}

لماذا أُسقِطت "ديمقراطية" من وثيقة تأسيس دولة الاحتلال؟(2-2)

أنطوان شلحت أنطوان شلحت 14 يوليه 2018

يبدو للبعض أن تعريف إسرائيل بأنها "دولة يهودية وديمقراطية" يرافقها منذ يوم إنشائها. ويعتقد كثيرون خطأ أن مصدر هذا التعبير هو وثيقة تأسيسها المعروفة باسم "وثيقة الاستقلال". غير أن هذه الوثيقة التأسيسية لا تتضمن أي ذكر لكلمة ديمقراطية، على مختلف تصريفاتها، ولو مرة واحدة.

وبموجب مُراجعة مُسندة بمصادر من الأرشيف كُشف عنها النقاب أخيرًا، نُشرت حديثًا، فإن هذه الكلمة (ديمقراطية) شُطبت عمدًا من تلك الوثيقة.

وكتب تلك المُراجعة كل من الباحث في شؤون الثقافة الإسرائيلية دوف إلبويم، والباحث في شؤون الثقافة العبرية واليهودية العلمانية عزرا بروم. وظهرت في العدد رقم 6 من المجلة الشهرية "هشيلوّاح" في أيلول/ سبتمبر 2017. واستعاد الكاتبان فيها الوقائع التي شهدتها عملية صوغ تلك الوثيقة التأسيسية، والتي تبيّن على نحو جليّ كيف شُطبت كلمة ديمقراطية، وما هي الدوافع التي وقفت وراء هذا الشطب، والتي تحيل في العمق إلى تأصل مزاعم متبجّحة لدى كتبتها من جيل المؤسسين.

هنا القسم الثاني والأخير من المقال الذي يقدّم قراءة لهذه المُراجعة:

نقل المسوّدة إلى

القيادة السياسية

أجرى بنحاس روزن وآخرون بعض التحرير على النصّ، الذي وضعه القانونيون الثلاثة مردخاي بعهام وأوري يادين وتسفي عيلي بيكر (راجع القسم الأول من المقال)، تمهيدًا لعرضه أمام "مديرية الشعب" في جلستها المنعقدة يوم 12 أيار/ مايو 1948. وبقي الموقف حيال الحقوق والديمقراطية على حاله، لكن روزن أعاد الوثيقة إلى نطاق حدود التقسيم فخفّف، بذلك، من حدّة التجاهل الذي اعتمده موظفو الدائرة القانونية حيال قرار التقسيم (1947). وعندها كانت ثمة حاجة إلى حل التناقض المُتضمّن في النص ـ التزام بحدود قرار التقسيم من جهة أولى، وتجاهل لمطالب أخرى يتضمنها هذا القرار، من جهة ثانية. وكان على أعضاء "مديرية الشعب" الحسم بشأن موقف وثيقة التأسيس من قرار التقسيم.

اقترح أهارون تسيزلينغ، عضو "مديرية الشعب" ممثل حزب "مبام" ووزير الزراعة في الحكومة المؤقتة لاحقًا، صوغ "وثيقة التأسيس (الاستقلال)" استنادًا إلى قرار التقسيم، لكن بما يشمل تجنب التعهد الصريح بتطبيق القرار، بل التعهد فقط بالتعاون في تطبيقه ـ عدم التعهد، مثلًا، بالمحافظة على حدود معينة والالتزام بها، بل التعهد فقط بالتعاون مع الدولة العربية، حين تقوم. واقترح موشيه شاريت الإعلان عن قيام الدولة أولًا، ثم بعد ذلك فقط صوغ وثيقة تعهدات للأمم المتحدة، وفقًا لمتطلبات قرار التقسيم. وتقرر، في ختام الجلسة، تشكيل لجنة خاصة لصوغ الوثيقة، مؤلفة من أعضاء "مديرية الشعب"، على أن تلتئم في اليوم التالي.

