}

كويتزي: العيش المشترك بين الإنسان والحيوان

محمود عبد الغني محمود عبد الغني 28 سبتمبر 2018
تغطيات كويتزي: العيش المشترك بين الإنسان والحيوان
جون ماكسويل كويتزي

 

الحالة الروحية للحيوان

    أطل هذه السنة الكاتب الجنوب إفريقي جان ماكسويل كويتزي،الحائز جائزة نوبل سنة 2003،  بمجموعة قصصية عنوانها "المذبح الزجاجي"، ضمّت سبع قصص عن الوجود الإنساني والحيواني معاً، بخفّة وحدّة تناول بهما الحالة الروحية للقطط والماعز وفراخ الطيور. وقد اعتبرت جريدة "لوموند" الفرنسية، من خلال مقالة خطّها قلم "كاميل لورانس"، أن هذا الإصدار الجديد بلغ بكويتزي قمّة النجاح الأدبي.

   كان عنوان خطاب نوبل الذي ألقاه  "ج.م.كويتزي" سنة 2003 يحمل عنوان "هو وإنسانه"، صبّ فيه الروائي مفهومه للهويات المتعدّدة.

 معروف عن كويتزي أنه يظهر دوماً في أجزاء من أعماله الروائية، التي اعتُبرت "سيرة ذاتية خيالية"، أو تخييلا ذاتياً، إذا امتلكنا الشجاعة واستعملنا هذا المصطلح. لكن هذا الظهور الذاتي غالباً ما ظلّ يتميّز بالغموض، خصوصاً في "صيف الحياة" (سوي، 2010)، التي صنّفها النقاد الجزء الثالث من مشروعه السيرذاتي، بعد الجزء الأول "مشاهد من حياة شاب" و"نحو عصر الإنسان". تخيّل كويتزي نفسه ميتاً في الجزء الثالث، وقد تكاثر باسمه الحقيقي بواسطة تعليقات الآخرين.

   إليزابيث كوستيلو:شبيه أنثوي خيالي

يذهب "المذبح الزجاجي" أبعد من كل ذلك. ليس فقط لأن الكتاب يحتوي سبعة نصوص، أو قصص؟، كتبها بين 2003 و2017، لكن لأن كويتزي قد عثر فيها على شبيهه الأنثوي الخيالي، هي الكاتبة الأسترالية الشهيرة "إليزابيث كوستيلو"، بطلة رواية تحمل اسمها: "إليزابيث كوستيلو" نُشرت سنة 2003، وترجمت إلى اللغة الفرنسية في 2006.

   تعكس الإشراقات المرآوية السبع هذه وتجزّئ بورتريه امرأة إلى مختلف مراحل حياتها، خصوصاً مرحلة الشيخوخة، برغباتها "المدركة بواسطة عقل مزهر، ينظر نحو الخلف". هكذا عمل كويتزي على اختبار وحدة الـ"أنا" ومعنى الوجود حين يقترب من النهاية. "ربما الأمر يتعلّق بحكاية ستتوقف دون معرفة إلى أين نذهب." تقول إليزابيث لأطفالها، المحبّين والنفعيين في آن واحد، الذين يريدون دفعها إلى التنكر لحياتها السابقة المليئة بالوحدة والولوج إلى أقرب إقامة للمسنّين. لكنها بكل حرية ونزوة ترفض أن تتقلّص إلى هوية جامدة.

   الأمر نفسه حتى وهي امرأة متزوجة، كانت لها مغامرات، فقد كانت تشعر "بذاتها" في الوفاء أو في الخيانة. "هل أن يكون لها زوج وعشيق يجعل حياتها أفضل؟" لا يجيب كويتزي أبداً عن هذه الأسئلة الساخرة، الغريبة أو الكئيبة "إذا اقتنعت لن أكون أنا نفسي" تقول وهي ترفض رفع التناقضات الوجدانية: "أين سيكون فن التخييل إذا لم تكن هناك ازدواجية في المعنى؟ ماذا ستكون الحياة نفسها؟"، هكذا لن يستطيع القارئ التمييز بين الخير والشر، بين الحقيقي والمزيّف..

بيان عن الحياة ينمّي التقمص الوجداني

  تستخلص كاميل لورانس حقيقة أنه يمكن قراءة هذا العمل باعتباره بياناً عن الحياة، لأنه، بغض النظر عن الشيخوخة، فهو يتخذ كموضوع رئيسي الطريقة التي يعامل بها الإنسان الحيوانات. فإليزابيث كوستيلو، الشخصية المتخيَّلة، تعامل القطط والماعز بطريقة طريفة، تجمع بين الخفّة والحدّة، وبواسطتها يتناول كويتزي، الرجل النباتي، العيش المشترك بين الإنسان والحيوان.

   إن "المذبح الزجاجي"، عنوان آخر قصة في المجموعة، يشكّل مشروعاً أصلياً كما تصورته إ. كوستيلو: "إنها حكاية تبيان ما يقع داخل المذبح. المجزرة. لقد خطرت لي فكرة أن الناس يحبون قتل الحيوانات لأنه لم تسنح لهم فرصة رؤية ذلك. ففكرت في أنه لو كانت هناك مجزرة وسط المدينة، حيث يمكن لكل واحد مشاهدة، وسماع، والشعور بما يحدث في الداخل، يمكن للناس أن يغيّروا عاداتهم". إن ذلك سيكون في "صالح الطرائد" وينمّي حاسّة التقمص الوجداني من أجل "فهم روح الحيوانات". وبذلك ينجح الشبيه الخيالي لكويتزي في السخرية من نظرية هايدغر التي تعتبر الحيوان "فقير العالم". ورغم ذلك أليس الإنسان، وهايدغر في المقدمة، وهو يرغب في تلميذته الشابة "حنّا أرندت"، ظلّ خاضعاً الخضوع نفسه لغريزته الأصلية؟ تتساءل إليزابيث وهي تحاول إقناعنا. لكن ابنها يقدم الحجّة الآتية: "نحن أيضاً على حقّ"، فتجيبه: " ليس دائما يا باني، ليس دائماً".

  يتردّد الكتاب بين قوة الحياة "بين من يحب الضحك" وبين "من يحب البكاء". إن الكاتب (ة) يريد الفضح وليس فقط النواح. وهذه الحركة المتردّدة منحت للكتاب إيقاعاً خاصاً، وضوءاً ساطعاً ومعتماً في الآن ذاته. فهو يختبر الواقع بعمق دون الخضوع  لأي اتفاق، أو كما يقول فيرلين عن القصيدة المثالية "هي التي تزن أو تتصنع الوزن". وما يبقى هو ثقة الأدب في إنقاذ الفراخ من الموت. "فمن أجلها أكتب. حياتها قصية جدا، وسهلة النسيان (...) لذلك كتبت عنها، وأردت أن تقرأ هذه الأوراق. كي أنقل إليك ذكراها. هذا كل شيء". إن القارئ لا يتلقى دوماً مثل هذه الهدية الأدبية المليئة باللحظات الطريفة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.