}

خيرمان مارين.. أدب قادر على رصد تاريخ تشيلي

أحمد عبد اللطيف 24 يوليه 2019
تغطيات خيرمان مارين.. أدب قادر على رصد تاريخ تشيلي
خيرمان مارين (بيوبيو تشيلي)
في حزيران/ يونيو 1973، نشر الروائي التشيلي خيرمان مارين روايته الأولى "ألعاب نارية". ثم جاء الانقلاب العسكري على الليندي سريعاً واختفت الرواية من المكتبات، لتغدو بذلك أسطورة صغيرة. الآن، يعيد المؤلف طباعة هذه الرواية التي أعلنت عن مشروع أدبي طموح لمارين.
منذ ذلك الحين التزم الصمت.
وعاد للكتابة منذ عدة سنوات، كتب بعض القصص والمقالات ونشرها في جرائد ومجلات، لكن كان يكتب باسم مستعار: بينثانو تورّيس. فاز بعدة جوائز في نهاية الستينيات، وشارك في بعض الورش الأدبية بالجامعة الكاثوليكية، وهناك ظهرت صفحات روايته الأولى التي كان يكتبها.
في حزيران/ يونيو من عام 73، وكان مارين في التاسعة والثلاثين، سينشر روايته الأولى بدون اسم مستعار: "ألعاب نارية"، في دار نشر كيمانتو التي يديرها ألفونسو كالديرون. رواية لم تعلن فحسب عن عالم، إنما أيضاً عن لغة، تركيبات خاصة: جمل طويلة، موحية، تسمح بتشييد واقعية مهدّمة، ضبابية وعنيفة.
نقرأ في الصفحات الأولى من الرواية: "السيد خوسيه كلوريندو إنتشاوراجا، من مواليد محافظة كولتشاجوا، مالك أراض وضياع، حلم ذات ليلة بنهاية مشهد الثورة الاجتماعية المطلق. وفي اليوم التالي، ليعرف معنى رؤيته، نهض مبكراً جداً، مع ذلك لم ينفعه في شيء الغضب ولا الإيماءة بضرب الأبواب بشكل متكرر. لم تطعه هذه المرة ابتسامة مانويل، ابنه، العريضة والغريبة... والأب الثمل بحلمه، في الليلة التالية، عاد إلى الكابوس بهدف التفاوض في شروط التمرد الجاري في بلده".
تناول مارين حياة هذا الإقطاعي ليتناول انحدار العالم، ليتحدث عن هذا الكابوس في إطار
التكوين، كابوس هذه الطبقة، الثورة الاجتماعية التي أوشكت على الاقتراب. ما لم يستطع مارين التنبؤ به هو وصول تلك الثورة، وحينئذ، سيبدأ الكابوس الحقيقي حينما يقرر العسكر، في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، قصف قصر لا مونيدا الرئاسي وتأسيس ديكتاتورية تستمر 17 عاماً، ديكتاتورية ستنفيه إلى الخارج، إلى المكسيك أولاً، ثم إلى إسبانيا، ويستمر الكابوس فيلزمه الصمت، إذ بعد الانقلاب، تختفي "ألعاب نارية" من المكتبات، يحرمها المجلس العسكري بجانب عناوين أخرى ويعدم آلاف النسخ المطبوعة. لن يعود مارين إلى الكتابة، على الأقل لمدة عقد.
سيغدو الكتاب، إذاً، أسطورة صغيرة: كُتب عنه مقالان فحسب. وسيغدو مارين، بعد سنوات من النفي والصمت، أحد أكبر كتاب التشيلي في العقود الأخيرة، عقب عودته. مع ذلك، تظل "ألعاب نارية" أسطورة، واحداً من هذه الكتب التي لا يتحدث عنها إلا القليل.

طبعة جديدة
الطبعة القديمة كانت بغلاف أزرق، والجديدة بغلاف أحمر، لكن الصورة هي نفسها: صورة فوتوغرافية للبرتغالي أرميندو كاردوسو. نرى شخصاً يركض، نراه من ظهره، وسلسلة من الخطوط الطولية تقطعه. يركض في شارع. ثمة باب، نافذة، ليس إلا ذلك. ليس ثمة تعديلات كثيرة، إلا إضافة كلمة واحدة: "منقحة".
بلغ مارين الثمانين ولا يزال يكتب، وفي سنواته الأخيرة نشر روايات وقصصاً في كبريات دور النشر الإسبانية. يكتب كل صباح، بيده. يكتب ويصحح ويتقدم في الحكي، ويراجع. لا يتوقف عن فعل ذلك، ومنذ فترة قريبة ظهرت روايته "بعد الموت والاشتباه"، كما أعد مجموعة قصصية بعنوان "قطعة سوداء من السعادة".
في السنوات الأخيرة، ينشر مارين كتاباً كل عام، سواء كان كتاباً جديداً، أو إعادة طبع. لم يكن كذلك من قبل. في المكسيك كان يعمل من أجل ماركيز، كان الكاتب الشبح (ghostwriter) للمنوبل الكولومبي، وفي إسبانيا استقر في برشلونة واستطاع العمل في مجال النشر. غير أنه عانى من الصمت الإبداعي.
يقول مارين: "مرت سنوات طويلة بدون كتابة، لكنها كانت سنوات هامة في حياتي، لقد استطعت أن أتأمل، وتغيرت رؤيتي لتشيلي".

