Skip to main content
"المركز العربي" يبحث تحديات وفرص التنويع الاقتصادي في دول الخليج
أسامة سعد الدين ــ الدوحة
هناك تصورات ورؤى وبرامج لكيفية الانتقال نحو اقتصاد متنوع (العربي الجديد)

انطلقت اليوم السبت، أعمال مؤتمر "التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي: التحديات والفرص"، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور ومعهد الدوحة للدراسات العليا، على مدارِ يومين في مقر المركز العربي في العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة باحثين وأكاديميين خليجيين وعرب وغربيين. 
يسعى المؤتمر عبر عقد أربع جلسات ومحاضرتين عامتين، إلى مناقشة مجموعة من الأسئلة البحثية على غرار: ما المشكلات المصاحبة للسياسات المالية في دول الخليج؟ وكيف يمكن التغلب عليها لتنويع اقتصاداتها؟ أينبغي لدول الخليج الاستثمار أكثر في القطاع الصناعي أم الخدماتي أم كليهما؟ هل ثمّة نموذج على دول الخليج اتّباعه لتحقيق التنويع الاقتصادي؟ ما دور القطاع الخاص في تحقيق التنويع الاقتصادي في دول الخليج؟ كيف يمكن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول الخليج؟

وحول أهمية المؤتمر وأوراقه، يقول رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي، حيدر سعيد، لـ "العربي الجديد"، إن المركز العربي يعود إلى دراسة موضوع التنويع الاقتصادي في الخليج  لأهميته من جوانب مختلفة، تبدأ من التعليم والعناية بالرأسمال البشري وتنميته، وصولاً إلى الأهمية السياسية والاجتماعية، لافتا إلى أن بلدان الخليج كافة أصبح لديها تطلعات نحو التحديث السياسي، والتنويع الاقتصادي يقع في صلب هذا لأن نظريات الريعية تتحدث منذ السبعينيات أن البلدان ذات الاقتصاد الأحادي ليس لديها فرص نحو التحديث السياسي".

وأضاف أنه "يبدو حاليا على مستوى النخب الحاكمة وعلى مستوى النخب بشكل عام، وعلى مستوى مراكز الدراسات التي في المنطقة، فإن هذا الموضوع أصبح يُعطى أهمية، من جهة أخرى هناك نوع من التحليل لطبيعة الاقتصاد في هذه المنطقة، وهناك تصورات ورؤى وبرامج لكيفية الانتقال نحو اقتصاد متنوع يخرج من الأحادية، والذي يعتمد بشكل أساسي على النفط". 
وأشار سعيد إلى أن "ميزة المؤتمر أنه يحاول المزج بين البعد الأكاديمي وبين الخبرات، فمعظم الباحثات والباحثين المشاركين منخرطون فعليا ببرامج ومؤسسات اعتنت بخصوصية التنويع الاقتصادي، كما أن الجزء الأكبر منهم من أبناء الخليج".

وعن مسارات التنوع الاقتصادي في بلدان الخليج حاليا، تقول الاستشارية في مكتب "دراسات" للعلوم الإنسانية، عهود البلوشي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "التنوع الاقتصادي يسير على الطريق، لكن الوجهة قد تكون غير واضحة في دول الخليج، من ناحية المقارنة بين البدايات وبعد مضي نحو نصف قرن، فثمة فرق كبير خاصة في التنمية البشرية في التعليم، رغم وجود تحفظات على جودة التعليم وعلى الخيارات المطروحة على الشباب الخليجي".

وترى البلوشي أن "الصورة مختلفة بين مطلع السبعينيات وبداية الألفية الثالثة"، لافتة إلى أن "الحوار  بين دول مجلس التعاون كان في المستهل حول التكامل الاقتصادي، وكان فعالا لتوضح أن الوضع لم يدعم هذا التكامل، وبات يشكل تنافسا اقتصاديا، وأصبح التركيز قطريا أكثر من التكامل على مستوى مجلس التعاون الخليجي".

