}

ذكرى آرثر ميلر.. الماضي يصنع الحاضر

مناهل السهوي 13 فبراير 2020
استعادات ذكرى آرثر ميلر.. الماضي يصنع الحاضر
أرثر ميلر (17 أكتوبر 1915- 10 فبراير 2005)
لم يعلم آرثر ميلر حين خسر والده كلّ ثروته تاركاً الحياة السهلة ليعيش الفقر والعوز متنقلاً بين العديد من المهن البسيطة أن الكتابة تفتح له يديها ليعيش تجربةَ عدمِ الثبات والخوف على طريقة المسرح حيث أوجد حياته وحياة الشعب الأميركي فتعمق في المسرح أكثر، لاحق تطلعاته ومخاوفه وأحلامه ليصير علامةً في الأدب الأميركي والعالمي، فلا زالت أعماله تعرض على كلّ مسارح العالم، لتعرّفنا أولاً على أنفسنا، ومن ثم على العالم نفسه.

ولد آرثر آشر ميلر في نيويورك يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر 1915، درس الصحافة والمسرح وركز على المسرح اليوناني الكلاسيكي، وكتب أكثر من عشرين مسرحية، لكنه كتب كذلك الرواية والقصة القصيرة والمقالة، وكانت حياته الشخصية والعملية موضع اهتمام كبير وخاصة زواجه من الممثلة العالمية مارلين مونرو.


أميركا في مسرحيات ميلر
يحتل آرثر ميلر مكانة مهمة في الأدب الأميركي، عُرِفَ بتوجهاته اليسارية ودعمه لحرية الفكر، وهو من جهة أخرى تجسيد حيّ للحلم الأميركي المرغوب، فالرجل الذي بدأ من لا شيء بعد إفلاس عائلته خلال فترة الكساد العظيم والانهيار الاقتصادي العالمي عام 1929 ينتهي بنجاح عالمي وشهرة منقطعة النظير، إلى جانب يوجين أونيل وتينيسي ويليامز، ويعتبر آرثر ميلر واحداً من أهم ثلاثة كتّاب مسرحيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى جانب أنه سيصبح جزءاً لا يتجزأ من الأسطورة العالمية مارلين مونرو بعد زواجه بها. وعلى الرغم من أن معظم مسرحيات ميلر تقع في أميركا وتتأثر بالسياسة والأحداث الأميركية، إلا أن قوتها تمتد إلى ما وراء الحدود الأميركية، شخصيات ميلر غالباً من الطبقة العاملة الأميركية مع نهايات غير مرضية مبتعداً عن الخيال في تقديم مواضيعه.

إن تأثير الأسرة على كتابات ميلر لا يلعب دوراً فقط في اختيار المواضيع، ولكن في الأسلوب كذلك، فلكل شخص من حوله دور ما في التأثير على أسلوبه وتوجهاته في الكتابة. يتناول ميلر القضايا العالمية ودور الأسرة والمعتقدات الرأسمالية والاشتراكية متتبعاً انتهاكات السلطة والروابط بين الأفراد والمجتمع، ملقياً الضوء على ثقافة الولايات المتحدة في تلك الفترة، متحدثاً  إلى آمال ومخاوف الجماهير التي تتصارع مع عالم سريع التغير، كما يُعرف ميلر خاصة بجمعه بين تقنيات الواقعية والتعبيرية على المسرح وهو أسلوب جديد جلبه إلى المسرح الأميركي، مستكشفاً المشاكل الاجتماعية الكبرى في مجتمعات صغيرة كالأسرة،  مركزاً على ماضي الشخصيات فهو الركيزة الأولى لفهم الشخصيات لأنفسها ولتحسين واقعها النفسي وسط سلسلة التخبطات التي لا تنتهي. يقول في أحد حواراته: "فالخراب الكامل الذي حلّ بعالمنا العائلي في تلك المرحلة قد علمني بأنه لا شيء يبقى مستقراً في هذا العالم، وإن عدم الأمان هو المبدأ الوحيد الصالح، وأدرك الآن بأنه لولا خسارة أبي تلك ما كان لي أن أكون أبداً كاتباً مسرحياً. إن مصيره حاضر في كل عمل من أعمالي".


