}

الأطلسيّ الذي حملَ العالم

فرانسيسكو أومبرال 2 ديسمبر 2017
ترجمات الأطلسيّ الذي حملَ العالم
لوحة الفنان المصري عصام معروف

 

 

كانيبالية جمالية

يمكن للمرء أن يتعلّم الكتابة من خلال سرقة الآخر، لهذا فإنّ الأدب هو من بين الجرائم الشائعة. والأسلوب هو نوعٌ من محاكم الحراسة. البورجوازية والنقاد البورجوازيون كانوا دائماً يهينون أصحاب الأسلوب كما لو أنه شأنٌ شخصيّ، ويندّدون بهم في مراكز الشرطة. نقّاد مثل كلارين يحتاجون لروائيين مثل غالدوس. أنا أفضّل السرقة على التّأثير. السرقة والقتل. الأدب إمّا أن ينبعث من جريمة أو لن يكون حقيقيّاً. سرقةُ أو قتل كاتبٍ آخر يمكن أن تُغذّي كتاباً كاملاً بالدّم والتشبيهات. كلّ كِتابٍ عظيم هو غنيمةٌ مضاعفة. يُسمح للفنّان أن يستولي على ذَهب القصور، ما دام لن يقوم بذلك في اليوم التالي في "لاس فيغاس"، وإنّما سيحفر فقط صورة مصغّرة بالشوكة على طريقة "سيليني".

 

الحرب الأهلية

النثرُ هو نبضُ بلدٍ ما، مثلما قد يكون الشّعر هو عطرُه. ظلّت إسبانيا من دون نبضٍ طيلة سنوات الحرب الثّلاث، وبدون محاصيل زراعية أيضاً. لكنّ النشيد العسكري لن يحلّ أبداً محلّ الاستعارة. تنتجُ الحروب الكثير من الأدب، لكن في وقتٍ لاحق. إنّ الحرب، التي تتشكّل مثل دمعةٍ هائلة في قلب التاريخ، هي في الواقع صمتٌ مُخيف: صمتُ شعبٍ لم يعد قادراً على التفكير، ولم يعد يشتغل باللّغة، ولا يؤدّي مَهامه الثقافية، النّحوية والإبداعية. هذا الصّمت الهائل، الإسمنتيّ والمنفتح، هو ما أنصتُ إليه حين أُطبق أُذني على صدرِ إسبانيا، تلك البلاد الميّتة بين عامي 36 و39، حيثُ لا يعلو سوى صراخُ الجثث. ومن بين خردةِ الحرب الهائلة، لم يتحدّث أحدٌ عن الخردة النّحوية، الأدبية، الصّدئة والخرساء، التي أنهَت عشرة قرونٍ من الخطوط المنقوشة والكلمات الجميلة.

 

الصحافي

بما أنّنا، نحن الأطفال، لم نكن نملك مالاً لشراء الكتب، كنّا نقرأ الكثير من المجلات، الكثير من المقالات، وهكذا صرنا نكتب مقالات لأسباب اقتصادية. المقال كان مثل سهمٍ سريع ينطلق في الهواء. لكي تحصل على مقالٍ جيّد كان عليك أن تحرق بحثاً، سوناتة أو خَبراً. هكذا كنّا نكتب المقالات. فكرةٌ سريعة، مالٌ سريع، حربُ عصابات، كفاحٌ كلّ يوم. تضرب ضربتك هُنا وتهرب إلى الطرف الآخر من المدينة. بعضُ المقالات تضرب بقوّة، وعليه يكون من المريح أن تحضر فيها غنائيةٌ مُنعشة. اكتشافُ المقال كان حيوياً بالنسبة إليّ، كأنّه طريقة حياة، شكلٌ من أشكال النضال، سلاحُ عمل، أداةُ حرب، انفجارٌ غنائي، ودائماً ينبغي أن يتحرّك كاتب المقالات بين الأسلوب والإرهاب.

 

روبين داريو

هنديٌّ بضفائر (حافي القدمين تقريباً تحت لباسه الدبلوماسي)، "أَسودُ" بروح أميرة فاسقة وروح عازفة بيانو ("أَسود" هي الكلمة التي كان يناديه بها فالي-إنكلان، ولطالما سرقها واختلسها منه)، متذمّرٌ يحظى بشعبية جارفة، انهيارٌ بشريّ مُدهش أضاءَ ليل مدريد وأقام في باريس. غريبٌ كالخراب، متفرّدٌ من قَبل كولومبوس، باريسيّ، مدريديّ، شاعر الليل الغربيّ فقط. روبين هو من قتل "كامبوأمار"، وقتل "نونيث دي أرثي"، والكلاسيكيين الجدد مجبّري السيقان وآخر الرومانسيين الدُّمى. روبين كان يمتلك هذا الشيء الافتتاحي والمهرجاني الذي تعود إليه زاويةُ قرن من الزمان. كانت لديه عبقرية ثوريّة، جديدة، أغلقَت قرناً وفتحت آخر (ولا نتحدّث عن التقويم الزمني)، رجلٌ انشقّ عن الواقع ليجلبَ واقعاً جديداً، لا أعرف من أين. رازحٌ تحت ثقل كلّ ما عاناه من انسحاق، الأطلسيّ الذي حمل العالم لكي يثبّته في مكان آخر، روبين كان يترنّح تحت وطأةِ الكون القادم الذي حمله فوق كتفيه، والمدريديّون والنّقاد كانوا يعتقدون أنّه يترنّح بسبب الويسكي.

 

فرانسيسكو أومبرال

 

فرانسيسكو أومبرال أحد أبرز الكتّاب الإسبان المعاصرين. ولد في 11 أيار/ مايو 1932 بمدريد. وبدأ حياته الأدبية في الصحافة المحلية بالتعاون مع صحيفة "شمال كاستيا" منذ 1958. ثمّ انتقل للاستقرار بمدريد في بداية الستينيات، حيث بدأ نشر كتاباته في دوريات عدّة. عُرف عنه حضوره في النقاشات الأدبية الشهيرة في مقهى "تيرتولياس" الواقعة وسط مدينة خيخون. وسرعان ما صار من أشهر كتّاب الأعمدة الصحافية التي لقيت إعجاباً وتقديراً من القرّاء، بسبب أسلوبه الذي يمزج بين السخرية اللّاذعة والغنائية. نشر أزيد من 80 كتاباً، منها "قاتل وزهرة" سنة 1975، "ثلاثية مدريد" سنة 1984. نال جائزة أمير أستورياس للأدب سنة 1996، كما نال الميدالية الذهبية لحلقة الفنون الجميلة سنة 1997، وجائزة ثيربانتس سنة 2000. وتوفي بمدريد يوم 28 آب/ أغسطس 2007.

 

 

مقالات اخرى للكاتب

ترجمات
2 ديسمبر 2017

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.