وردا على سؤال على وجود تنوع اقتصادي خليجي، تجيب البلوشي بـ"نعم، ثمة بعض المحاولات للتنويع الاقتصادي"، لكن في اعتقادها "تحتاج إلى كثير من التمعن والتخطيط". 
وأشارت إلى "وجود نسبة عالية من الشباب الخليجي يهتمون في المجال الرقمي والتكنولوجي، فيمكن أن يكون التوجه نحو هذا المجال، إضافة إلى خيارات التدريب والتعليم المهني"، وأشارت إلى "أهمية التنوع في مسارات التعليم ليس الأكاديمي فحسب".

دور العامل البشري 

شارك في الجلسة الأولى من المؤتمر أربع باحثات، وقدمت المستشارة المستقلة في مجال الأعمال الاستراتيجية، آن بنت سعيد الكندي، ورقةً بعنوان "أعمق من مجرد تنويع اقتصادي"، قدمت فيها نظرة كلية حول دول الخليج، مع التركيز على سياق التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، من خلال طرح جملة من التساؤلات التي فرضها مرور الوقت الطويل على إطلاق خطط التنويع الاقتصادي في دول الخليج، والتغيرات التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط، منها: ما متطلبات التنويع الاقتصادي في دول الخليج؟ ما الفلسفة الفكرية التي تحتاجها دول الخليج للتخلص من المرض الهولندي؟

وقدمت رئيسة قسم الاستثمار في "الشركة الأهلية للتأمين"، نورا اللهو، ورقةً  تناولت "رأس المال البشري وتأثيره في التنوّع الاقتصادي"، ركّزت فيها على دور رأس المال البشري في تحقيق التنويع الاقتصادي، مشيرةً إلى أهمية وضع خطة واستراتيجية لتوجيه الشباب نحو ما تحتاج إليه الدولة لتقوية اقتصادها وتنويعه، عن طريق إنشاء جهاز مختص برأس المال البشري؛ كون تضافر رأس المال البشري مع دولة ذات رؤية تستثمر في تأسيس شعبها، تُنتج اقتصادًا منيعًا ومتنوعًا.
وتحت عنوان"تنويع التعليم مفتاح التنويع الاقتصادي"، ناقشت الباحثة العمانية عهود البلوشي، الدور المحوري الذي يؤديه التعليم المدرسي وما بعد المدرسي في التنمية البشرية، ومن ثم التنويع الاقتصادي، بوصفه أحد مكوناته الأساسية. فجودة التعليم ومدى مواكبة الأنظمة التعليمية للمهارات المطلوبة في سوق العمل، والنظرة الاستشرافية للنظام التعليمي التي تضع في الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتنويع العمق المعرفي تضطلع بدور مهمّ في وضع أسس التنويع الاقتصادي للدول.
وحملت الورقة الأخيرة من الجلسة الأولى عنوان "لماذا يُطلب التنوّع الاقتصادي في الكويت؟"، قدّمتها  الناشطة الاجتماعية وعضو مجلس إدارة جمعية الشفافية الكويتية، أسرار حيات، عرضت فيها عدة سيناريوهات للتنويع الاقتصادي، على المستويين؛ الكويتي والخليجي، لتخلص إلى تقديم اقتراحات وتوصيات تُعزّز فكرة أهمية وجود موارد مختلفة لكل دولة وتأثيرها في الاقتصاد بعامة والإنسان بخاصة، وتأثير ذلك في العلاقات بين دول مجلس التعاون على نحوٍ إيجابي.

ثمّ ألقى الباحث في مركز الاقتصاد الكلي ومعهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كامبريدج، خالد بن راشد الخاطر، المحاضرة العامة الأولى تحت عنوان "نموذج النمو الريعي الخليجي"، وقدم صفة لتعثر التنويع الاقتصادي وتحور التركيبة السكانية للمجتمع. قدّمَ فيها تأطيرًا عامًا لموضوع المؤتمر وتحديات تحقيق التنويع الاقتصادي في دول الخليج، من خلال شرح نموذج النمو الاقتصادي المتبع في دول مجلس التعاون، مع تحديد الخصائص العامة لاقتصادات هذه الدول، لفهم طريقة عملها، وتبعات ذلك على تعثر عملية التنويع الاقتصادي وتحور التركيبة السكانية للمجتمع.