الماضي يصنع الحاضر
آمن ميلر بالإنسان وبقدرته على تحسين الطبيعة الإنسانية من خلال إثارة الضمير الاجتماعي للمشاهد لخلق مجتمع أفضل يمكن للجميع العيش فيه، وأعمال ميلر هي إنسانية قبل كل شيء تنقل نظرة أخلاقية عميقة، حيث يتحمل جميع الأفراد مسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، مؤمناً دوماً بالأمل برغم استعداد الإنسانية للخيانة.
تقدم أعماله نظرة ثاقبة في قلب الطبيعة البشرية بما فيها من رعب ومجد وقدرتها على الحب والتضحية وعلى الإنكار والخيانة في الوقت نفسه. كان ميلر قادراً على رؤية كلّ من الكوميديا ​​والمأساة داخل الإنسان، استطاع أن يوصل مشاكل الآخرين ويشعرنا بها كما لو كانت مشاكلنا الخاصة، ورغم القسوة التي تحتوي عليها أعماله إلّا أنه يقدمها بطريقة مألوفة ورقيقة من خلال خلق شخصيات بسيطة ويومية لكنها معقدة نفسياً، معتمداً على الماضي والطرق التي قد يؤثر بها على الحاضر وصعوبات العثور على السعادة في بيئة معادية، فتجاهل الماضي هو حدّ للحاضر ولتقدمه، وقبول الماضي يسمح للناس بالتعرف على أنفسهم ووضعهم في الوقت الحاضر، مؤكداً أن وظيفة الفنان "هي تذكير الناس بما اختاروا أن ينسوه لأنه من الصعب للغاية تذكره".

زواجه من مارلين مونرو

 مونرو وميلر 


















رغم أن زواج مونرو بميلر كان الأطول بين زيجاتها الثلاث إلّا أن هذه العلاقة لم تكن كافية لها، وعانى الثنائي من التخبط والاختلاف والأزمات التي انتهت بانفصالهما. الممثلة التي كانت لا تزال تبحث عن الشهرة التقت بميلر عام 1950، ووصفت لقاءها مع الكاتب الأميركي قائلة: "كان الأمر أشبه بالركض إلى شجرة، وأنت تعرف، مثل الإحساس بمشروب بارد عندما تكون مصاباً بالحمى".
أمّا ميلر الذي كان لا يزال متزوجاً في تلك المرحلة ومتردداً في اتخاذ قرار الانفصال فسيخبر مونرو في النهاية: "لا بد أن أموت حقاً إن فقدتك". وستخاطر مونرو بفقدان محبة جمهورها حين رافقت ميلر أثناء طلبه للإدلاء بشهادته حول علاقته بالشيوعية، وستكون معه رغم نصائح المقربين منها بالابتعاد عنه متجاهلة كل تلك النصائح، وهذا التجاهل كان داعماً كبيراً للكاتب الأميركي الذي لن يستطيع الناس إنكار حقيقته وقوته هو الذي احتل هذه المكانة في قلب امرأة ساحرة كمونرو.

لكن الأمور لن تستمر على هذا النحو فالمشاكل والاختلافات ستظهر وسيسبب إجهاض مونرو أكثر من مرة في توتر العلاقة وستكتب عن دمارها بعد قراءة ما كتبه ميلر في مذكراته عن أنها كانت تسبب له الإحراج أمام الناس! لينتهي الأمر بالطلاق ولن يذهب ميلر إلى جنازة مونرو مفضلاً البقاء في المنزل على التقاط الصور في جنازتها وسيكتب لاحقاً: "ليس كلّ شخص سيذهب هو سيء، ولكن يكفي! معظمهم كان سبباً في دمارها".
بعد إصابته بمرض السرطان طلب ميلر أن ينتقل إلى مزرعته التي تعود إلى القرن الثامن عشر بولاية كونيتيكت التي اشتراها حين زواجه من مارلين مونرو ليموت يوم 10 شباط/فبراير عام 2005 تاركاً مكانه فارغاً في المسرح الأميركي والعالمي، بعد أكثر من 60 عاماً في الدفاع عن الإنسان وحريته وحقه في الحياة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.