"الحجز الاحتياطي" سلاح مسلّط على رقاب مستثمري سورية

"الحجز الاحتياطي" سلاح مسلّط على رقاب مستثمري سورية

12 فبراير 2022
الصناعة أكثر القطاعات تضرراً من القبضة الأمنية للنظام (فرانس برس)
+ الخط -

كثّف النظام السوري من استخدام سلاح الحجز الاحتياطي ضد آلاف التجار والصناعيين، خلال الفترة الأخيرة، بهدف جباية الأموال ورفد خزينته المفلسة بإيرادات تخفف من حدة الأزمات التي تمر بها الحكومة.

وحسب مراقبين فإن استخدام نظام بشار الأسد آلية الحجز الاحتياطي في الأوساط الاقتصادية ستؤدي إلى هروب مزيد من رؤوس الأموال والاستثمارات من البلاد التي تكتوي بنيران الحروب منذ سنوات.

وفي حين قدر مركز دمشق للأبحاث "مداد"، حجم الأموال السورية المهربة، بما يناهز 160 مليار دولار، تقول الباحثة السورية رشا سيروب، إن حجم الأموال التي هربت، بعد عام 2011، إلى أربع دول فقط (مصر، تركيا، لبنان والأردن) تقدر بنحو 35 مليار دولار، مضيفة خلال تصريحات سابقة أنه يصعب على جه الدقة تحديد قيمة الأموال الهاربة.

عصا الحجز الاحتياطي

وفي هذا السياق، يحذر المفتش المالي السابق، إبراهيم محمد، من تمادي نظام الأسد باستخدام "عصا الحجز الاحتياطي" لأنها ستزيد في هروب من تبقى من رجال أعمال ومستثمرين بسورية، خاصة أنها برأيه لا تستند، بمعظمها، إلى مبررات الحجز.

وقال المفتش المالي: "يتم اتخاذ بعض المبررات الكيدية أو بسبب عدم استجابة رجل الأعمال السوري للابتزاز أو الضرائب الظالمة بمفاعيل رجعية"، لافتاً إلى أن الحجز لا يتم رفعه إلا بدفع مبالغ مالية على شكل مصالحة مع وزارة المالية.

ولكن، يستدرك المفتش السابق بجهاز الرقابة المالية: لا يجوز المصادرة أو التصرف بالمال أو الممتلكات المحجوز عليها احتياطياً، إلا بعد صدور قرار من المحكمة، كما لا يسمح بالتصرف بالأموال المحجوزة من قبل الجهة المحجوز عليها، إلا بصدور قرار قضائي، بالبراءة أو تسديد المبلغ المطلوب.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ولكن على أرض الواقع بسورية، ومنذ سنوات، لا يتم التعامل وفق القوانين، كما تتم عمليات حجز احتياطي "لأسباب سياسية" بتهم جاهزة، منها "تمويل الإرهاب" أو "معاداة أهداف الدولة" أو "التعامل مع جهات خارجية"، مشيراً إلى أن التهمة الأكثر انتشاراً، خاصة لمن وقف إلى جانب الثورة، هي "تمويل الإرهاب ومحاولة النيل من هيبة الدولة ومعاداة النظام الاشتراكي".

وحول عدد قضايا الحجز الاحتياطي بسورية، يقدر المفتش المالي أنها "بمئات الآلاف" منذ عام 2011، مشيرا إلى تصعيد لحالات الحجز خلال العامين الأخيرين" ففي النصف الأول من العام الماضي فقط، تم إصدار نحو 2000 قرار حجز احتياطي، منها 800 بحق رجال أعمال.

وكان رئيس إدارة قضايا الدولة بسورية، صلاح ونوس، قد أكد أن إجمالي مبالغ الحجز الاحتياطي التي حصلتها الدولة خلال العام الماضي بلغت نحو 19 مليار ليرة تقريباً (الدولار = نحو 3500 ليرة سورية)، ومليون ونصف المليون دولار، و30 ألف يورو، و1007 ريالات سعودية وذلك من أصل 115 مليار ليرة هي قيمة المبالغ المحكوم فيها لصالح الدولة خلال عام 2021.

ويضيف ونوس خلال تصريحات نقلتها منذ أيام، صحيفة الحزب الحاكم بدمشق "البعث" أن الإدارة تابعت خلال 2021 أكثر من 269 ألف دعوى، فصل منها 83 ألف دعوى، مبيناً أن أكبر نسبة دعاوى تتابعها إدارة قضايا الدولة تعود للجمارك.

