}

حصاد موسم الجوائز الفرنسية.. روايات عن الضياع والانهيار

محمود عبد الغني محمود عبد الغني 20 نوفمبر 2019
تغطيات حصاد موسم الجوائز الفرنسية.. روايات عن الضياع والانهيار
"جوائز لا تقلّ أهمية عن الغونكور: ميديسيس،فيمينا، جون جيونو"
يهتمّ الرأي العام الأدبي الفرنسي والعربي، وخصوصاً الدول الفرنكفونية، منذ بداية أيلول/سبتمبر من كلّ سنة، بما يمكن تسميته "أم الجوائز"- جائزة الغونكور، وهي جائزة أدبية فرنسية تُمنح للمؤلفين الذين يكتبون باللغة الفرنسية. وقد أسسها إدموند غونكور سنة 1892 بعد وصية في له هذا الشأن، قبل أن تتحوّل إلى أكاديمية عُرفت رسمياً تحت نفس الاسم: أكاديمية غونكور. ومنحت أولى جوائزها في كانون الأول/ديسمبر من سنة 1903. كانت في البداية تُمنح في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بعد ثلاث لوائح تختارها لجنة التحكيم. والأمر يتعلّق بواحدة من أكبر وأقدم وأهمّ الجوائز الفرنسية. لكن إلى جانب الغونكور، هناك جوائز أدبية رفيعة المستوى سنعطي تفاصيلها وتاريخها والهدف من تأسيسها في هذه المقالة، لا تقلّ أهمية عن الغونكور، وهي: ميديسيس، فيمينا، جون جيونو. ولعلّ طريقة تنظيم الجوائز وتوزيعها في الموعد المحدّد، واختيار الكاتب المناسب للفوز بها، هما أمثولة متفرّعة نتمنّى أن يستفيد منها الوسط الثقافي العربي.

جائزة ميديسيس
جائزة ميديسيس هي جائزة فرنسية تأسّست في نيسان/أبريل من سنة 1958 من طرف غالا بربيزان وجون بيير جيرودو بهدف تتويج الروايات والقصص الجيّدة لكُتّاب مبتدئين، أو لم تُكرّس أسماؤهم بعد في عالم الأدب. وكانت في البداية تُمنح في نفس الموعد الذي تُمنح فيه الجائزة الأدبية الفرنسية الأخرى الذائعة الصيت فيمينا في فندق "كريون" بباريس. لكنها اليوم أصبحت تُمنح في حفل خاص بمطعم "المتوسط"، في ساحة "أوديون" بباريس، بعد يومين من الإعلان عن فيمينا.


رواية عن عالم في طريقه إلى الانهيار
فاز الروائي الفرنسي لوك لانغ (1956) بجائزة ميديسيس عن روايته "المحاولة" (منشورات دار ستوك، 2019). وقد اختيرت نفس الرواية في اللائحة النهائية لجائزة فيمينا. وبهذا الفوز تكون منشورات ستوك قد دخلت إلى لائحة ميديسيس لأول مرة.
كتبت جريدة "لوموند" الفرنسية (عدد 8 الجاري) أن رواية "المحاولة" هي "كتاب يطفو، يتحرّك، يحتوي على عدّة مشاهد من الأفعال المليئة بالعِبر...". واعتبرت "لوموند" أن الكاتب يستحقّ أفضل من هذا. وبالنسبة لجريدة "لوفيغارو" فإن "المحاولة" هي "كتاب سوداوي وقوي، يحكي عن عالم في طريقه إلى الانهيار". أما ناشر الرواية، "دار ستوك"، فقد قدّم الرواية باعتبارها "تتناول عالماً قديماً يحترق، وآخر جديداً ينبثق".
ونالت الرواية منذ صدورها اهتماماً كبيراً من قبل الصحافة الفرنسية، بحيث لا يمكن حصر المقالات التي كُتبت حولها.

الروائي الذي أُقصي وبقي حزيناً
وصل لوك لانغ إلى اللائحة النهائية لجائزة فرنسية أخرى ذات اعتبار خاص هي فيمينا. وردّدت وكالة الأنباء الفرنسية (8 الجاري) الجملة الشهيرة التي برّرت بها لجنة الجائزة اختيارها لرواية "المحاولة": "كتاب سوداوي وقوي يحكي قصة عالم ينهار". وهذا الكاتب الفرنسي يجد نفسه وسط وسائل وهيئات كثيرة لتتويجه وتثمين عمله. فمن غونكور، إلى فيمينا، إلى جون جيونو، إلى ميديسيس، إلى رونودو. وهناك العديد من الروايات ظهرت في جل هذه الجوائز منذ بداية الموسم الثقافي. وهي كلها، وهذا هو المدهش، منشور خلال الصيف، على الطريقة الأوروبية، وتحديداً في شهر أغسطس/ آب من كل سنة.  بل إن كل جائزة تضمّ فرعين، فرع للكاتب الوطني وآخر للكاتب الأجنبي، فملاً جائزة ميديسيس، التي نحن بصددها، تُمنح أيضاً لكاتب أجنبي يكتب بلغته الأم وتُرجم إلى اللغة الفرنسية، وقد عادت هذه السنة إلى الروائية الأيسلندية أودور آفا أولفسدوتير عن روايتها "السيدة أيسلندا"، والتي تُرجمت من طرف المترجم إريك بوري ونشرتها دار "زيلما".

