Print
سناء عبد العزيز

مارغريت أتوود عبر نصف قرن.. قدرة الكتابة بأي نوع

9 سبتمبر 2019
تغطيات
يحتفل قراء مارغريت أتوود هذا العام بمرور نصف قرن على صدور روايتها الأولى "المرأة الصالحة للأكل". ومع أن أتوود كتبتها فعليا قبل ذلك التاريخ بقليل، إلا أنها ظلت بضع سنوات في دور النشر قبل أن تصل أخيراً إلى الرفوف عام 1969.
وعلى مدى خمسين عاما صدرت للكاتبة الكندية خمس عشرة رواية، امتدت فيها الإثارة والديستوبيات المروعة والخيال التاريخي. كما كتبت أيضا القصة القصيرة والشعر والكتب غير الخيالية، فضلا عن الكتب التي نشرتها على الإنترنت، وعن تعاونها في كتابة بعض الروايات المصورة.
باختصار، أمضت أتوود السنوات الخمسين الماضية في استكشاف كل مسار مفتوح أمام الكاتب، ومع ذلك فإن عددا قليلا من القراء هم من يعرفونها بعيدا عن روايتها الأكثر شهرة "حكاية جارية".
في مجلة Lit Hub  الأسبوعية كتبت تيري جان داو احتفالا بهذه المناسبة: "إن أكثر ما يسحرني في كتابة أتوود هو قدرتها على الإتيان بكل ما هو جديد وممتع. إنها حتى تضعني على طاولتها بأنواع أدبية لا أقرأها كثيراً مثل روايات الجريمة، وفي حالات عزوفي عن القراءة، فإن أتوود وحدها هي من تنجح في جذبي إلى القراءة مرة أخرى".

مطعم وجباتي الجاهزة
ولدت أتوود الروائية وكاتبة القصة والمسرح والناشطة السياسية والبيئية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1939 بمدينة أوتاوا الكندية، ومارست الكتابة في سن الخامسة حسبما صرحت في إحدى البرامج التلفزيونية، متأثرة إلى حد كبير بقراءاتها للأساطير وقصص الجنيات والحيوانات، وتنقل والدها (عالم الحشرات) بشكل مستمر في الغابات والأدغال. وفي عام 1961 حصلت على بكالوريوس الآداب ثم حصلت على درجة الماجستير في العام التالي.
واحتفالا بعيد ميلاد "المرأة الصالحة للأكل"، وكنوع من الاستعداد لروايتها "الوصايا"، قبل أن تصدر في أيلول/سبتمبر الجاري، وهي تتمة "حكاية جارية" التي طال انتظارها، شرع بعض قراء أتوود ومنهم تيري جان داو كاتبة المقال في قراءة روايات أتوود السابقة فيما أطلقت عليه "مطعم وجباتي الجاهزة".
حققت روايتها الأولى "المرأة الصالحة للأكل" شهرة واسعة، تلك البداية المذهلة، التي تشبه رواية "النباتية" لهان كانغ، وفيها تنتقد أتوود المجتمع الأميركي الاستهلاكي بامتياز، حيث تفقد ماريان الشخصية الرئيسية شهيتها للطعام، في سرد ممتع وساخر إلى حد كبير، ظهر من خلاله مدى ما تتمتع به أتوود من موهبة.
تقول تيري: لقد أعدت قراءة رواية "الطفو على السطح" عدة مرات ولكن استمتعت بإعادة قراءتها مرة أخرى. فهي رواية مثيرة عن امرأة ترسم تاريخها الشخصي، حتى تتمكن من معرفة من هي الآن. تزور منزل طفولتها، ومقصورة معزولة، مع حبيبها وصديقيها المتزوجين، وسرعان ما تبدأ العلاقات وكل ما ظنوه حقيقيا بالتمزق. إن قراءة "الطفو على السطح" بعد "المرأة الصالحة للأكل" كانت بالنسبة لي بمثابة فرحة؛ فالكتابة حول توقعات النساء أكثر وعورة وأشد وطأة.


شخصيات أتوود متعددة الهوية
إذا راودتك ذات يوم رغبة في الهروب من حياتك بأكملها، فإن رواية "العرافة" تناسبك تماما. إذ ظلت فوستر تهرب من هويات مختلفة طالما كانت تتذكرها، وسئمت الآن من تعقبها. بعد أن جلبت مجموعتها الشعرية شهرة وثروة غير متوقعين، تخشى أن يتم الكشف عن تحولات هويتها، وبالتالي تضع خطة لتزييف موتها والاختباء في قرية إيطالية صغيرة.