تلفيق الاتهامات

يقول رجل الأعمال السوري والصناعي، محمد النحاس، المحجوز على أمواله منذ عام 2015 إن حكماً قضائياً لم يصدر حتى الآن، لكن شركته المختصة بالصناعات النسيجية بحلب، تسيطر عليها "قوات أمنية" منذ القرار الذي تلا سفره من سورية.

ويفرّق النحاس خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن بعض المحجوز على أموالهم "كبار رجال الأعمال" تم التصرف بممتلكاتهم، سواء عبر البيع بالمزاد العلني أو وضع اليد، إذ تم منح المنازل لـ"قوات عسكرية وأمنية" ووضع اليد على الممتلكات "سيولة أو موجودات ثابتة".

ويكشف النحاس أن "مطرقة" الحجز الاحتياطي زاد استخدامها خلال العامين الأخيرين بشكل هائل، فكل صناعي أو رجل أعمال لا يمتثل لدفع الإتاوات، يتم تلفيق تهمة له سواء تهرب ضريبي أو تمويل المستوردات من الخارج أو حتى دعم الإرهاب، فيتم الحجز على الأموال والممتلكات، ولا طريقة سوى المصالحة ودفع الملايين لوزارة المالية أو "وصل دفع للمصرف المركزي".

إنقاذ الخزينة المفلسة

ولم ينج من الحجز الاحتياطي بسورية، رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) وتجار وصناعيون مقربون من النظام (عصام أنبوبا وطريف الأخرس) فضلاً عمّن لا ملكية لهم، مثل رئيس المجلس الوطني المعارض، جورج صبرا الذي أكد سابقاً لـ"العربي الجديد" صدور قرار بالحجز الاحتياطي رغم أنه لا يملك أي شيء بسورية "حتى منزلي كان إيجاراً".

ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل، أن الحجز الاحتياطي من أهم الطرق التي بقيت لدى نظام الأسد، لتحصيل الأموال، بعد تراجع موارد الخزينة التقليدية "نفط، ضرائب وفوائض مؤسسات حكومية" فظهرت في سورية، ومنذ سنوات، موارد جديدة، أهمها تهريب المخدرات وابتزاز رجال الأعمال.

ويضيف جميل لـ"العربي الجديد" أن سلاح الحجز الاحتياطي طاول "تقريباً جميع الشركات والاستثمارات العربية بسورية" ولم تسلم، حتى شركة الاتصالات "إم تي إن" من الحجز الاحتياطي. ولكن، يستدرك الاقتصادي السوري، أن بعض حالات الحجز الاحتياطي تكون من أجل المساومة على ملكية الشركة "تطفيش أو بيع أو تنازل" كما حدث مع شركة "إم تي إن"، وكيف آلت الملكية، إلى أسماء الأسد وقبلها شركة "سيريتيل" التي كان يملكها رامي مخلوف.

وحول أثر الحجز الاحتياطي على هجرة الرساميل من سورية، يشير جميل إلى أن من بقي حتى الآن في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، فإما أنه تورط مع النظام وأخذ الأمن عليه أدلة ولا يستطيع الهجرة أو الهروب، وهذا النوع، قلما يصدر بحقه حجز احتياطي، وإن صدر يكون للتبرير للآخرين أو سيدفع رجل الأعمال المبلغ، لا محالة.

أو أنه ممن بقي في سورية من قطاع الأعمال، فهم مرتبطون بسورية، إن عبر أسرهم أو عمالتهم أو حتى شعورهم الوطني، وهؤلاء أكثر من تصدر بحقهم القرارات وتمارس عليهم طرق الابتزاز، حسب جميل.

خسائر ضخمة

ويكشف الاقتصادي السوري أن عدد رجال الأعمال والصناعيين الذين هاجروا من سورية خلال عام 2019 فقط "عام بداية الابتزاز وتصعيد الحجز الاحتياطي" بلغ 47 ألف صناعي ورجل أعمال "والكلام موثّق لعضو غرفة صناعة حلب، مجد ششمان".

وتكبّد الاقتصاد السوري خسائر باهظة خلال سنوات الحرب، إذ قدّر تقرير سابق، صادر عن "نقابة عمال المصارف" في العاصمة دمشق، خسائر الاقتصاد السوري منذ بداية الحرب في 2011 وحتى الآن بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.

وأضاف التقرير أن نسبة دمار البنية التحتية تجاوزت 40%، وشملت خسائر المساكن وشبكات الكهرباء والمدارس والمشافي ومرافق الخدمات، وتراجع إنتاج النفط الخام من 400 ألف برميل يومياً إلى أقل من 30 ألف برميل.

المساهمون