}

ميخائيل الصقال.. من أوائل الذين كتبوا الرواية العربية

فيصل خرتش 2 فبراير 2020
استعادات ميخائيل الصقال.. من أوائل الذين كتبوا الرواية العربية
من مؤلفات ميخائيل الصقال (1852ـ 1937)
قال في ترجمته: "أنا ميخائيل بن أنطون الصقال، وُلِدتُ في جزيرة مالطا سنة اثنتين وخمسين بعد ثمانمائة وألف مسيحية، فلما أفطمتُ رحل بنا والدي إلى مدينة حلب فجعلها محط رحاله، وفي العاشرة من عمري أقرأني اللغة العربية، فأجهدت النفس في تعلمها...". هكذا جاء في مقدمة الرواية. ويعتبر الصقال ثاني الروائيين الذين كتبوا باللغة العربية بعد فرنسيس المرّاش (غابة الحق 1865)، وقد طبعت روايته في مصر سنة 1907 كما هو مذكور في مقدمة الرواية، وهي بعنوان "لطائف السمر في سكان الزهرة والقمر"، ووضع لها عنواناً ثانياً: "الغاية في البداءة والنهاية"، وذلك قبل "عصفور من الشرق" 1938 لتوفيق الحكيم و"قنديل أم هاشم" 1944 ليحيى حقي و"الحي اللاتيني" 1953 لسهيل إدريس.

وقد ذيل الرواية عدد من التقاريظ التي كتبها شعراء وأدباء ممن عاشوا في تلك المرحلة وهم يمدحون الكتاب، كما وضع لها مقدمة تتحدث عن حياته وحياته والده الأديب أنطون الصقال، وعن أهم أعماله، وأورد ترجمات لبعض الكتاب الشعراء والأدباء الذين عاشوا في تلك المرحلة، وعدد صفحاتها 384 صفحة بالتمام والكمال، وسمّاها رواية، وهي التسمية التي كانت تطلق على الأعمال الأدبية الكبيرة.

ويقول عن هذا العمل في مقدمته:
"أمّا بعد، فهذا كتاب فيه من طلاوة المحابر وملاحة المُرسل وحلاوة الاستعارة ما يهذب الأخلاق ويروض النفوس وينقي الضمائر، وفيه من لفافة الكتابة وحسن التورية ورقة الإشارة ما ينور البصائر ويرقي الأفكار ويطيب السرائر، أسميه بالغابة في البداءة والنهاية، فأقبلوا عليه تجدوا فيه فوائد وآداباً ألقاها عليّ والدي بعد رحيله من هذه الدنيا، فكانت عجباً، وتجدوا فيه من الحكم والمواعظ، ما لا بد منه للحكيم الواعظ...".

ونحن أمام رواية متخيلة، يتخيل فيها ميخائيل الصقال والده المتوفى وقد عاد من كوكب الزهرة، وبدأ يحدّثه بما رآه، وقد تضمنت هذه الرواية العديد من الحكم والمواعظ، هذا الأب الذي يعود من السماء، مقام الأبرار الصالحين، ثم يعود ليصف لابنه الذي ما زال في الأرض "سجن العاصين" فيسأله: كيف هي الحياة، ثم تأتي المقارنات مع الواقع ونقضه لكلّ أوجه الفساد الإداري والاجتماعي.
لقد طرح في روايته قضايا التنوير، بين واقع الحال وما ينبغي أن تكون عليه حلب لتلحق بركب التمدن، فصاغ عبر الحلم حواراً بين الابن الحيّ والأب المتوفى الذي يجيب عن تساؤلاته ويحدثه عن مشاهداته في العالم الآخر الذي لا يعدو أن يكون صورة العالم المتمدن الذي ينشده الصقال ويتلخص في: "التسامح الديني والمساواة والعلم الحديث والقضاء العادل والتربية الصالحة ومكننة الزراعة وحرية الصحافة والتجارة ونبذ الحروب".
وفي روايته هذه نجده يميل إلى المباشرة، ويقارن بين التقدم والازدهار والرقي والنظافة في الغرب، وبين العبودية والتعصب والظلم في الشرق. يقول في بداية الرواية: "وأنا في الدار وحدي أفكر في الكون والخليقة حتى حرت في أمري، وأخيراً نمت وغفوت، فعاينت والدي مقبلاً علي وهو في بهاء من نور...". ومن هنا تبدأ الرواية التي امتلكت جرأة في الطرح للمواضيع الحساسة تتناول إصلاح المؤسسة القضائية والأحكام الحقوقية وغيرها، إنه يعالج فيها دور الإصلاح في معالجة أسباب غفوة الشرق ورقاده وابتعاده عن الغرب، وفي بثه القيم الاجتماعية بمضامينها الإنسانية الجديدة.

