}

"مساءً، أمام البحر" خالد حسيني يُهدي الغرقى كتاباً

20 أكتوبر 2018
 

ترجمة وتقديم عارف حمزة

"مساء، أمام البحر" هو الكتاب الجديد للكاتب والطبيب الأفغاني الأميركي، المقيم في الولايات المتحدة الأميركيّة، خالد حسيني (1965)، الذي صدر قبل أسابيع قليلة في لغات عديدة، ومنها اللغة الألمانيّة، هذا الكتاب الذي طُبع كي يكون جاهزاً للبيع في اليوم الثاني لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي من هذا العام، وهو اليوم الذي غرق فيه الطفل السوري/ الكردي "آلان كردي" قبالة السواحل التركيّة، عندما حاول مع والديه وأخيه الوصول إلى اليونان، ومنها إلى أوربا، ولكنه سقط من يد والده في البحر؛ عندما انقلب القارب بهم وغرقت والدته معه وأخوه. كان ذلك الحادث في 2 سبتمبر/ أيلول من عام 2015 حادثاً مأساوياً هزّ العالم وقتها.

حسيني الذي مرّ بتجربة اللجوء، ويعمل مع المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، أراد بهذا الكتاب الصغير، أقل من خمسين صفحة، أن يُذكّر العالم بعشرات الآلاف من اللاجئين الذين لقوا حتفهم، وعشرات الآلف الآخرين الذين في طريقهم لذلك، وخفت الاهتمام بقضيّتهم ومصائرهم. إذ يُريد الكاتب، الذي لمع اسمه في قائمة الكتاب الأكثر مبيعاً لسنوات في أميركا، وصاحب روايات "عدّاء الطائرة الورقيّة" و"ألف شمس مشرقة"، واللتين وصلت مبيعاتهما إلى 38 مليون نسخة، ورواية "وردّدت الجبال الصدى"، أن يُذكّر العالم باللاجئين الذين ما يزالون يريدون المغامرة بعبور البحر نحو أوربا وقد يلاقون نفس المصير.

الكتاب، الذي في لغات أخرى جاء بعنوان "صلاة للبحر"، عبارة عن رسالة، فيها الكثير من العاطفية والشعريّة، من أب كان يعيش في مدينة حمص وذهب عن طريق البحر ليلحق بابنه مروان. ربّما يكون مروان قد مات في رحلة سابقة، خاصّة أنّ هناك مونولوج للأم تقول بأن الولد خُدع من الأب كي يهاجر ويجلب والديه، وربّما مروان هو تعبير عن الغرقى الأطفال في البحر. وربّما تكون والدة مروان نفسها قد ماتت خلال حصار أحياء كثيرة من حمص، من قبل جيش النظام السوري، وقصفها وتدميرها بمَن فيها.. لذلك نعثر على أصوات متعدّدة باهتة وشاحبة مثل سراب. الكتاب الذي عمل عليه حسيني كي يُهديه إلى غرقى البحر هرباً من الحرب والاضطهاد. "مساء، أمام البحر، أوحى القدر للطفل السوريّ النازح آلان كردي، الذي في الثالثة من عمره، تجربة الوصول إلى أوربا ليحصل على الأمان. في أيلول من عام 2015 غرق في البحر الأبيض المتوسّط. في العام الذي تلا مقتل آلان لقي 4176 شخصاً حتفهم، أو فُقدوا. أولئك الذين تجرّأوا على القيام برحلات مماثلة. هذا الكتاب مُهدى لآلاف اللاجئين الذين هربوا من الحرب أو الاضطهاد، وغرقوا في البحر".

من خلال هذا النص نعثرُ على ذلك الوصف المؤلم لأناسٍ، من دول عديدة، ينتظرون أمام البحر "بلا صبر" مصيرَهم القاتل. يُريدون الهرب من بلادهم وأهلهم وجيرانهم ولغتهم وماضيهم إلى بلاد لا يعرفون كيف ستجري حياتهم فيها. يهربون من الموت وربّما إلى الموت. بتلك الرقّة يكتب حسيني على لسان أب يُصلي ويرتعد في صلاته كي ينجو ولده، كي ينجو هو أيضاً، وأولئك الغرباء الذين يُرافقونه في قارب قد ينقلب في أيّة لحظة لكي يرميهم في حضن الموت المستلقي على قاع البحر ويفتح لهم ذراعيه الواسعتين. يكتب عن أناس لا أمل لهم ولا رغبات كبيرة لهم ولكنّ محنتهم كبيرة، ولكنّ بلاءهم لا يُحتمل، يُريدون فقط أن يظلّوا على قيد الحياة.

وهنا ترجمة كامل نص الرسالة والكتاب الذي صدر عن دار فيشر الألمانيّة بدعم من المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، مع لوحاته فائقة الجمال للفنان التشكيلي دان ويليامس:

عزيزي مروان،

في فصول الصيف الطويلة للطفولة، عندما كنتُ يافعاً مثلكَ

كنّا نضعُ، أنا وعمّكَ، فراشنا على سطح البيت الريفيّ لجدّتكِ

الذي يقعُ أمامَ مداخل "حمص".