وتمهيدًا لاجتماع لجنة الصياغة هذه، أجرى موشيه شاريت تعديلات جوهرية على نصّ الوثيقة المقترح. وعلى عكس سابقيه، اعتمد شاريت قرار التقسيم مُنطلقًا له. وذكّر بالنداء "إلى سكان أرض إسرائيل (فلسطين) للعمل من أجل تطبيق المشروع". وبالرغم من إسقاط الموقف إزاء مسألة الحدود، أرسى الوثيقة ـ بحسب تعليمات بن غوريون ـ على "أساس قرار الأمم المتحدة"، ثم ضمّنها بعض التعهدات، كما وردت في قرار التقسيم، من بينها التعهد بضمان المساواة وبالمحافظة على حقوق الإنسان: "إننا نتعهد بأن تكون دولتنا إسرائيل قائمة على أسس الحرية والعدالة والسلام، مفتوحة أمام الهجرة اليهودية، تمنح جميع مواطنيها المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية، من دون تفرقة على أساس العرق أو الدين، عاملة على تطوير البلاد لصالح جميع سكانها، ضامنة لحرية العبادة، والضمير، والتعليم والثقافة، محافظة على الأماكن المقدسة لأبناء جميع الديانات وأن تكون متمسكة بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. إننا نتعهد بالتعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة، طبقًا لقرار الهيئة... وندعو أبناء الشعب العربي سكان إسرائيل ... إلى المساهمة في بناء الدولة التي تعرض عليهم المواطنة الكاملة".      

ويتضمن قرار التقسيم، في الفصل الخاص بالدستور، مطالبة بضمان المساواة في الحقوق وبعدم التمييز ضد أي إنسان في القضايا الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والدينية، وبضمان تمتعه بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما فيها حرية الدين، اللغة، التعبير والنشر، التعليم، الاجتماع والانتظام. كما يتضمن مطالبة تفصيلية بالمضامين التي ينبغي أن تشملها وثيقة الإعلان عن قيام أي دولة.

وتنسجم لائحة الحقوق التي تضمنها اقتراح شاريت، إلى حد كبير، مع اللائحة التي تضمنها قرار التقسيم، باستثناء قضايا الانتظام والتعبير واللغة. وكان غياب حرية اللغة يرمي، ربما، إلى الإبقاء على حصرية اللغة العبرية وحدها في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، مثل مؤسسات السلطة والقضاء وغيرها. كما ينتقص خيار المساواة "من دون تفرقة في العرق والدين"، من مطالبة قرار التقسيم بالمساواة من دون تفرقة "في العرق والدين واللغة والجنس".

وقام شاريت، في تعديلاته، بإجراءين دراماتيكيين إضافيين: الأول، شطب المميزات اليهودية المضمونية من الوثيقة. أي قام بشطب عبارة "بروح رؤية أنبياء إسرائيل" وبالإبقاء على قيم عديمة المصدر الصريح، بالإضافة إلى شطب تعبير "تسور يسرائيل" (الربّ) من خاتمة الوثيقة. والثاني، شطب كلمة "ديمقراطية".

وإلى جانب تفصيل الحقوق العديدة التي تضمنها قرار التقسيم والتي تميز النظام الديمقراطي المتشبث بالمحافظة على حقوق الإنسان، شطب شاريت التعريف العام للدولة ـ دولة ديمقراطية ـ فشطب بذلك عمليًا كلمة "ديمقراطية" من وثيقة التأسيس.

وحين التأمت لجنة الصياغة، في اليوم التالي، تمحور البحث فيها حول مُقترح شاريت فقط. وأجرت تغييرات طفيفة فيه، فأعادت عبارة "بهدي رؤية أنبياء إسرائيل"، وأضافت تفصيل "المواطنة الكاملة" التي تعهد بها مقترح شاريت للسكان العرب، وتعهدت لهم بتمثيل في مؤسسات الدولة، لكنها لم تُرجع كلمة "ديمقراطية" إلى الفقرة المتعلقة بقيم المساواة.

ولدى انتهاء اللجنة من مداولاتها، حُوّلت الصيغة المقترحة إلى جلسة "مديرية الشعب"، التي طُرحت خلالها ملاحظات كثيرة. وإحدى هذه الملاحظات قدمها بن غوريون بشأن حقوق الأقليات وكانت: استبدال كلمة "تمنح" بـ"تضمن"، وذلك في سياق الحديث عن المساواة في الحقوق. كما مارس بن غوريون ضغطًا غير قليل على أعضاء "مديرية الشعب" لإقرار استخدام تعبير "تسور يسرائيل" باعتباره "تعبيرًا يوازن بين الرغبات المتناقضة".

