}

فنّ الخسارة عند إليزابيث بيشوب

طارق الجبر 10 ديسمبر 2019
ترجمات فنّ الخسارة عند إليزابيث بيشوب
إليزابيث بيشوب (newrepublic)
من خلالِ قصّةِ حياةِ الشاعرةِ وكاتبةِ القصصِ الأميركيّة إليزابيث بيشوب، التي قالَ عنها الصحافيّ الشهير دوايت غارنر إنّها قد تكونُ الشاعرةَ الأكثرَ موهبةً في القرن العشرين، نستطيعُ أن نقرأ الخُسرانَ الذي تعرّضتْ لهُ في طفولتِها وحتّى هجرتِها إلى البرازيل، والذي أتقنتْهُ حدَّ التسليمِ في قصيدتِها التي بين أيدينا الآن.
بعدَ أن ماتَ والدُها وهي لم تُتمَّ عامَها الأوّل، أُصيبتْ والدتُها بمرضٍ عقليّ أدّى إلى دخولِها مشفًى للأمراضِ العقليّة. انتقلتْ بعدَها إليزابيث للعيشِ مع جدِّها (مِن جهةِ أمّها)، قبلَ أن يكسبَ جدّاها الآخرَان (مِن جهة والِدها) حضانتَها بسببِ حالتِهما الميسورة. لكنَّ إليزابيث شعرتْ بالوحدةِ عندَ جدّيها الجديدَين، بعدَ أن اعتادتْ على الحياةِ البسيطةِ في بيتِ جدّها الأوّل. سُرعانَ ما أدركَ جدّاها بأنَّ إليزابيث ليستْ سعيدةً في العيشِ معهُما، فأرسلاها إلى خالتِها التي تسكنُ في حيٍّ فقيرٍ مليءٍ بالمهاجرين الإيرلنديّين والإيطاليّين (الذين كانوا يُعتبرونَ من أفقرِ مُهاجري الولاياتِ المُتّحدة في وقتِها).
مِن هنا نستطيعُ أن نتخيّلَ المُعاناةَ التي قاسَتها هذهِ الشاعرةُ الغزيرةُ التعابيرِ في أغلبِ قصائدِها، إلى أن هاجرتْ في سنّ الأربعين إلى البرازيل، حيثُ بقيتْ هناك ما يُقارب الخمسةَ عشر عاماً، كتبتْ خلالَها قصائدَها الأكثرَ حِنّيّةً واشتياق. وهذهِ إحداها.
في هذهِ القصيدةِ التي أسمَتْها شاعرتُنا "فنّ"، نقرأ الخسارةَ بمعناها البسيط وبأنّها جُزءٌ مِن الحياةِ التي جِئناها – جميعاً – كزوّارٍ لا يملكونَ على الحياةِ أيّةَ إمرَةٍ أو سُلطان.


فنّ

فنُّ الخسارةِ ليسَ صعباً إتقانُهُ.
أشياءٌ كثيرةٌ يبدو صريحاً فِقدانُها
              وليسَ بفاجعٍ فِقدانُها.

إخسرْ شيئاً كُلَّ يوم؛ تقبّلْ إحساسَ فَقدِكَ
                        مفتاحَ بابٍ
                     أو ساعةٍ أمضيتَها دونَ انتباه.

فنُّ الخسارةِ ليسَ صعباً إتقانُهُ.

جرّبْ حينها أن تخسرَ أكثر، أسرع:
أسماءً وأماكن
وأرضاً لم تزُرها، ولكن
فيكَ مِنها رائحة.

أيّاً مِن كلِّ هذا، ليسَ بفاجعة.

فقدتُ ساعةَ أمّي، وكما ترى...
آخرُ ما لي – أو قبلَ آخرِ ما لي – قد ذهبْ
مع بيوتي الثلاثة التي مِثلَها لم أُحبّ.

فنُّ الخسارةِ ليسَ صعباً إتقانُهُ.

خسرتُ مدينتَين، جميلتَين.

وأكثرَ مِن ذلك، نهرَين... قارّةً كاملة.

لكلِّ هذا أشتاق، ولكنْ، ما كان هذا فاجعة.

حتّى خسارتي لك أنت (الصوتُ الذي يمزح
                        والتعابيرُ التي أهوى)

لا. ما نفعني الكذبُ أكثر.

هذا هوَ الدليل
أنّ الخسارةَ ليستْ مِشواراً طويل.

فنُّ الخسارةِ ليسَ صعباً إتقانُهُ.

حتّى وإن كانَ يبدو <أكتُبها> كفاجعة.

 

*شاعِر ومُترجِم سوريّ.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.