"طريق الحرير" الإيراني.. سكك حديدية تصل إلى البحر المتوسط تثير مخاوف

"طريق الحرير" الإيراني.. سكك حديدية تصل إلى البحر المتوسط تثير مخاوف عربية

20 مايو 2021
طهران تقول إنّ الربط السككي سيساهم في تحقيق تغيير كبير بالمنطقة (فرانس برس)
+ الخط -

بدت إيران متحمسة للوصول إلى البحر المتوسط مباشرة عبر مشروع للسكك الحديدية يمتد من أراضيها ويعبر كلاًّ من سورية والعراق، ليكون بمثابة "طريق حرير" إيراني، وفق وصف محللين، ما يثير مخاوف عربية من أهداف المشروع الذي تقول طهران إنّه يهدف إلى تعزيز التجارة واقتصادات الدول، مشيرة إلى أنّه جزء مما يعرف بمبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وقبل أسبوع، اعتبر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أنّ مشروع ربط شبكة السكك الحديدية بين مدينتي شلمجه (جنوب غربي إيران) والبصرة (جنوبي العراق) مهم للغاية، موضحاً أنّه سيربط إيران بالعراق وسورية ومنطقة البحر المتوسط، وسيساهم في تحقيق تغيير كبير في المنطقة.

وجاء تصريح روحاني خلال مراسم أقيمت عبر تقنية الفيديو كونفرنس لافتتاح مشاريع إيرانية، إذ قال إنّ مدن عبدان وشلمجه وخرمشهر تقع في منطقة استراتيجية ذات أهمية كبيرة، معرباً عن أمله في أن "نشهد تغييراً كبيراً في المنطقة، من خلال الاتفاق الذي حصل مع العراق حول ربط شبكة سكك الحديد بين مدينتي شلمجه والبصرة".

وتابع أنّ ربط شبكة سكك الحديد بين إيران والعراق وسورية يحظى ببالغ الأهمية، والحكومة تتابع هذا المشروع على الصعيدين السياسي والعملياتي، من أجل تحقيقه في السنوات المقبلة.

وأثارت تصريحات روحاني حول مشروع السكك الحديدية جدلاً واسعاً في العراق بشكل خاص، وسط مخاوف من أنّه سيزيد النفوذ الإيراني، ليكون العراق بمثابة "حديقة خلفية لإيران"، وفق وصف عضو البرلمان العراقي السابق صادق المحنا، الذي أكد عدم وجود حاجة لسكة حديد تربط العراق بإيران وسورية.

وقال المحنا لـ"العربي الجديد" إنّ السكك الحديدية مع إيران وسورية قد تضرّ العراق ولا تنفعه، في ظلّ عدم جدوى الربط السككي في الظروف الحالية للبلاد، مضيفاً: "يفترض أن تكون هناك خطة متكاملة لبناء العراق، أما أن نكون حديقة خلفية لإيران أو غيرها من الدول المجاورة، فإنّ ذلك يضرّ بمصالح واقتصاد العراق". وتابع: "بناء السكك الحديدية والبلاد مخربة ومدمرة قضية تثير تساؤلات".

وقال عضو البرلمان العراقي، حسين عرب، إنّ استفادة العراق اقتصادياً وتجارياً من المشروع ستكون ضئيلة، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ هذه الفائدة ستقتصر على مبالغ المرور "الترانزيت"، لأنّ العراق لا يمتلك بضائع ليصدّرها.

وأضاف عرب أنّ "ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية يجب أن يُدرس بشكل تخصصي ومهني، وإذا كان الربط لتعزيز العلاقات الاقتصادية فهذا شيء جيد، لكن يجب ألاّ يؤثر على المشاريع الاستراتيجية للعراق"، مشدداً على ضرورة سيطرة الدولة على كلّ شيء فوق أراضيها، سواء كان ربطاً سككياً أم غير ذلك.

يوم الاثنين الماضي، نقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، عن خير الله خادمي، مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني، قوله إنّ مشروع الربط السككي بين شلمجه والبصرة سيتم عبر استثمارات إيرانية، مشيراً إلى أنّ الأراضي المخصصة للمشروع سيتم تسليمها للمستثمر بغية انطلاق العمليات الإنشائية.

وبينما تتخذ إيران خطوات عملية نحو تنفيذ المشروع، قال مسؤول كبير في وزارة النقل العراقية، فضل عدم ذكر اسمه، إنّ "الحديث عن ربط العراق وإيران وسورية ليس جديداً، ولم يطبق بسبب عدم قناعة بغداد التامة به"، موضحاً أنّه "تم طرح المشروع خلال حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي (2014 ـ 2018) إلاّ أنّ الحكومة في حينه لم تكن متحمسة له كثيراً".

وأضاف المسؤول لـ"العربي الجديد" أنّ الجانب الإيراني سبق أن أجرى حوارات مع العراقيين بهذا الخصوص، ولم ترفض بغداد الفكرة، إلاّ أنّ التطبيق لم يتم، لافتاً إلى مخاوف من احتمال اتهام العراق بأنّه يريد مساعدة إيران في التهرب من العقوبات المفروضة عليها.

كما أكد عدم الجدوى الاقتصادية الكبيرة للعراق من الربط السككي مع إيران في الوقت الحاضر، فيما الجانب الأمني قد يكون حائلاً دون إكمال المشروع على المدى المنظور، لأنّ سكة الحديد المفترضة تمرّ بمناطق صحراوية واسعة، وقد تتعرض للتخريب في ظلّ الخروقات الأمنية المتكررة، معتبراً أنّ "المغزى من المشروع، في الغالب، سياسي مرتبط بإيران أولاً وأخيراً".