ولِدَ الأديب في مالطا عام 1852، وتوفي في حلب عام 1937، واسمه بالكامل ميخائيل بن أنطون الصقال، شاعر وأديب ومؤرخ، كان والده يعمل مصححاً للكتب في مطبعة مالطا للغة العربية، ثم عاد طفلاً صغيراً إلى حلب وأخذ العلم عن أبيه، وأخذ عنه السليقة الشعرية، فقد كان والده شاعراً مجيداً، أما هو فقد نظم الشعر وهو في سن السادسة عشرة، تلقى دروسه في عين ورقة في لبنان، فأتقن فيها: العربية والسريانية ثم التركية والإنكليزية، وقد كان في طليعة أهل الأدب لكثرة تدقيقه وتنقيبه عن أصول اللغة وشواردها، فهو عارف باللغة والنحو والصرف والعروض والمعاني والبيان، زار القاهرة عام 1897 وأصدر فيها مجلة الأجيال المصورة، وهي أوّل مجلة مصورة تصدر في البلاد العربية، عمل في التدريس ثم في المحاماة، وكتب القصة وعمل في الصحافة ونظم الشعر وكان له اهتمام بالعلوم الطبيعية والرياضيات، وعندما نشبت حرب القرم عام 1804 عين مترجماً لأحد الضباط في الجيش الإنكليزي، وفي نهاية الحرب عاد إلى حلب، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، وقد وصفه الشاعر قسطاكي حمصي بما يلي: "شاعر طويل النفس، صحيح السبك، حسن المعاني، متين الحبك، وعالم من خواص أهل الأدب، ومن أمراء ذوي الفضل والطلب، شديد التنقيب في أصول اللغة وشواردها، كثير التدقيق في تعدية الأفعال ومواردها، فقيه الصحيفة، بصير بالنكتة الظريفة، تقرأ على محياه سيما سلامة الصدر، عزيز النفس، كريم العهد، حسن الوفاء، طيب الصحبة، أمين المغيب، مهذب الطرف والنطق، حسن التعبير عن مراده بأوجز لفظ".

وميخائيل الصقال له ديوان شعر مطبوع، أكثره في الحكم والمواعظ، وقد نشره ابنه بعد وفاته، بعنوان "العبر". كما تتضمن كتبه نماذج من شعره، ومن محاسن نظمه:

                   هبّ النسيم على الرياض أصيلا        حيث اللبيب فبات منه عليلا

                   فاعتلّ واعتذر النسيم تلطفــــاً  وغدوت متبول الفؤاد نحيلاً

          وقوله:

                   رأتني فأرخت شعرها فوق نحرهـــــــا         فغاب صباح النحر في ليلة الشعر

                   فقلت أسفري، قالت: أخاف افتضاحنا    فإني وجدت الليل أكتم للســــــــرّ

إننا أمام شاعر مجيد يمتاز بوفرة ذكائه وسعة مداركه، تغلب على شعره مسحة من التشاؤم، إذ كان يجد العالم مسرحاً للمآتم والشرور.
يذكر أن له كتاباً سجل فيه كثيراً من الأغاني والقدود الحلبية والتركية، مقرونة بالرموز الموسيقية، أمّا شعره فهو أقرب إلى التكلف تغلب عليه الصفة البديعية واللفظية على عادة ذلك العصر. وله عدّة كتب منها:

-         طرائف النديم في تاريخ حلب القديم، وهو مخطوط

-         لطائف الحديث في تاريخ حلب الحديث، وهو مخطوط

-         ديوان "العبر"، مطبوع في حلب عام 1911

-         لطائف السمر، طبع في مصر عام 1907، وفي حلب عام 1911

-         كتاب في علم التشريح، وهو مليء بكلمات لغوية صعبة مع شرحها

-         رسالة في النحل: وهو رسالة علمية تتضمن دعوة الناس للتشبه بالنحل ومجموعة أشعار وأقوال جمعها ولده.

مقالات اخرى للكاتب

سير
27 مارس 2024
سير
10 مارس 2024
يوميات
7 مايو 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.