استمع إلى الملخص
- وصفت الصين قرار بنما بـ"المؤسف"، مؤكدة أن الاتهامات الأميركية لا أساس لها، وأن انسحاب بنما لن يؤثر على مسار المبادرة.
- مبادرة الحزام والطريق تواجه تحديات بسبب انسحاب دول مثل إيطاليا والفلبين، مما يثير تساؤلات حول مستقبلها في ظل الضغوط الأميركية والاقتصادية.
أبلغت بنما الصين رسميا، أمس الخميس، بقرارها الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية (طريق الحرير الجديد). وجاء قرار الانسحاب بعد أيام من زيارة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى مدينة بنما التقى خلالها الرئيس خوسيه راؤول مولينو، يوم الثلاثاء، وأكد قلق ترامب بشأن تورط الصين في قناة بنما. وقال روبيو إن واشنطن لا تستطيع ولن تسمح للحزب الشيوعي الصيني بمواصلة سيطرته الفعالة والمتنامية على منطقة قناة بنما. وكانت بنما أول دولة في أميركا اللاتينية تنضم إلى مبادرة البنية التحتية بعد فترة وجيزة من قطع العلاقات مع تايوان في عام 2017 والاعتراف ببكين دولة ذات سيادة على جميع الأراضي الصينية.
وفي أول تعليق رسمي من الصين، وصف سفير الجمهورية الشعبية لدى الأمم المتحدة فو كونغ قرار بنما بالانسحاب من خطة الحزام والطريق بأنه "مؤسف"، وقال: "إن حملة التشهير التي تشنها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى بشأن مبادرة الحزام والطريق لا أساس لها من الصحة على الإطلاق". وأضاف: "سنواصل جهودنا على أمل أن يتمكن الجنوب العالمي من العمل بشكل أفضل". كما رفض السفير الصيني مزاعم الولايات المتحدة بشأن تورط بكين في قناة بنما، ووصف الاتهامات الموجهة إلى بلاده بأنها "كاذبة تماماً"، وأصر على أن بكين لم تشارك في إدارة القناة أو عملياتها واعترفت بالممر المائي ممراً دولياً دائماً ومحايداً.
وتعتبر بنما رابع دولة تنسحب من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث كانت إيطاليا قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، انسحابها رسمياً من المبادرة الصينية بعد أكثر من أربع سنوات على انضمام هذه الدولة الوحيدة في مجموعة السبع. وفي عام 2023، انسحبت الفيليبين أيضاً لأن الصين لم تف بوعدها بشأن بعض التعهدات بين البلدين. كما شهد عام 2022 انسحاب إستونيا. وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات بشأن تداعيات القرار على بقية الدول المنضوية تحت المبادرة ولديها في الوقت نفسه مصالح مع الولايات المتحدة، وكذلك خيارات بكين المتاحة للتعامل مع الضغوط الأميركية المتزايدة والتي من المتوقع أن تبلغ ذروتها في ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية.
مبادرة الحزام والطريق
وطريق الحرير الجديد، أو مبادرة الحزام والطريق الصينية، نهج يقوم على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، وهو واحد من أكبر مشاريع البنية التحتية في التاريخ المعاصر، أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 باعتباره مشروعاً عالمياً يهدف إلى ربط الشرق بالغرب عبر ممرات مائية وبرية. وحسب آخر تحديث صدر عن اللجنة التنسيقية للمبادرة بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإطلاقها، فإنه على مدى عقد كامل، أي حتى عام 2023، انضمت أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية إلى مبادرة الحزام والطريق التي تشكل ركناً من أركان السياسة الخارجية الصينية.
وفي الفترة من عام 2013 إلى 2023، تجاوز إجمالي حجم الواردات والصادرات الصينية مع الدول المشاركة 21 تريليون دولار، وتجاوز استثمارها المباشر في الدول المشاركة 270 مليار دولار. وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي للمبادرة، فقد لاقت انتقادات شديدة، وعلت أصوات في الغرب اتهمت الصين باستخدام مبادرة الحزام والطريق وسيلة لتوسيع نفوذها السياسي والسيطرة على الدول الصغيرة والفقيرة عبر إيقاعها في فح الديون واستغلال مواردها الطبيعية، وإعطاء الأولوية في إدارة المشاريع للشركات الصينية على حساب الشركات المحلية.
خيارات الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق
في هذا السياق، يرى أستاذ الدراسات الاقتصادية في جامعة صن يات سن قوه جيانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مبادرة الحزام والطريق هي مبادرة تعاون إقليمية مفتوحة وشاملة وليست دائرة صغيرة صينية حصرية ومغلقة، وبالتالي فإن انسحاب بنما أو أي شريك آخر لن يؤثر على مسار المبادرة. وأضاف أن ما حدث للدولة الواقعة في أميركا الوسطى يكشف الاستراتيجية الشائعة التي تستخدمها الولايات المتحدة في التأثير على شركاء الصين من خلال اللجوء إلى أسلوب الإكراه، وهذا مؤشر ضعف وليس قوة، فبينما تستخدم بكين الدبلوماسية وتقدم الفرص الاستثمارية للشركاء، تمارس واشنطن البلطجة.
ولفت الباحث الصيني إلى أن انسحاب بنما من مبادرة الحزام والطريق لا يعني قطع العلاقات والتبادلات الثنائية بين البلدين، لأن بكين قادرة على نسج المزيد من سبل وفرص التواصل والتعاون مع بنما على كافة المستويات بما في ذلك القوة الناعمة. كما أن وقف الاتفاقيات الموقعة في إطار المبادرة لا يعني إلغاء المشاريع الاقتصادية القائمة بصورة غير رسمية أو حكومية بين الطرفين عبر شراكات يديرها القطاع الخاص. وأضاف أنه منذ طرحها قبل أكثر من عقد، توسعت مبادرة الحزام والطريق باستمرار في مجالات تعاون مختلفة، واستكشفت نماذج تعاون جديدة لإثرائها وتطويرها وتحسينها، لكن نيتها ومبادئها الأصلية ظلت كما هي. وهذا هو الأساس والمفتاح للتعرف إلى مبادرة الحزام والطريق التي تجهلها القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين بدأت تدفع ثمن نهجها الانتهازي في التعامل مع الدول الأخرى تحت غطاء مبادرة الحزام والطريق. وأضاف أن انسحاب بنما قد يكون بداية لانفرط عقد الدول اللاتينية المنضمة للمبادرة الصينية، لكن ذلك يتوقف، حسب قوله، على الامتيازات والفرص التي سوف تقدمها الولايات المتحدة لهذه الدول، وأشار إلى أن الصين لم تعد قوة اقتصادية جاذبة بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه منذ جائحة كورونا، وغير قادرة على ضخ المزيد من الأموال في مشاريع البنية التحتية كما في السابق، الأمر الذي دفع بعض شركائها الاقتصاديين إلى البحث عن بدائل أخرى.