}

لقب "شاعر البلاط" ما يزال أعلى تكريم أدبي ببريطانيا

سناء عبد العزيز 17 مايو 2019
تغطيات لقب "شاعر البلاط" ما يزال أعلى تكريم أدبي ببريطانيا
سيمون أرميتاج شاعر البلاط البريطاني (بي.بي.سي)
منذ أيام قليلة، تم تتويج الشاعر سيمون أرميتاج Simon Armitage بلقب "شاعر البلاط البريطاني" UK's poet laureate، وهو أعلى تكريم أدبي في بريطانيا، وتعود جذوره إلى القرن السابع عشر عندما حصل الشاعر والمسرحي بن جونسون Ben Jonson على راتب تقاعد من الملك جيمس الأول نظير خدماته للتاج في عام 1617، بينما تذكر مصادر أخرى الشاعر جون درايدن John Dryden باعتباره أول من حصل على المنصب من إنكلترا عام 1668، وكان يستخدم قصائده لمهاجمة خصومه ومنافسيه من السياسيين أو الأدباء، كما تناول في قصائده خصوم الملك بالسخرية والازدراء، لكنه في عام 1688 حين فقد الملك جيمس الثاني عرشه رفض درايدن أداء قسم الولاء للملك الجديد، ومن ثم تنازل عن منصب "شاعر البلاط الملكي"، ولم يعد هذا المنصب تكريماً مدى الحياة كما كان من قبل، بل أصبح يمنح لفترة محددة مدتها 10 سنوات.

أقدم شاعر بلاط في التاريخ
لعل هوميروس (850 ق. م) شاعر بلاط أخيل ابن فيلا هو أقدم شاعر بلاط خلده التاريخ. ولم يكن هوميروس مجرد مادح أو متلق كما قد يتطلب اللقب، بل إنه يعد مؤرخا لمرحلة

بطولية مهمة في تاريخ اليونان. كما ظهر اللقب في التراث العربي، إذ حازه المتنبي في بلاط سيف الدولة الحمداني، والأخطل وجرير في بلاط بني أمية، وأبو تمام في بلاط العباسيين، وابن زيدون في بلاط ابن جهور، وحسان بن ثابت في بلاط الغساسنة قبل أن يصبح شاعر الرسول، وفي العصر الحديث عرف أحمد شوقي بأمير الشعراء الذي كان يتوجه بمديحه للخديوي عباس.
لكن لقب شاعر البلاط يبدو مثيرا للجدل وبخاصة في القرن الواحد والعشرين بصرف النظر عن كونه لقبا شرفيا، فما يزال موجودا في العديد من البلدان مثل المملكة المتحدة والهند والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وغيرها، حيث يحمل في طياته إلزاما ما يفرض على الشاعر المديح تارة أو كتابة الشعر في المناسبات العامة، وهو الأمر الذي اختلف تماما بدءا من الشاعر الإنكليزي  روبرت ساوذي  Robert Southey الذي توج باللقب لمدة 30 عاماً منذ 1813 وحتى وفاته. فمنذ ساوذي كف شاعر البلاط عن مديح العائلة المالكة. ويذكر عن الشاعر ووردزورث William Wordsworth  أنه اشترط قبل أن يقبل بهذا المنصب ألا يكون نظم القصائد الرسمية ملزما له.
ويُعتقد أن القائمة المختصرة تضمنت شعراء من بينهم امتياز دهاركر Imtiaz Dharker، دالجيت ناجرا Daljit Nagra، وأليس أوزوالد Alice Oswald، لكن دهاركر رفضت المنصب بحجة رغبتها في التركيز في الكتابة. وربما تكون قد انتبهت إلى تحذير أندريه موشن في عام 1998 قبل أن تنتهي مدة توليته المنصب بقليل، والذي قال فيه: "لقد جف مخزوني الشعري تماماً منذ حوالي خمس سنوات، ولا أستطيع كتابة أي شيء إلا للتكليف".

مفاجأة غير متوقعة
كان الشاعر تيد هيوز Edward James Hughes أحد أبرز شعراء الحداثة في بريطانيا الذين تولوا هذا المنصب عام 1984، وخلفه الشاعر أندرو موشن  Andrew Motion والشاعرة كارول آن دوفي Carol Ann Duffy وهي أول امرأة تتقلد