وعام 2016، دعا مسؤولون إيرانيون إلى إنشاء سكك حديد تربط إيران بالعراق وسورية للوصول إلى ميناء اللاذقية في سورية، مؤكدين أنّ ذلك يمكن أن يساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي بين دول المنطقة.

من جانبه، اعتبر محافظ البصرة السابق، وائل عبد اللطيف، أنّ المشروع الإيراني "سيقتل موانئ البصرة، تحديداً ميناء الفاو"، موضحاً أنّ ميناء الفاو الكبير يمكن أن يكون طريقاً يربط الشرق الأوسط بأوروبا عبر تركيا.

وأضاف أنّ "فائدة العراق الأكبر هي في ميناء الفاو من خلال الواردات التي تأتي منه ومن خلاله تشغيل اليد العاملة، وهكذا تنخفض أسعار السلع، لكن إن أنشئت سكك حديدية لذهبت البواخر إلى موانئ في إيران ومنها تأتي البضائع إلى العراق، وهذا ما سيتسبب في زيادة الأسعار ويؤثر في كفاءة الميناء بشكل كبير، خصوصاً أنّ الكويت أقرب إلى إيران لجهة المسافة، وهذا ما سيشجعها على إكمال ميناء مبارك، لكنّ العراق سوف يخسر موانئه كما سيخسر مبالغ طائلة، لأنّ عملية رسو البواخر تدرّ أموالاً سواء في تحميلها أو إبحارها.

وأشار إلى أنّ ميناء الفاو يمثل أهمية للعراق كونه يحقق ثروة هائلة، خصوصاً عند إنجاز 180 رصيفاً في الميناء والحصول على مساحات واسعة من البحر الذي يواجه الميناء، لذا فأيّ مشروع للربط السككي مع إيران بمثابة تعطيل لمشاريع العراق.

في المقابل، تشير إيران إلى أنّ مشروعها سيربط خط الشحن من الصين إلى البحر المتوسط، الذي يأتي ضمن مبادرة الحزام والطريق، وفق ما نقلت وكالة أنباء "فارس" في 30 يناير/كانون الثاني الماضي عن النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري.

وقد لا يخلو المشروع الإيراني أيضاً من محاولات لتقويض دور قناة السويس المصرية كمعبر مهم للسلع بين آسيا وأوروبا، وفق محلل في قطاع النقل في بنك استثمار مصري، تحدث إلى "العربي الجديد". مشيراً إلى أنّ إيران تزيد من طرح مشروعات من شأنها إيجاد بدائل عن قناة السويس مثل الربط السككي الذي يصل مباشرة إلى البحر المتوسط، وإحياء ما يعرف بـ"ممر شمال ـ جنوب" الذي دعت إليه طهران خلال أزمة تعطل قناة السويس بضعة أيام بسبب جنوح سفينة شحن عملاقة نهاية مارس/آذار الماضي.

وهذا الممر يربط العاصمة التجارية الهندية مومباي بإقليم أوراسيا مترامي الأطراف. ويتألف من شبكة متعددة الطرق، تبلغ 7200 كيلومتر، من السفن، والسكك الحديدية، والطرق البرية، ويهدف إلى نقل البضائع، والمرور عبر أراضي الهند، وإيران، وأفغانستان، وأرمينيا، وأذربيجان، وروسيا، وآسيا الوسطى، ثم أوروبا الشرقية.

وكان سفير إيران لدى موسكو، كاظم جلالي، قد كتب في تغريدة على موقع التواصل "تويتر"، مساء 27 مارس، وفق ما نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا"، أنّ من الضروري "تفعيل ممر شمال - جنوب بدلاً من قناة السويس".

وقال جلالي "إنّ ممر شمال - جنوب، يختصر الزمن حتى 20 يوماً والتكاليف حتى 30%، ويُعدّ خياراً أفضل كبديل عن قناة السويس في مجال الترانزيت"، مضيفاً أنّ "الحادث الأخير (تعطل القناة) مؤشر إلى ضرورة البحث عن بديل أقل خطورة من قناة السويس، التي يعبر منها أكثر من مليار طن من السلع سنوياً".

وكان تقرير لصحيفة "فيستنيك كافكازا" الروسية، نشر في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016، قد أشار إلى أنّ مشروع "ممر شمال- جنوب"، يعتبر أحد أكبر مشاريع النقل الدولي في العالم. وأشارت تقارير دولية آنذاك، إلى أنّ قناة السويس ستكون من أكبر المتضررين من المشروع الذي جرى اختباره، ويمكن أن ترتبط به أيضاً موانئ عربية.

وتهدف إيران إلى استكمال حلقات الربط مع ممر "شمال ـ جنوب"، إذ نقلت وكالة أنباء "فارس"، الاثنين الماضي، عن مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية خير الله خادمي، أنّ مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسورية، يتيح إمكانية نقل البضائع من باكستان أو ميناء تشابهار الإيراني (جنوب شرق) والبضائع التي تصل من الصين وآسيا الوسطى عبر القطار إلى منطقة "سرخس" (شمال شرق)، إلى الموانئ السورية والبحر المتوسط عبر شبكة سكك الحديد العراقية.

المساهمون