لانغ: العالم يحكمه المال
منذ أن فاز جائزة بجائزة غونكور للطلاب سنة 1998، ولوك لانغ كاتب مقروء ومفهوم لدى قاعدة واسعة من القراء. فقد ارتبط عالمه الروائي، ومنذ سنوات، بالكاتب الذي يحكي عن نهاية الأوهام، في عالم أصبح فيه المال هو الحاكم الوحيد. وهو يتساءل: أي مكان تركه المال للقيم التي أصبحت لا تلعب أي دور، مثل النزعة الإنسانية، الشفقة والرحمة؟ لقد أصبح الرأسمال العالمي هو الحقيقة التي لن تدع لنا أي فرصة للنجاة، ويجب أن يعود مفهوم الإنسان إلى الحمولة التي كانت له في القرن السادس عشر. وعبّر عن ذلك بقوله "أريد قيامة سعيدة". وبذا فإن الروائي الذي عرف لحبه للتعبير المختصر، جعل قرّاءه يفكّرون، وهم يقرأون روايته "المحاولة"، في رواية بيرنانوس المعنونة بـ"محاولة اليأس". فلقد انتهت روايته بانفجار عنيف، بقيامة، وهذه هي الغرابة، التي جعلت الأمل يدوم، قيامة مثل الافتداء.
وكان من المتوقّع أن تقدم لجنة الجائزة لائحة ثالثة، لكنها اختارت الفائز من اللائحة الثانية.
أما الفائزة بميديسيس للرواية الأجنبية، الأيسلندية أودور آفا أولفسدوتير، فقد واجهت سبعة أعمال روائية.


جائزة الحياة السعيدة
فيمينا هي جائزة أدبية فرنسية تأسّست سنة 1904 من طرف 22 صحافية في مجلة "الحياة السعيدة"، من أجل مواجهة جائزة غونكور الفرنسية ذائعة الصيت، والتي تأسست رسميا سنة 1902، ومنحت لأول مرّة في 21 كانون الأول/ديسمبر من سنة 1903. واعتبرت نساء "الحياة السعيدة" أن الغونكور جائزة كارهة للنساء، مباشرة بعد منح أكاديمية غونكور جائزتها لليون فرابييه ضدّ المرشحة ذات الحظوظ الكبيرة للفوز بها ميريام هارّي. ولم تفز أول امرأة بالغونكور إلا سنة 1944 وهي إليزا تريولي. ومنذ تأسيسها بقيت فيمينا تُمنح من طرف لجنة تحكيم تضمّ حصراً نساء من عالم الأدب والفكر، في يوم الأربعاء الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر في فندق "كريون" بباريس، لصالح عمل أدبي نثري أو شعري.
مُنحت جائزة فيمينا، التي كانت في البداية تسمى "جائزة الحياة السعيدة"، لأول مرة يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 1904، من طرف لجنة تحكيم ضمّت عشرين امرأة، وهو رقم ضاعف عدد لجنة الغونكور التي تضمّ عشرة أعضاء رجال.
وفي أول مواجهة معلنة بين الغونكور وفيمينا، منحت هذه الأخيرة جائزتها الأولى لميريام هارّي عن كتابها "اكتشاف القدس"، العنوان الذي رأت نساء فيمينا أنه كان يستحق الغونكور. وبعدها فاز رومان رولان، ما يعني أنها جائزة تكرّم الرجال أيضاً. وفي سنة 1906 مُنحت للشاعرة أندري كورثيس، ما يعني أنها مفتوحة على جنس الشعر أيضاً.


فيمينا: رواية عن الضياع
شكّل اختيار الفائز بجائزة "فيمينا" لدورة 2019، بالنسبة للجنة التحكيم، عبئاً ثقيلاً. وتمثّل هذا العبء الثقيل في اختيار رواية وروائي يخلفان فيليب لانسون الفائز بالجائزة السنة الفائتة عن روايته القوية والعظيمة "المزقة" (غاليمار، 2018)، وهي رواية سيرذاتية يحكي فيها العملية الطبية الترميمية التي خضع لها وجهه بعد الهجوم الإرهابي على "شارلي إيبدو".

وضمّت اللائحة القصيرة الروايات الآتية: "يوم أحد في "فيل- دافري"" لدومينيك باربيريس، "سكرابل" لميشيل فارييه، "المحاولة" للوك لانغ، "من  الطرقات" لسيلفان برودوم، "أوبيس 77" لألكسيس راغونيو، و"عدن" لمونيكا سابولو.
وبعد الإعلان عن هذه اللائحة القصيرة، يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد إقصاء الروائيتين كارين تويل ونتاشا أبّاناه، بقيت دار غاليمار، المهيمنة الدائمة على اللوائح والجوائز الفرنسية، ممثّلة في روائيين مؤهلين للسير على خُطى ف. لانسون هما: مونيكا سابولو بروايتها "عدن"، وسيلفان برودوم بروايته "من الطرقات"، التي رأت فيها صحافة نقد الكُتب أنها تعود لثيمة قوة الصداقة والرغبة، والخوف الذي ينتاب الإنسان أمام تعدّد أشكال الوجود الممكنة.
ويوم 5 الجاري أعلنت لجنة الجائزة عن الفائز الذي لم يخن تكهنات الصحافة والنقاد، وهو سيلفان برودوم بروايته "من الطرقات" (304 صفحات) التي رأت اللجنة أنها رواية بنبرات سوداوية عن ثيمة الضياع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.