كنّا نستيقظُ كل صباح على حفيف أوراق الزيتون، على ثغاء عنزاتِ جدّتكَ، وجلبة طناجرها.

كان الهواءُ ناعماً، والشحوبُ البرتقاليّ المُحمرّ يلمسُ جهة الشرق.

مرّة كنتَ معنا، وكنتَ ما زلتَ صغيراً.

لا تُفارقني، إلى اليوم، تلك الحرقة في العينين، تلك (الحرقة) التي تخصّ والدتكَ، وهي تُراقبُ أزهار الغابات وقد التهمَتها الأبقارُ السمينة.

يا للخسارة، لم تكن أكبرَ من ذلك. وإلا ما كنتَ لتنسى ذلك البيت، ولا حتى السخام على الجدار الحجريّ، ولا النبعَ الذي أنشأنا عليه، أنا وعمّكَ، سدوداً لا تُحصى.

أتمنى لو أنّكَ، مثلي يا مروان، حفظتَ حمص في ذاكرتكَ.

كان يوجد مسجد لنا نحن المسلمين في حمص القديمة، وكنيسة لجيراننا المسيحييّن. وسوق رائع للجميع.

هناك، حيث كان المرءُ يساوم حول قلائد الذهب والمأكولات وفساتين العرس.

أتمنى أيضاً لو أنّكَ تستطيعُ تذكّرَ أهالي الحارات الممتلئة برائحة الكبّة الساخنة، هناك عبرَ ساحة ساعة البرج مُتنزّهَاً مع أمكَ.

لكنّ الحياة والزمن يبدوان لي مثل إشاعة طويلة وخرساء.

/

في البداية بدأت الاحتجاجات

ثمّ بدأ الحصار

السماءُ قذفَت القنابلَ

جعنا

وماتَ الكثيرون.

هذه ذكرياتُكَ...

أنتَ تعرف أن رجل الجيش يستطيعُ أن يجعل القنبلة مثلَ فوهة بركان، ويحوّل المكان إلى حمام سباحة.

أنتَ تعرفُ، أنّ الدمَ الداكنَ إشارة جيّدة، بينما الفاتح إشارة خبيثة.

أنت تعرفُ، بين الطوب ودعامات الأبنية يمكنُ للمرء أن يعثرَ على الأمهات والأخواتِ وزميلات الدراسة، ومن خلال الشقوق التي تؤلّفها أنقاضُ الأبنية البيتونيّة، ماسكاً (المرء) البقعَ الصغيرة اللامعة من البشرة التي تُزهر تحت الشمس!

اليوم مساء كانت أمكَ عندنا يا مروان. على هذا الشاطئ البارد والمضاء بضياء القمر، بين نحيب أطفال ونساء، لم نكن نفهمُهم، أفغان وصوماليون وعراقيون وأريتيريّون وسوريّون.. كلّهم ينتظرون، قبل شروق الشمس، بلا صبر ومذعورينَ من البحر.

إنّهم يبحثون عن مأوى.

"نحن ضيوف غير مرغوبين بهم" ناحَ أحدهم. "غيرَ مُستحبّين"..

"لتُفرغوا بلاءَكم في مكانٍ آخر". نهره أحدهم.

/

أسمعُ صوتَ أمّكَ في الحريق:

آه، لو أنّهم يعرفونَ يا حبيبي

لو أنّهم فقط يعرفون مَن أنتَ

لو أنّهم يعرفونَ نصفَ ذلك لكانوا تمنّوا لو يصبحون من أصدقائك المُقرّبين.

تأملتُ وجهكَ، تحت ضوء القمر المكتمل، يا طفلي النائم ببراءة

عيناكَ، آه، مع الأهداب الناعمة، مغلقتان.

أهمسُ لك: خُذْ يدي. لن يُصيبك مكروه بعد الآن...

كانت مجرّد وعود. مجرّد خُدع لأب

لقد وثقتَ بوالدكَ وهذا ما كاد يفتُكَ بكَ.

مساء اليوم فقط حتى استطعتُ التفكيرَ كم هو عمقُ ذاك البحر

كم هو عملاق وخامل

وبأنّني، قبل كلّ ذلك، لم أستطع أن أحرسكَ.

/

بمجرد أننا لم نعد نرى الضفّة صلّيتُ لله كي يسير قاربُنا بأمان

عندما أصبحنا مجرّد نقطة فوق الأمواج، والقاربُ يلتفّ بنا، ويكاد ينقلبُ في كلّ لحظة

لأنّكَ أنتَ يا مروان. لأنّكَ الحمولة الثمينة. تلك الحمولة الثمينة في كلّ وقت.

يجب أن يعرفَ البحرُ

من أجل ذلك كنتُ أصلّي: "إن شاء الله"

آه لو يعرف البحرُ كم صليتُ وصليت..

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.