمدت الله وأنا أقرأ ما نُقل عن الوزيرة المصرية التي أتت في هذا الزمان، ولم تلحق بالعديد من المنتسبين لـ"أخطر شريحة في مصر" من السابقين من أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم، وتذكرت ما فعلته مصر بأبنائها ممن درسوا بالخارج، من أمثال الدكتور محمد مرسي، رحمة الله عليه، والدكاترة محمد البرادعي وعصام حجي وعمرو دراج وعمرو حمزاوي، وغيرهم ممن كانت لهم "أفكار مضادة لاتجاهات الدولة".
لا يهم الدولة المصرية حالياً توفير التعليم الجيد لأبنائها، بقدر اهتمامها بأن يظل الجميع داخل حظيرتها، وتبذل الدولة كل الجهد والمال في محاولات منع الأفكار "المضادة لاتجاهات الدولة" من الوصول إليهم، ولا شك أن أغلب ما ينفق يذهب جفاءً، ولو تم توجيه كل هذا المال والجهد لتطوير التعليم، لما احتجنا من الأصل لإرسال أبنائنا للتعلم في الخارج، ولكن من الواضح أننا وتوجهات الدولة نعاني من تعارض المصالح.

المساهمون