(*) بأي معنى تغيرت؟
الانقلاب العسكري أثر على علاقتي ببلدي، فاخترت أن أراه من بعيد. ثم انتبهت إلى أنه لم

يكن البلد الذي آمنت به، كان بلداً أكثر تعقيداً وأثر ذلك في كتابتي. سنوات صمتي كانت فترة للقراءات الكثيرة والكتب البعيدة عن الأدب، شدتني السينما وبدأت السفر، مرتين في العام على الأقل كنت أسافر خارج إسبانيا. حين سافرت إلى معرض فرانكفورت وجدت العالم مختلفاً جداً عن العالم الذي عرفته في سانتياجو دي تشيلي، وأثر ذلك في كتابتي أيضاً.

(*) عدتَ للكتابة في منتصف الثمانينيات، أليس كذلك؟
نعم، قبلها بقليل. كان من الصعب تغيير عادات الكتابة، وحين خطرت لي كتابة الثلاثية، عانيت قليلاً في البدء فيها، لأن نقطة الانطلاق كانت تتغير كثيراً. في البداية فكرت الانطلاق من عام 70، ثم تراجعت لأبدأ من قبل هذا التاريخ، ووصلت إلى أصول أبويّ، وأصول أجدادي.

***

حين انتهت فترة الصمت، كتب خيرمان مارين "دائرة ناقصة"، أول كتاب في الثلاثية، وكان بجانب "2666" لبولانيو، أهم مشروع أدبي في نتاج كاتب تشيلي في العقود الأخيرة. في بداية التسعينيات يعود مارين إلى تشيلي، وينشر عملاً آخر كبيراً "قصر الضحك"، ليسجل بذلك أدباً قادراً على رصد تاريخ تشيلي، ماضيه، والعنف الذي عاشه، وكيف أدى ذلك إلى ما صرنا إليه. من أراد أن يعرف ما التشيليون، ما تشيلي، عليه أن يقرأ مارين، ففي أدبه الإجابة. ولفهم أدب مارين، يجب قراءة "ألعاب نارية".
يقول مارين: "الأجزاء المكوّن منها "ألعاب نارية" نصوص متغيرة، لها رواة متعددون، لكن في لحظة ما كنت أسحب الخيط الذي ربطني بأسلوب كان يصعب الخروج عنه".

(*) ثمة شيء ملفت، لقد بدأت النشر بعد جيل الانفجار [الواقعية السحرية]، لكنك كنت قارئاً حين نشروا هم كتبهم الأهم. كيف كانت علاقتك بهذا العالم؟
قاومت كثيراً حتى لا أتسمم بجيل الانفجار. لقد درست في الأرجنتين، وكنت أعرف من هو

بورخيس. وكنت محظوظاً أن عرفته كبروفسور لي، كان ذلك حينها شديد الأهمية، وبعد ذلك عملت مع ماركيز في المكسيك، في السبعينيات. كيف أثر عليّ؟ أن فهمت أني لن أقلده أبداً، لكني عملت من أجله، كتبتُ أشياءً نُشِرت بعد ذلك باسمه. تعلمت أن أكتب لجارثيا ماركيز، لكني كنت أريد كتابة شيء آخر.

(*) ومع مَن مِن هذه المجموعة تشعر بتوافق أكثر؟
مع العديدين، لكن في تلك الفترة كنت مهتماً بفوكنر وبورخيس، كنت مهتماً بكل هذه الآداب، لكني في الحقيقة كنت أريد كتابة شيء آخر، لأني أؤمن بذلك. حينئذ تعرضت كتابتي لتغيرات، خاصةً في إسبانيا، عندما شرعت في كتابة الثلاثية. وكانت هذه بداية جديدة لي.


(عن جريدة
Què pasa الثقافية).

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.