وفي نهاية الجلسة تقرر تحويل النص إلى لجنة مصغرة لإعداده بصورة نهائية، تشكلت من: دافيد بن غوريون، وموشيه شاريت، وأهارون تسيزلينغ، والحاخام يهودا ليف فيشمان ـ ميمون، ثم عرضه على "مجلس الشعب" للمصادقة النهائية عليه.  

بن غوريون والتحرير الأخير

في الليلة ذاتها، وقبل مراسم الإعلان عن قيام الدولة بساعات قليلة، قام بن غوريون بتحرير الوثيقة، بناء على النقاش الذي دار في "مديرية الشعب"، وبناء على رغبته الشخصية، حتى استقرت على صيغتها النهائية والمعروفة للجميع اليوم. وفي الموقف من الحقوق، أضاف كلمة "الجنس" إلى محظورات التمييز: "تضمن (الدولة) المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها، من دون تفرقة على أساس الدين والعرق والجنس". وفي الحديث عن اليهودية، أضاف الفقرات الأولى التي تصف "الرابطة التاريخية والتقليدية" بين الشعب (اليهودي) والبلاد. كما حافظ على عبارة "بروح رؤية أنبياء إسرائيل" وعلى تعبير "تسور يسرائيل"، بموجب قرار "مديرية الشعب"، وطبقًا "لتلخيص تم التوصل إليه مع ممثلي الأحزاب الدينية قبل الإعلان بساعات قليلة"، كما شهد على ذلك رؤوبين أهرونوفيتش، أحد زعماء هذه الأحزاب.

ويُظهر محضر تلك الجلسة أن مئير غروبوفسكي (أغروف)، ممثل حزب "مباي"، اقترح إضافة كلمة "اللغة" إلى قائمة الحريات، إلى جانب "حرية الدين والضمير والتعليم والثقافة"، بغية تأكيد المساواة في مكانة اللغة العربية في الحياة العامة، "ليس في المدرسة فقط، بل أيضًا في المحاكم". وفي نهاية المطاف، أضاف بن غوريون كلمة "اللغة" حقًا، لكنه في الوقت عينه أوضح: "ليس ثمة من يعارض حرية اللغة أيضًا، إنما ليس من منطلق القبول بمسوغات غروبوفسكي. إن لغة الدولة هي اللغة العبرية. وهذا لا يسلب السكان الآخرين حقهم في استخدام لغتهم في كل مكان". ويبدو أن قرار بن غوريون إدراج اللغة في لائحة الحريات، وليس في محظورات التمييز كما في نصوص الأمم المتحدة، نبع من توجهه القاضي بالمحافظة على حق أي إنسان في استخدام لغته، لكن برفقة الإقرار الرسمي بأن اللغة العبرية هي اللغة الوحيدة السائدة في مؤسسات الدولة. 

في نهاية المطاف، وحين حذر مائير فلنر (الحزب الشيوعي)، قبل التصويت بدقائق معدودة، من غياب حرية التعبير والانتظام، رفض بن غوريون هذا التحذير، وردّ بالقول إن هذا النصّ ليس دستورًا وإنما تطبيق لمقتضيات قرار التقسيم فقط. ويكتسب هذا الموقف أهمية خاصة، في ضوء حقيقة أن هذه الحريات وردت في قرار الأمم المتحدة. بناء على ذلك، فإن اختيار بن غوريون اعتبار اللغة العربية في مكانة متدنية وثانوية قياسًا باللغة العبرية، فضلًا عن تجنب الإشارة إلى حرية التعبير والاجتماع والانتظام، هو اختيار يشف عن تراجع عن مطالب الأمم المتحدة، وعن تجنب الالتزام بهذه التعهدات.

ديمقراطية ويهودية: خارطة التوازنات

يؤكد الكاتبان أن التمعّن الدقيق في التحولات التي شهدتها عملية صوغ وثيقة تأسيس إسرائيل، خلال الأسابيع الثلاثة المذكورة، من شأنه أن يكشف عن أن مسألة الموازنة بين القيم والمصطلحات الديمقراطية وبين القيم والمصطلحات المُستلة من الثقافة اليهودية كانت مسألة مركزية في جميع مراحل الصياغة. وهذا ما يؤكده الحيّز الذي احتلته هذه المسألة في محاضر مداولات اللجان التي انكبّت على صوغ وثيقة التأسيس.

