}

زمن وقصائد أخرى

م. فاسالس 10 أكتوبر 2019
ترجمات زمن وقصائد أخرى
لوحة للفنان هنري يوجين لو سيدنر (Getty)
خريف

لم أعد أسترجعني عجوزاً في ذهني مرّة أخرى،

نادراً ما أعتقد أن كياني الحقيقي

سوف يتجرّأ على شفاء نفسه

من الشّعور باقترابي المتزايد من الموت.

 

اليوم رأيت السّماء كئيبة

تتلاشى شاحبة لتتحوّل إلى سطوع نقيّ ومميت.

حتى الآن لم أحرّر نفسي من شيء

ولم يتبق أمامي الكثير من الوقت.

 

رياح عالية تهبّ

عبر الأشجار التي اهتزت:

وصلت غزالة إلى الماء العكر

ومن بين هامات العشب

تشرق الشّمس منخفضة...

 

هذه هي الإجابة الوحيدة التي وجدتها

أومن أنها ستحرّرني

فقط، لو تمكنتُ من ترجمتها.

 

زمن

حلمت أني عشت ببطء...

أبطأ من أقدم الأحجار

كان الأمر بشعاً: تمّ إطلاق النّيران

على كلّ شيء حولي، المرتعب والمرتجف،

وما يبدو هادئاً. رأيت الحافز الذي

انتزع الأشجار من الأرض

بينما كانت تغنّي بصوت أجشّ مكسور

 

وفيما تطير المواسم

مبدّلة ألوانها كأقواس قزح

رأيت زلزلة البحر

تورّمه ثم اضمحلاله السّريع مرّة أخرى

 

كان يبتلع المياه مثل حلْق ضخم

ويوماً بعد يوم

تشتعل وتنطفئ: نيران ملتهبة

- اليأس والبلاغة

في إيماءات الأشياء،

تلك التي تحدّق بشكل مختلف أثناء تدافعها،

ها هي معركتها اللاهثة القاسية...

كيف لم أعرف ذلك من قبل،

كيف لم أر الماضي جيّداً؟

كيف سيكون عليّ

نسيان حالة الجو إلى الأبد؟

 

 

خرافة
(إلى أمّي وابنتي)

 

كلاهما تستمعان إلى الخرافة القديمة،

أشياء سحريّة تأتي مُحلّقة

مرئية في عيونهما المتّسعة،

ومثل الزّهور تطفو على الماء.

 

ثمّة توتر ناعم في وجودهما،

تضيعان وتغرقان في بعضهما البعض،

- الشَّعر الأبيض في الأشقر –

وصدّقني، صدّقني

كلّ ما كانت ترويه الخرافة كان حقيقيّاً

ولن تقرأ أبداً شيئاً بهذا الجمال.

 

صديق

صديق، رفيق، من هو أكثر أو أقلّ

من أب أو أمّ، طفل أو عشيق

مثلي تماماً، لكنّه مختلف

مستقلّ وملتزم

أكبر أو أصغر سناً، أو من العمر ذاته.

 

المهوِّن الذي يمكن مواساته

والمنارة التي أصرخ من فوقها

أخ، ولكن من أم أخرى، وبلا منافسة

من أرافقه السّير ليدلّني.

يُعينني بالقوّة لأحيا وإن أردت الموت

يمنحني الحقّ فيه.

أحياناً لا أحتمل سواه، دونه

لا أستطيع

 

دون التزام واحد

أمشي

ودائماً في اتجاهه.

 

إلى شجرة في "فوندل بارك"

نزعوا شجرة بكلّابات طويلة خضراء.

تنهّدت في العاصفة كطفلة

وبينما تهوي، كانت لا تزال مملوءة برياح الصّيف.

 

رأيتُ العربة التي سحبتها بعيداً.

أوو.. كانت شابة قوية، مثل هيكتور

في عربة النّصر،

بشعور طويلة مسحوبة ورائحة صبا

تتدفّق من جروحها الجميلة،

هامتها شابّة لا تزال سليمة،

والجذع الفخور لم يُهزم.

 

سراب

في منتصف صحراء الشّمس هذه،

بحجارتها ومحاصيلها الجافّة

أرى فجأة أرضي

غير متأثِّرة بهذا اللهيب:

ماء مُعكَّر، ضباب فوق مرج.

