أجور التونسيين مثقلة بالضرائب والاقتطاعات

26 يناير 2025
الضغط الجبائي العالي يقلق الموظفين والعمال في تونس (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني الموظفون في تونس من ضغط ضريبي مرتفع يصل إلى 36% من الرواتب، مما يثقل كاهل المواطنين دون تقديم خدمات عامة ملائمة مثل التعليم والصحة والنقل.
- تحتل تونس المرتبة الأولى في أفريقيا من حيث الضغط الجبائي بنسبة 33.5% من الناتج الإجمالي الداخلي، وتعتمد بشكل كبير على الضرائب لتمويل الخزينة بسبب تدهور إيرادات القطاعات غير الجبائية.
- يطالب الخبراء بتحسين النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي لتخفيف الأعباء الضريبية، وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب مع مكافحة التهرب الضريبي.

يدفع محمد الباجي، الموظف في القطاع المالي في تونس، 2155 ديناراً (695 دولاراً) من أجره شهرياً تحت عنوان الضريبة على الدخل ومساهمات في صندوق الضمان الاجتماعي، ما يشكل 36% من مجموع راتبه الصافي المقدر بـ5984 ديناراً.

يقول الباجي (48 عاماً) إنه ينتمي إلى واحد من القطاعات الأعلى دخلاً في تونس ويصل راتبه الشهري إلى ضعف متوسط أجر موظف في القطاع الحكومي، ومع ذلك يشعر بثقل الضرائب التي باتت مرهقة. ويظهر المتحدث لـ"العربي الجديد" نسخة من إيصال راتبه الشهري، الذي يقتطع منه 1407 دنانير (453 دولاراً) ضريبةً على الدخل فقط.

ومع ذلك يؤكد أنه لا يجد خدمات عمومية مقابل ما يدفعه من ضرائب، إذ يتحمل الإنفاق على تعليم أبنائه في المدارس الخاصة، كما يضطر إلى التوجه نحو القطاع الصحي الخاص في حالات المرض ولا يستفيد من خدمات النقل العمومي. يضيف "أصرف ما تبقى من الراتب في مصاريف معيشية أساسية ولم تعد لدي القدرة على الادخار أو القيام بأي استثمارات".

ينتقد الباجي بشدة عدم ملاءمة الضغط الضريبي الذي يتحمله الموظفون في تونس مع الخدمات العامة التي يفترض أن يتمتع بها دافعو الضرائب وفق ما هو معمول به في أغلب الدول التي تفرض ضغوطاً جبائية عالية على مواطنيها.

ويكشف تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صدر في أواخر عام 2024 تحت عنوان "إحصائيات العائدات الجبائية في أفريقيا" أن تونس احتلت المركز الأول قارياً في مجال الضغط الجبائي بنسبة 33.5% من الناتج الإجمالي الداخلي في 2022 مقابل معدل بنسبة 16% لكامل القارة الأفريقية و34% في الدول الغنية".

وارتفعت نسبة الضغط الجبائي من 32.5% في عام 2021 إلى 33.5% في 2022 وفق التقرير ما يمثل النسبة الأعلى لتونس في أفريقيا. وأشار التقرير إلى أنه على امتداد العشر سنوات الأخيرة سجلت تونس مع السنغال أعلى نسب ضغط جبائي بتطور بلغت نسبته 18.7% مقابل معدل 7.4% لكامل القارة ومعدل 4.2% في الدول الغنية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوفر الأشخاص الطبيعيون 71.1% من الضريبة على الدخل، بينما لا توفر الشركات سوى 35.4%.

ويقلق الضغط الجبائي العالي الموظفين والعمال في تونس رغم محاولات السلطة تعديل سلم الضريبة على الدخل في اتجاه تخفيف الأعباء على متوسطي وضعاف الدخل مقابل الزيادة في الضريبة على من يتجاوز دخلهم السنوي 70 ألف دينار.

وبدأت تونس مع دخول العام الجديد تطبيق سلم ضريبي تصاعدي في اتجاه إقرار عدالة اجتماعية أشمل وفق التبريرات الواردة في قانون الموازنة. غير أن هذه الضريبة واجهت انتقادات كبيرة من العديد من القطاعات التي طالبت بالبحث عن موارد مالية لفائدة الخزينة عبر احتواء السوق الموازية والقطاعات المتهربة ضريبياً.

ويرى الخبير الجبائي أنيس الوهابي، أن من أسباب تصنيف تونس في مرتبة متقدمة أفريقياً من حيث الضغط الجبائي هو ضعف الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يتجاوز 180 مليار دينار (58 مليار دولار) من بينها 43 مليار دينار متأتية من الضرائب.

وقال الوهابي لـ"العربي الجديد" إن تونس تعول على الموارد الضريبية بنسبة 90.4% لتمويل الخزينة بسبب تدهور القطاعات التي كانت إيرادات غير جبائية وأبرزها صناعة الفوسفات، ما يفسر خيار السلطة بزيادة الضرائب على الأفراد والشركات.

وأشار إلى أن شعور التونسيين، لا سيما طبقة الموظفين، بالضغط الضريبي العالي مرده عدم قدرتهم على النفاذ إلى خدمات عمومية ذات جودة ما يجبرهم على تحمل نفقات إضافية، رغم مواصلة الدولة الإنفاق على قطاع الصحة والنقل والتعليم والتكفل بنحو 240 ألف عائلة فقيرة. وبحسب الخبير الجبائي تذهب 25% فقط من الاقتطاعات الضريبية لفائدة خزينة الدولة بينما تحوّل 8% المتبقية لفائدة صناديق الأنظمة الاجتماعية.

وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها أن تونس تمتلك أعلى نسبة عائدات جبائية في أفريقيا تحت مظلة الاقتطاعات لفائدة التغطية الاجتماعية بنسبة 25.7% مقابل 7.4% كمعدل عام لكامل القارة الأفريقية ومعدل 24.8% في الدول الغنية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ويرى الوهابي أن زيادة الناتج المحلي الخام ورفع نسب النمو هما السبيل الوحيد إلى تخفيف أعباء الضريبة على التونسيين. لكن تونس تعاني نمواً باهتاً لا يتجاوز الـ2% سنوياً في أحسن حالاته مع توقعات بتواصل النسب ذاتها إلى غاية عام 2026.

وتوقع البنك الدولي في تقريره الصادر قبل أسبوع تحت عنوان "النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أن يبلغ نمو الاقتصاد التونسي إلى حدود 2.2% بنهاية العام الحالي، وأن يصل إلى 2.3% في غضون عام 2026 مدعوماً بتوقعات أفضل للتمويل الخارجي. ويطالب خبراء الاقتصاد بحلول لا تلزم الشرائح الملتزمة بالواجبات الجبائية بمزيد الدفع، معتبرين أن تصعيد الضغط الجبائي على الموظفين وأصحاب المهن المنظمة سيزيد من إرهاقهم مقابل توسع الأنشطة الموازية التي لا تدفع أي نوع من الضرائب.

وقال الوهابي إن الحكومة مطالبة بتجنّب أي قرارات ضريبية تحمّل الملتزمين أعباء جديدة، مؤكداً أن تحقيق العدالة الجبائية يحتاج إلى توسعة قاعدة الدافعين. وأشار إلى أن الاقتصاد الموازي يتوسّع على نحو كبير مستفيداً من التهرب الضريبي.

المساهمون