ويبدو، بوجه عام، أن معدي النص حاولوا بكيفية ما حفظ التوازن بين هذين المركّبين طوال فترة انكبابهم على الصياغة، باستثناء المراحل الأخيرة التي أفضت إلى الصيغة النهائية التي وضعها بن غوريون، والتي ازدادت بها بصورة كبيرة الإضافات الخاصة بالتاريخ اليهودي والثقافة اليهودية، من دون موازنتها بصورة تامة مع المُكوّنات الديمقراطية.

والحقيقة الأبرز في هذا السياق، برأي الكاتبين، هي اختفاء تعريف الدولة بأنها "ديمقراطية" من مسودة الوثيقة في المراحل الأخيرة من عملية صوغها.

يتساءل الكاتبان: كيف يمكن فهم وتفسير حقيقة أن قادة الييشوف العبري، وفي مقدمهم بن غوريون، أسقطوا كلمة "ديمقراطية"، بالرغم من ورودها في الصياغات السابقة؟ وهل يمكن القول إن هذا الإسقاط كان مجرّد صدفة أو كان ناجمًا عن قلة انتباه؟

ويجيبان: من الصعب تصديق ذلك؛ فلقد لاحظنا أن أي كلمة وأي تغيير كانا موضع تدقيق وتمحيص ونقاش.

فما هو القصد، إذًا، من وراء هذا الشطب المتعمد لكلمة "ديمقراطية"؟      

للإجابة على هذا السؤال يتعيّن، أولًا، توضيح بعض التعريفات.

توازنات مختلفة بين

"يهودية" و"ديمقراطية"

تقرّ وثيقة تأسيس إسرائيل، في جميع صياغاتها وتقلباتها، بأن الدولة المُقامة حديثًا ستكون "دولة يهودية". وينطوي هذا التوصيف على جملة من الدلالات:

  • أ. القومية اليهودية والعلاقة مع الشتات اليهودي بكونه جزءًا من "جمهور الهدف" لهذه الدولة.
  • ب. تبرير إقامة الدولة بقوة الرابطة، أو الصلة، بالبلاد (فلسطين).
  • ت. تضمين مضامين يهودية في طابع الدولة وقوانينها.

وتشمل صفة "دولة ديمقراطية"، أيضا، وخاصة بالمفهوم الغربي الليبرالي، بعض الجوانب:

  • أ. سلطة ينتخبها جميع المواطنين وإنشاء برلمان نسبي ينتخبه المواطنون.
  • ب. المحافظة على حقوق المواطن، بما في ذلك منح المواطنة على أساس المساواة وبدون أي علاقة بالانتماء إلى مجموعة سكانية محددة، أو بالمزايا الجسدية أو المعتقدات.
  • ت. المحافظة على حقوق الإنسان، مثل المساواة أمام القانون وحرية الحركة.

ويكشف الفحص الأولي لمميزات هاتين الصفتين توترات قد تظهر على خلفية تبني كلتيهما معا. فمثلا، الموقف من الشتات اليهودي قد يبدو بمثابة مساس بالمحافظة على حقوق المواطن أو بمبدأ المساواة. والمضامين اليهودية في قوانين الدولة، مثل قوانين الزواج والطلاق، قد تنطوي على مساس بحقوق الإنسان. 

وبالإمكان طبعًا تسجيل بعض المميزات للعلاقة بين طابع الدولة اليهودي وطابعها الديمقراطي، كما وردت في المناقشات التي سبقت إقرار وثيقة التأسيس. مهما تكن تلك المميزات، فقد جرى النقاش حول ما يلي:

  • أ. اليهودية تتقدم على الديمقراطية (دولة يهودية ذات سمات ديمقراطية)؛
  • ب. الديمقراطية تتقدم على اليهودية (دولة ديمقراطية ذات سمات يهودية)؛  
  • ت. المساواة بين اليهودية والديمقراطية (دولة يهودية وديمقراطية)؛
  • ث. الديمقراطية نابعة من اليهودية (دولة يهودية ـ ديمقراطية).

غير أن الحديث عن هذه السمات بات غير ذي صلة بعد شطب كلمة "ديمقراطية".

تبجّح بن غوريون بأن

"التناخ مهد الديمقراطية"!