 

رأيت كم كان هذا ناعماً وجميلاً.

رقيق كالهذيان هذا القمر الميّت

مُعلَّقاً طيلة النّهار،

أرقُّ حتى من الذّكريات،

وأكثر مما أرغبه

 

أرى الماء البعيد يسطع

وعيناي

تحاولان تشرّبه.

 

حجر

يكبّل الحزن كلّ قواي،

حتى أصير بلا حراك كحجر.

يصبح كياني كلّه مادة خام،

كلغز نجم لا يمكن اختراقه،

حجر..

يضرب الصّخرة التي أبكي عليها.

 

خوف

لطالما خفت تقريباً من كلّ شيء:

من حلول الظّلام، من أخيلة الظلّ على الملابس

من السّكون، من الصّرخة المبحوحة

من البائع الليليّ، من حفلة

من البحث في التّرام

ومن نفسي.

 

هي المخاوف التي أثق بها الآن

لكن، ثمّة شيء ما حدث ويرعبني

يمكن له حتى أن يدمّرني؛ والذي لأجله أتوسّل

بعقلانية حتى يعود:


ها هو وجه خادمتي رصيناً

يدخل الغرفة في الصّباح

بصحبة الضّوء الخافت، وأعرف ما الذي

ستقوله: ما من رسالة، آنستي.

 

الغبيّ في المسبح

بأكتاف مرفوعة وعيون ضيّقة

يهرول، وغالباً ما يصطدم بزوايا المنشفة الرّديئة

المعلّقة على ذراع الممرّضة

يذهب الغبيّ كلّ أسبوع إلى المسبح.

 

السّحابة، التي تفور فوق الماء السّاخن

تجعله أكثر استرخاء: بخار أبيض...

ومع كلّ قطعة ملابس تُخلع عنه

كان يصطاده شيئاً فشيئاً

حلمٌ قديمٌ مألوف.

 

تتركه الممرّضة ينزلق في حوض الماء،

يطوي ذراعيه الرّفيعتين على صدره،

يتنهّد، كما لو كان في دروس ظمأه الأولى

وحول فمه يومض ببطء

فرح عظيم.

 

وجهه القلق صار فارغاً وجميلاً،

قدماه الرّفيعتان ترتفعان مثل زهرتين باهتتين،

ساقاه الطويلتان الشاحبتان ذبلتا قليلاً

وتظهران مثل جذعين فوق عشب أخضر.

 

في هذه المياه الخضراء كان كمن لم يولد بعد،

لا يعرف حتى الآن أن بعض الفواكه لا تنضج أبداً،

لم يخسر بعد حكمة الجسد

وليس عليه فهم روحه.

 

كان يكافح في كلّ مرّة

يخرجونه من المياه ليُفرك جيّداً بالمنشفة

ويُربط في ثيابه القاسية الصّلبة،

ثم يبكي للحظة.

 

يولد كلّ أسبوع من جديد

ليُفْصل بقسوة عن الحياة المائية الآمنة،

وفي كلّ أسبوع كان يواجه مصيره:

أن يكون هذا الغبي الخائف

مرّة أخرى.

 

"م. فاسالس M. Vasalis" هو الاسم المستعار الذي اتخذته الشاعرة والطبيبة النفسية الهولندية "مارجاريتا دروخليفر فورتيون- لينمانس" (1909-1998) لنشر ثلاث مجموعات شعرية صدرت خلال حياتها الطويلة (89 عاماً)، بدأتها في العام 1940 بنشر مجموعتها الشعرية الأولى "المتنزّهات والصّحارى"، ثم أعقبتها بـ "طائر الفينيق" (1947)، وفي العام 1954 نشرت آخر مجموعاتها "مشاهد ووجوه". حصلت على جائزة PC الهولندية المرموقة في العام 1982 عن كامل أعمالها، أي بعد 28 عاماً من صدور مجموعتها الشعرية الأخيرة، وعاشت منعزلة عن الأضواء الثقافية في هولندا، إلى أن رحلت في العام 1998. وهذه هي المرة الأولى التي تترجم قصائدها إلى العربية.

 

ترجمها عن الهولندية: عماد فؤاد

 

مقالات اخرى للكاتب

ترجمات
10 أكتوبر 2019

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.