المنصب.
أما عن سيمون أرميتاج فهو شاعر من غرب يوركشاير، بدأ حياته المهنية بشغل وظيفة ضابط مراقبة، لكنه فاجأ والديه في عام 1994 حين استقال من وظيفته ليتفرغ لكتابة الشعر.
يقول أرميتاج، الذي تلقى مكالمة هاتفية من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي Theresa May تعرض عليه المنصب يوم الخميس 9 مايو، إن والديه انفجرا في البكاء حين أخبرهما بتنصيبه شاعرا للبلاط الملكي: "لقد تخليت عن وظيفتي، وراتبي، وكثير من الاستقرار والأمان من أجل شيء بدا لهما غامضا وغير مؤكد على الإطلاق.. وحين تعود إليهما بعد 30 عاماً بخبر كهذا منحني هذا إحساسا بأهمية ما؛ لذا انفجرا في البكاء، ثم تلقيت رسالة من والدي بعدها يخبرني ’لقد توقفنا عن البكاء الآن.. لو كان جداك على قيد الحياة اليوم، لقتلهم هذا الخبر من شدة السعادة’".
وبموجب اللقب الجديد يحصل أرميتاج على راتب سنوي قدره 5750 جنيهاً إسترلينياً، فضلا عن 600 قنينة من شراب الشيري. وذكر أرميتاج أنه لا يتردد على الإطلاق في تولي هذا الدور، قائلا: "إنه التزام كبير، لكن لو كنت سألتني منذ 30 عاماً عن هدفي، فربما كان هذا ضمن قائمتي". وأضاف: "أشعر أنني ظللت أكتب هذا النوع من الشعر المهتم بالشأن العام والمناسبات العامة، وهو ما يتطلبه هذا الدور لفترة طويلة الآن". وأعلن أرميتاج أنه سيستغل راتبه في إطلاق جائزة أو ربما فعالية تتعلق بالبيئة وتغير المناخ، وعن هذا يقول: "يبدو لي أنه من واجبنا جميعاً، وكل فنان في كل مجال، أن نهتم جدا بهذه القضية... إنها تلقي بظلالها على جميع سياساتنا، لذلك أريد أن أجد طريقة لتسجيل استجابة الشعر وتشجيعه لهذا الوضع الراهن".
كان أرميتاج قد ظهر بقوة على الساحة الأدبية في عام 1989 بمجموعته الشعرية "زووم Zoom!" وعدّه البعض الوريث الأكثر حداثةً ومعاصرةً للشاعر تيد هيوز، ووصفه الشاعر شون أوبراين بأنه "أول شاعر يحقق شعبية بأغراضه الفنية الجادة منذ فيليب لاركين".

الترشيح الثاني لأرميتاج
نشأ أرميتاج في قرية مارسدين، درس الجغرافيا في بورتسموث، وكتب أطروحة الماجستير عن آثار العنف التلفزيوني على الجانحين من الشباب. واليوم، مع وجود 28 مجموعة باسمه، يعد أرميتاج جزءاً من المنهج الدراسي في الجامعات وأعماله متأصلة بعمق في النفس البريطانية، بعد أن أنتج كل شيء بدءاً من ترجمة قصيدة الإنكليزية الوسطى "السير غاوين والفارس

الأخضر"  Sir Gawain and the Green Knight التي باعت أكثر من مئة ألف نسخة، إلى نظرة شعرية أحدث لعالم يعاني من الانهيار، في "دون رفيق" The Unaccompanied، فهو يعد أحد أفضل الشعراء في المملكة المتحدة، حيث حصل على العديد من الجوائز والألقاب، من بينها جائزة إيفور نوفيلو المرموقة. كما حصل على وسام الإمبراطورية البريطانية نظير خدمته للشعر عام 2010، وعُين في الكثير من الجامعات كان آخرها أستاذاً للشعر في جامعة أكسفورد عام 2015. وكان أول ديوان له "الجغرافيا البشرية"  Human Geography (1988)، ثم Zoom (1989)، "كتاب المباريات" Book of Matches (1993)، "قصائد البحر الميت" The Dead Sea Poems  (1993). ومن أعماله الروائية "الرجل الأخضر الصغير" Little Green Man ، و"الأمتعة البيضاء" The White Stuff.
وكان أرميتاج بالفعل أحد أبرز المرشحين للفوز بعد انتهاء فترة الشاعر أندرو موشن في عام 2009، لكن الشاعرة السكوتلندية كارول آن دوفي هي التي فازت باللقب في الدورة العشرين لتكون بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب منذ تأسيسه، وحينئذ وصف أرميتاج الموقف بأنه مثل "ضجيج القطار الذي يظل يقترب أكثر فأكثر ثم ينحرف منطلقا في اتجاه آخر". ومن أجل الترشيح الواحد والعشرين بدأ البحث والتنقيب عمن يخلف دوفي في نوفمبر من العام الماضي، عندما عينت وزارة الثقافة والإعلام والرياضة لجنة من الخبراء لوضع قائمة مختصرة. وكان المسؤولون مدركين لمطلب أن يكون المرشح من دول الكومنولث، وأنه لم يتولَ المنصب حتى الآن شخص من الملونين أو من الأقليات العرقية.
يقول أرميتاج "لقد أنجزت الكثير بالفعل، وليس معنى هذا أنني أريد أن أتقاعد، [لكن] أشعر كما لو أن الوقت قد حان لردّ الجميل.. أنا حقا بذلت قصارى جهدي في كتابة الشعر، والشعر قدّم الكثير وأعتقد أنني قدمت له الكثير، وأعتقد أن بوسعي تشجيع الآخرين على الانطلاق في مغامرة مماثلة. وأتمنى أن أستطيع من خلال موقعي الجديد أن أقوم بدور في تقريب الشعر من الجمهور دون الإخلال بمعاييره الفنية".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.