سبق أن ذكر الكاتبان أن بن غوريون يُعدّ المحرّر الفعلي لوثيقة تأسيس إسرائيل. وفي هذا السياق يؤكدان أن تحليل النصوص والتعديلات التي أدخلها على هذه الوثيقة تعكس نظرته إلى العالم، ووقف في صلبها الادعاء المتبجّح بأن التناخ هو "مهد الديمقراطية".

وبمقتضى هذه النظرة، يتعيّن على الدولة اليهودية تصميم طابعها الديمقراطي من خلاصات القيم الكامنة في نبوءات التناخ. ويمكن القول إن التناخ مثّل، في نظر بن غوريون، "مهد الديمقراطية ومنبعها من الناحية الروحانية، ولذا فليس ثمة ما يمنع اشتقاق القيم الديمقراطية في الدولة من المصادر اليهودية مباشرة"! وربما كان هذا هو السبب الذي جعل بن غوريون يعتبر أن لا ضرورة لتعريف الدولة بأنها "ديمقراطية"، إذ كان سيترتب على مثل هذا التعريف التزام "فائض عن الحاجة" بالنموذج الديمقراطي الغربي.

لكن، كما يؤكد الكاتبان، لا ينبغي الاستناد إلى التلميحات والرموز التي بثّها بن غوريون في نص الوثيقة فقط. فقد كتب أمورًا شبيهة، بصورة صريحة وواضحة، في مواقع أخرى أيضًا. فمثلًا، في أيلول/ سبتمبر 1948، بعد أربعة أشهر على إعلان قيام الدولة، كتب بن غوريون في مفكرة يومياته، في إثر مقابلة مع الكاتب أرثور كستلر: "بالنسبة إلى الديمقراطية الغربية ـ أنا مع الديمقراطية اليهودية. فـ"الغربية" ليست كافية. أن تكون يهوديا، هذه ليست حقيقة بيولوجية فقط إنما أيضا ـ سواء عن وعي أو عن غير وعي ـ حقيقة أخلاقية. لدينا محتوى يهودي متميّز ينبغي أن يعمّ على العالم بأسره. إن قيم الحياة وحرية الإنسان عميقة جدا عندنا، بموجب التناخ، وأكثر بكثير مما هي عليه في الديمقراطية الغربية!".

وفي وثيقة وضعها عشية مؤتمر حزب "مباي"، الذي عقد في عام 1956، كتب بن غوريون: "لزام علينا رؤية الأضواء والظلال التي في كل بلد وفي كل نظام. حتى دول الحرية والديمقراطية، ومنها الدول التي فيها حكومات عمال، ليست "نقية لا تشوبها شائبة". علينا أن نتعلم من كل بلد ومن كل حركة ما فيها من إيجابيات، لكن محظور علينا أن نستعبد أرواحنا لأي طريق ولأي حركة أجنبية. علينا قياس كل شيء بموازين الحكمة والاحتياجات والقيم الخاصة بنا....!".

وخلص الكاتبان: صحيح أن بن غوريون كتب، في مستهل وثيقة التأسيس، عن قيم "الحرية والسلام والمساواة... دون أي تمييز وغبن واستعباد، ودون تحكم إنسان بإنسان وشعب بشعب"، لكن في رأيه، فإن مصدر هذه القيم وتجسيدها الأرقى "يكمنان في رؤى أنبياء إسرائيل"، والطريق إلى الخلاص القومي والاجتماعي غير ممكنة "بالسير في دروب مشقوقة... أو بأدوات مستعارة من حركات في دول أخرى"!. وبناء على ذلك، رأى أن قيم الحرية والسلام والمساواة، "بدون تحكم إنسان بإنسان وشعب بشعب"، ليست منوطة إطلاقًا بالسؤال ما إذا كانت الدولة اليهودية معرّفة بأنها ديمقراطية، ولا حتى بتعهدها والتزامها بشروط دولية أيا تكن. وفي رأي بن غوريون، وهو المحرر الأخير لوثيقة التأسيس، يشكل النظام الديمقراطي وحقوق المساواة والحرية وكرامة الإنسان والمواطن "جزءا جوهريًا لا يتجزأ من الموروث اليهودي"، ويمكن الاكتفاء بهذا فقط! 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.