}

ذكرى جورج برنارد شو.. "عشت حياة عادية"

إيهاب محمود 4 نوفمبر 2019
استعادات ذكرى جورج برنارد شو.. "عشت حياة عادية"
"كل ما كتبت بمؤلفاتي هو قصة حياتي" (Getty)
بسبب أبيه السكير، وظروف أسرته المعيشية القاسية، وجد الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو نفسه مجبراً على ترك مدرسته وهو في سن الخامسة عشرة، ليعمل موظفاً. وبعد خمس سنوات، وتحديداً في العام 1876، غادر بلده متجهاً إلى لندن، ليلحق بوالدته وأختيه الذين تركوا إيرلندا. غادر شو ولم يأخذ من أبيه سوى حسه الفكاهي والسخرية من المواقف المؤلمة، التي انطبعت فيما بعد على أعمال واحد من أشهر أدباء العالم.

حلت في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر ذكرى رحيل برنارد شو، الذي توفي في العام 1950، وهو المولود في دبلن بإيرلندا في السادس والعشرين من تموز/يوليو 1856، ويعد واحداً من أهم وأبرز كتاب المسرح في العالم، والذي ترك وراءه منجزاً إبداعياً ثرياً.


البدايات

ولأن برنارد شو يرى أن المدارس "ليست سوى معتقلات وسجون"، فإنه استمر بالقراءة، وتعلم الفرنسية واللاتينية والإغريقية، وأصدر في لندن رواياته الخمس الأولى: "عدم النضج" و"العقدة اللاعقلانية" و"الحب بين الفنانين" و"مهنة كاشل بايرون" و"الاشتراكي واللا اشتراكي"، التي لم تحقق نجاحاً مقبولاً. لم ينجح شو في أن يجني مالاً من الكتابة في بداياته، فعاش حياة بائسة، وانتقد الأوضاع المعيشية الصعبة في كتاباته والفقر الذي اعتبره مصدر كل المشكلات الاجتماعية، وانشغل بهذه الموضوعات في كتاباته ومنها مسرحية "الرائد باربرا" التي تطرق فيها للرأسمالية والأعمال الملتوية للجمعيات الخيرية.
في العام 1885، بدأ شو كتابة المسرحيات التي برع فيها، حيث نشر ما يزيد على الخمسين عملاً، حقق بها شهرة واسعة، وحاز إشادة الجمهور والنقاد معاً: "لقد كسبتُ شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه، وحين أكتب مسرحياتي أقصد أن أحمل الشعب على أن يصلح شؤونه وليس في نفسي باعث آخر للكتابة إذ أنني أستطيع أن أحصل على لقمتي بدونها".


الإبداع عند برنارد شو
كان برنارد شو يرى أن الحضارة لن تتقدم بغير النقد ولا مناص لها كي تتجنّب العفن والركود من إعلان حرية المناقشة، وكان ينظر إلى الإبداع على أنه يأتي من تفاصيل بسيطة للغاية، فالأمر لا يحتاج إلى تعقيدات أو تجهيزات بها قدر من المبالغة: "لم أقم بمغامرات بطولية. كل ما حدث أنني عشت حياة عادية، وكل ما كتبت في مؤلفاتي من كتب ومسرحيات هو قصة حياتي، وما عدا ذلك فهو الإفطار والغداء والعشاء لا يختلف عن أي روتين عادي"، وكانت هذه هي طريقته في الحياة عموماً، فكان نباتياً مثلاً لا يأكل اللحوم، ولا يشرب الكحول، ولا يرتكب أي أفعال من شأنها أن توصف بالمبالغة أو الافتعال.

السخرية عند شو

معتبراً أن الحقيقة والفكاهة انعكاس لمرآة الواقع، وجه شو سهام سخريته المحببة في الكتابة إلى كل ما يريد انتقاده، اجتماعياً أو سياسياً أو على أي مستوى من المستويات، وأظهر ذلك في مسرحياته التي احتلت مكانة متقدمة للغاية على خريطة الأدب الإنساني، ومنها "بيوت الأرامل"، "السلاح والإنسان"، "بيت القلب الكسير"، "الإنسان والسوبرمان"، "كانديدا"، "الخطيئة الأولى"، "سيدتي الجميلة"، و"بجماليون". وهذه السخرية لم يتركها شو حتى وهو في أيامه الأخيرة، عندما قال ساخراً إن له الحق في أن تشيع جنازته قطعان البقر والخراف والدجاج وأحواض الأسماك، بدعوى أنه كان نباتياً لم يقرب اللحم طيلة حياته التي امتدت لأربعة وتسعين عاماً.
"إن أسلوبي في المزاح هو أن أقول الحقيقة، وعندما يكون الشيء مضحكاً فإنني أبحث عن الحقيقة الكامنة وراءه"- يقول شو الذي كان جوهر سخريته الحقيقة، أو بالأحرى السعي وراءها طمعاً أو أملاً في استكشاف ما تدور حوله هذه الحقيقة، ما اعتبره بمثابة مشروع حياته.

موقفه من "نوبل"
بمرور السنوات، جنى شو الكثير من المال بسبب الكتابة، وعندما أعلنت الأكاديمية السويدية عن منحه جائزة نوبل للآداب العام 1925، رفضها، ساخراً منها في خطاب شهير: "إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ‏... إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل"‏.‏


شو السياسي
آمن شو بالاشتراكية، وكانت مدخله إلى عالم السياسة، وهذا الاتجاه للسياسة كان بسبب فشله كروائي في بداياته، وإصداره لخمس روايات لم تحقق ردود أفعال مُرضية، فكانت السياسة بمثابة طريق بديلة ليعبر بها عن أفكاره وانحيازه للطبقات الفقيرة، وانتقاده للفقر والأوضاع المعيشية الصعبة، التي ظل ينادي بها ويدافع عنها إلى أن حل يوم الثاني من نوفمبر 1950، الذي كان الأخير لجورج برنارد شو في هذه الدنيا، ليرحل تاركاً خلفه عقوداً من الإبداع، والكتابة، والفن، الذي صبغته مسحة السخرية المحببة التي تميز بها، وكانت إرثه الوحيد من والده الذي لم يعلمه شيئاً سوى أن يكون ظريفاً، يلتقط النكات، ويضفي مزيداً من الكوميديا على المواقف الأليمة التي تخلف وراءها حزناً كبيراً.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.