}

كازو إيشيغورو: الحالم المتوّج بنوبل للآداب

محمود عبد الغني محمود عبد الغني 8 أكتوبر 2017
تغطيات كازو إيشيغورو: الحالم المتوّج بنوبل للآداب
كازو إيشيغورو

                           

مخاتلة التكهنات

   مع اقتراب موعد الإعلان عن الجائزة الأدبية العالمية المرموقة، كل سنة، تسري تكهنات حول الفائز المحتمل. وقد ظهرت هذه السنة على اللائحة أسماء جديدة مثل الكيني نغوغي واثيونغو، بجوار أسماء قديمة تمسك بالحبل منذ سنوات: فيليب روث، وعاموس عوز، وهاروكي موراكامي، وإسماعيل كادريه، وأدونيس. لكن حراس معبد نوبل برعوا هذه السنة أيضاً في إبداع مفاجأة جديدة، فقرّروا منحها لكاتب بريطاني من أصل ياباني، هو كازو إيشيغورو، وهو أقل شهرة من جميع السابقين، وقلما تنبأ به المتتبعون للآداب العالمية، لكنه أيضاً الفائز بجائزة "بوكر" البريطانية سنة 1989، عن روايته الثالثة "بقايا النهار"، التي اقتبست للسينما سنة 1993.

    لكن، يمكن اعتبار فوز إيشيغورو أقل مفاجأة من السنة الماضية التي فاز فيها المغني، بوب ديلان، لتبقى المفاجأة من نوع المفاجآت الصغيرة. فعادة يتم انتظار الفوز الذي يكون حليفاً لكاتب منتشر ومسوّق بشكل مستمر، مثلما هي حالة الكاتب الياباني، هاروكي موراكامي، صاحب المتون السردية الطويلة وكثيفة الورق، والحاضر العالمي في كل المكتبات، والمثير المدهش لشهية المترجمين. لكن هذه السنة، مع كازو، يمكن اعتبار الفوز هو من نصيب الكاتب المقل، الذي لا يصدر رواية جديدة إلا بفارق زمني يصل إلى خمس سنوات عن الرواية السابقة، مثلما كان فوز الفرنسي، باتريك موديانو، تتويجا للرواية القصيرة أو متوسطة الحجم، إذ إن رواياته لا تتجاوز مائتي صفحة. ورواية من هذا الحجم هي قصيرة مقارنة مع نزوع الرواية المعاصرة نحو تكثيف الحجم، وتنويع الشخصيات، وتعدّد الأصوات. إذن، يمكن النظر إلى الجائزة من هذه الزاوية، باعتبارها تقريظا وتتويجا لسلوك كاتب، وعلاقته مع وتيرة النشر، والسينما، والترجمة...إلخ.

أصل ياباني، لغة إنكليزية

     ولد الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازو إيشيغورو في ناكازاكي يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1954، ثم انتقلت عائلته للعيش في بريطانيا سنة 1960. كانت عائلته تتصور أنها رحلة مؤقتة، سرعان ما تعقبها عودة للإقامة الدائمة في البلد الأصلي. لكن الإقامة في بريطانيا طالت أكثر مما كان يتوقع والداه. تعلّم في طفولته العزف على البيانو، فبدأ يعزف في ملاه ليلية بلندن على الخصوص. حاز شهادة جامعية في الآداب والفلسفة سنة 1978. ولم يتوجه نحو الكتابة الأدبية إلا سنة 1979، حين أنشىء برنامج للكتابة في جامعة "إيست أنغليا". وهنا بدأ الطالب الشاب، الذي لم يكتب شيئاً من قبل، يتعلّم  بسرعة قواعد هذا المجال. فبدأ في كتابة القصة، ونشر في الثمانينيات ثلاث روايات جعلت منه نجماً أدبياً وسط موجة من الكتاب الإنكليز مثل: مارتن أيمس، جوناثان كاو، جوليان بارنس وإيان ماكواين.

     لم يُكتب لكازو العودة إلى اليابان ولو زيارة خاطفة إلا سنة 1987. وكان وقتها قد أصدر روايتين عن اليابان، صدرت الأولى "أضواء شاحبة على التلال" سنة 1982، بفضلها أثار انتباه النقاد والأدباء والمترجمين والقراء على حد سواء، إلى ولادته الروائية المستحقة، إذ وصفتها جريدة "تايمز" بأنها "رواية يابانية ذكية"، ووصفت المؤلف بكونه "حاد الذكاء ويمتلك لغة رشيقة"، والثانية هي " فنان من العالم الطليق" سنة 1986.

 عالمه الروائي

فازت روايته الثالثة "بقايا النهار" 1989، بجائزة "بوكر" البريطانية. أما روايته الأولى "أضواء شاحبة على التلال"، التي نُشرت سنة 1982، فقد ترجمت إلى اللغة الفرنسية بعد سنتين من صدورها. والفرنسيون يعرفون جيداً قيمة سنتين من الفرق الزمني الذي يفصل بين التأليف والنشر والترجمة. تحكي الرواية عن "إيتسيكو"، امرأة يابانية نجت من قنبلة ناكازاكي (وهي رواية مستمدّة مما روته والدة المؤلف). وقد استقبلت الصحافة الأنكلوفونية بحرارة  عذوبة هذه القصة ذات الحبكة المتماسكة. هذا إضافة إلى كونه كاتبا شكلت الغرابة عنصراً ثابتاً في أعماله.