وأشار الخاطر إلى أبرز خصائص الاقتصادات الخليجية، وهي أنها صغيرة ومنفتحة على العالم الخارجي، وعدم تنوع القاعدة الاقتصادية بسبب الاعتماد المفرط على القطاع الهيدروكربوني ما يجعل هذه الاقتصادات عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية.

دور الصناعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة 

حملت الجلسة الثانية عنوان "دور القطاع الخاص والصناعة والتكنولوجيا في تعزيز التنويع الاقتصادي في دول الخليج". وتناول رئيس القسم الاقتصادي في شركة "الاستراتيجية الأولى للاستشارات، بشار صبح في ورقته "دور البنية التحتية الصناعية في تعزيز التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، وقدم  تحليلًا للمعضلات التي تقف أمام تطوير بنية تحتية صناعية في دول مجلس التعاون، مع التركيز على الدور الحيوي للقطاع الخاص بصفته محركا للنمو وأداة فعالة للتنويع الاقتصادي والتنمية؛ إذ لا يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي إلا إذا كلف القطاع الخاص بدور مهم في المشهد الاقتصادي لدول الخليج.
وتطرق كبير الاقتصاديين في فريق عمل "رؤية عمان 2040"، يوسف البلوشي، في ورقته "دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر في التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، إلى العوامل السياقية التي يُمكنها تفسير التقدم البطيء على جبهة التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي، من خلال تقييم نقدي لجهود دول مجلس التعاون الحالية لتحويل اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد الشديد على الهيدروكربونات نحو أنظمة اقتصادية أكثر تنوعًا، مع اعتماد عُمان كدراسة حالة.

وركزت أستاذة إدارة الأعمال في جامعة الكويت، موضي الحمود، والمديرة التنفيذية لشركة "ايكوسيستم للاستشارات الإدارية"، هنادي المباركي في ورقتهما "التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال النمو الذكي: برامج الابتكارات، الحاضنات، الشركات الصغيرة والمتوسطة، ونقل التكنولوجيا" على تأثير برامج الابتكار، وبرنامج الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج الحاضنات، وبرامج نقل التكنولوجيا في التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون، مع اقتراح خريطة طريق لتشكيل التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون بصفته اقتصادًا حديثًا قائمًا على المعرفة.
وفي ورقته، التي حملت عنوان "المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال الثقافية في دول الخليج: تعزيز التنويع الاقتصادي وتمكين الشباب"، سلّط الباحث في "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق"، سباستيان زونز، الضوء على التطورات الناشئة في ثقافة ريادة الأعمال، من خلال تقديم أمثلة على التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وبناءً على الأدلة البحثية، قدّم الباحث ثقافة ريادة الأعمال بوصفها قوة دافعة للتحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مجتمعات دول الخليج.

واختتم اليوم الأول بالمحاضرة العامة الثانية التي قدمها كبير الاقتصاديين ونائب الرئيس للحكومة الاقتصادية وإدارة المعرفة في بنك التنمية الأفريقي، رباح أرزقي، تحت عنوان "التحوّل وليس التنويع؟"، التي ناقشَ فيها دور التغير التكنولوجي في تشكيل أسواق الطاقة، وطبيعة المخاطر والفرص المرتبطة بالتغيرات التي تحدث في أسواق الطاقة، داعيًا إلى أن الدول التي يعتمد اقتصادها على النفط وعلى الشركات المملوكة للدولة بحاجة إلى التحوّل الاقتصادي، متطرقًا إلى طرائق تغيير المشهد الاقتصادي في "دول النفط الكبرى".
ويعقد المؤتمر غدا الأحد جلستين تتناول الأولى "الموارد الإقليمية والأجنبية للتنويع الاقتصادي في دول الخليج"، وتحمل الثانية عنوان "الجربة الخليجية في التنويع الاقتصادي: قطر نموذجا".