  بعد أربع سنوات، نشر رواية "فنان في العالم الطليق"، ترجمت إلى الفرنسية سنة 1987، أي بعد سنة واحدة من تاريخ نشرها، 1986. وتتحدث عن اليابان ما بعد الحرب. فمن خلال قصة رسّام، تناول الصراع بين جيلين، جيل مقتنع بأن الحرب كانت ضرورة، والثاني يريد طي الصفحة. فيعود البطل، ماسوجي أونو، إلى ماضيه، يترصد أخطاءه، لكن دون أن ينجح في محاربة الحنين إلى الفترة السابقة. عرفت الرواية نجاحاً باهراً في بريطانيا. لكنه لم يكن ذلك النجاح الذي عرفته تحفته الروائية "بقايا النهار"، سنة 1989، التي ترجمت هي الأخرى إلى الفرنسية في السنة الموالية، 1990. وتحويلها إلى فيلم سنة 1993، مثَّله أنطوني هوبكينز وإيما تومبسون، جعل الرواية تكتسب عدداً جديداً من القراء من العالم أجمع.

  مرت ست سنوات، فنشر روايته "الذي لا عزاء له"، ترجمت إلى الفرنسية سنة 1997. ثم روايته "عندما كنا يتامى" سنة 2001، وتحكي قصة الاختفاء المأساوي لوالدي السارد، المولود هو الآخر في الصين والمستقر في لندن في ثلاثينيات القرن الماضي. كما لو أن آسيا البعيدة قيمة مهيمنة في كل تخيّلاته وتأثيراته الساحرة.

   في سنة 2005 نشر إيشيغورو رواية "بالقرب مني دائما"، وهي رواية حب مزلزلة، تدور أحداثها في إنكلترا في سنوات التسعينيات. وبعد عشر سنوات من الصمت، نشر رواية "العملاق يختفي" ظهرت سنة 2015. وبذلك فإن لجنة نوبل تكون قد منحت جائزتها لكاتب يغير عوالمه باستمرار، ويعود بحكاياته إلى الطفولة في الغالب، رغم أن قضاياه تكاد تتشابه.


إيشيغورو في العربية

   بالإضافة إلى حضور إيشيغورو في اللغات العالمية، كان له حضور في اللغة العربية عبر ترجمتين: "بقايا النهار" بترجمة طلعت الشايب، ونشر المركز القومي للترجمة سنة 2009. وقد خصّ الشايب ترجمته بمقدمة ضافية أبرز فيها أهمية الكاتب، وتنوع عوالمه وأساليبه. والترجمة الثانية كانت لروايته "فنان من العالم الطليق"، بترجمة هالة صلاح الدين حسين، وقد صدرت عن دار أزمنة بعمّان، الأردن. وهي الرواية التي أثبتت بالفعل أن الكاتب يحمل تأثير ثقافتين: اليابانية والإنكليزية. وهي رواية حازت جائزة "ويتبريد" في نفس سنة صدورها، 1986، وهي السنة التي كانت قد رُشّحت فيها لجائزة "بوكر". وفي سنة 1995 حازت جائزة إيطالية اسمها "سكانو".

لجنة الجائزة، هل تحب المفاجآت؟

   يؤكد الكاتب الفرنسي، برونو كورتي، في جريدة "لوفيغارو" (عدد: الجمعة 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري) أن أعضاء لجنة نوبل يحبون المفاجآت. ففي السنة الماضية بلغت المفاجأة ذروتها بفوز المغني بوب ديلان. وهو الفوز الذي أخرج أكثر الكتاب تكتُّماً إلى الاحتجاج على هذا الجنوح غير المعهود، بل وهناك من نشر مقالات مليئة بالانفعال، فكيف تتوج اللجنة رجلا لم يعرف عنه أنه أديب، وتترك عالماً روائياً وشعرياً ومسرحياً، ممتداً ومختلفاً مثل الأوقيانوس، وتذهب للغناء الذي لا تربطه بالأدب إلا وشائج ضعيفة؟

 عدّد برونو كورتي، بانفعال ظاهر، عدداً من الأسماء ذات الأحقية: فيليب روث، دون ديليلّو، كورماك ماكارثي، أنطونيو لوبو أنتونيس، كلوديو ماكريس، خافيير مارياس، عاموس عوز، من بين آخرين. لكن يعود كاتب المقال ليهدئ من الروع قائلا إن تاريخ الجائزة مفعم بالنسيان القاتل: بروست، فرجينيا وولف، كافكا، سيلين، مالرو.

  لكن ما يلفت الانتباه في فوز كازو إيشيغورو هو حداثة سنه؛ فكل الصحف والأخبار تؤكد، أولّاً، أنه يبلغ 62 سنة، غير مكتفية بإثبات تاريخ الميلاد. وقلة إنتاجه ثانيا: سبع روايات بين 1982 و2015، ثم فوزه بجائزة "بوكر" البريطانية. وبقدر ما لهذه الركائز من نقاط القوة، لها من نقاط الضعف. فقد ذهبت "لوفيغارو" إلى حدّ القول إنه ضئيل الإنتاج.

ولكن هل هذا معيار لمنح الجوائز، أم أن الأمر يتعلق بالنوعية وتأثير الكتابة نفسها في قرائها، وربما قبل ذلك، في النوع الأدبي نفسه؟

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.