وفي بعض الأحيان تبقى شخصيات أتوود معك، كما شخصية لاشيا عالمة الحفريات في متحف أونتاريو الملكي، وثلث مثلث الحب الذي يضم حبيبها نيت وزوجته إليزابيث في "الحياة قبل الإنسان". ومثل شخصيات أتوود السابقة، تبحث لاشيا عن نفسها هذه المرة بين الحفريات في المتحف، حيث تعكس علاقتها المضطربة مع نيت رؤيتها المضطربة عن نفسها، وتنقسم الرواية إلى فصول من وجهة نظر كل شخصية، مع كون لاشيا الشخصية الأكثر جمالا وإقناعا.
في عام 2016 ارتفعت مبيعات "حكاية جارية" بنسبة 200 بالمئة. وكان يشار إليها في الأحاديث السياسية، وفي اللوحات الإعلانية، وفي كل رواية ديستوبيا نسوية أخرى كُتبت في السنوات الأخيرة. وذلك لكون جمهورية جلعاد متأصلة دائما في الواقع وكل ما ضمنته أتوود في روايتها حدث في مكان ما في وقت ما في العالم الواقعي، ولكن في عام 2016 بدأ الإحساس بأن أهوال جلعاد تشق طريقها إلى أميركا. تقول تيري "هذه هي رواية مارغريت أتوود التي قرأتها كثيرا وتناولتها في أطروحتي، لكن إعادة قراءتها جعلتني أشعر بشيء مختلف. فبدلاً من الإحساس بالخيال الديستوبي النسوي، بدت لي أكثر مثل مخطط. إنها قراءة مرعبة حقاً". وقد صنفها النقاد ضمن أدب الخيال العلمي ولكن أتوود في حوار مع "الغارديان" أكدت أنها تنتمي إلى الأدب التأملي، وحازت "حكاية جارية" على جائزة آرثر كلارك.
وفي "عين القطة" نجد إيلين الرسامة، كما هي الحال مع الشخصيات السابقة، لا تتوافق مع ما هو متوقع منها. ومثل أتوود فإن أسرة إيلين تتنقل كثيراً وهي طفلة، ما جعلها أقل مهارة في تكوين صداقات، كما أنها تعرضت لمضايقات من "أصدقائها" الثلاثة المقربين. وعند عودتها إلى المنزل، تكتشف أن الجروح القديمة لم تلتئم بعد. إنها رواية عن كيفية بناء هوية المرأة، وعن الآثار المربكة للذاكرة، وقد رشحت الرواية لجائزة البوكر.


الجريمة والإثارة جزء من خيال أتوود
هنا تبدأ أعمال أتوود في الاستفاضة أكثر فأكثر والتعمق في نفسية شخوصها، فـ"العروس

اللصة" رواية ضخمة، حوالي 550 صفحة، وتزن تقريباً حجم طفل صغير. وتحب تيري اقتباس أتوود بأن زينيا هي الشخصية التي تتطابق معها أكثر من غيرها، لأنها "هي الكاذبة المحترفة، وما الذي يفعله كتّاب الأدب غير خلق أكاذيب يصدقها الآخرون؟".
وتستند أتوود في "الاسم المستعار غريس" إلى محاكمة قتل كندية سيئة السمعة في عام 1843 تتعلق بخادمتين أدينتا بقتل سيدهما ومدبرة المنزل. وتم الحكم على جريس ماركس بالسجن مدى الحياة، وتم إعدام جيمس مكديرموت.
بينما تمتد "القاتل الأعمى" في 520 صفحة. لكنها تشبه كتاباً داخل كتاب، وهي رواية تاريخية، ترويها إيريس تشيس مسترجعة كل تفاصيل حياتها. ومثل عين القطة يتعلق الأمر في الغالب بالذاكرة وإستعادة الذاكرة. القصة الداخلية هي قصة لورا أخت إيريس، وهي تدور حول كاتب أدب إثارة. القصة داخل هذه القصة تسمى "القاتل الأعمى"، قصة خيال علمي يرويها الكاتب. تقول تيري "أستطيع أن أتصور منزل إيريس بالضبط". وفازت بجائزة بوكر في عام 2000.


 الأسطورة وثلاثية "مادادام"
وبرغم الرعب من أجواء "حكاية جارية"، إلا أن أجواء "كريك وأوريكس" تبدو أكثر رعبا. إنها الرواية الأولى في ثلاثية Maddaddam ومثال رائع للخيال التأملي. وفيها تركز على رجل الثلج بعد نبوءة قضت على معظم الجنس البشري. بينما ننظر إلى الوراء ونتعرف على مشاركته في التجارب الوراثية مع زملائه المجربين أوريكس وكريك وإنشاء نوع بشري جديد من النباتيين المسالمين، نرى أيضاً مسؤوليته.. "إذا جعلتك قراءة حكاية جارية تشعر بعالم مخيف غريب الأطوار، فإن أوريكس وكريك هي نبوءة بالخطر الحقيقي".
في "البينيلوبية" تقتحم أتوود عالم الأسطورة على نحو رائع. وهي رواية قاتمة تماماً مثل كل أعمالها، مأخوذة عن أوديسة هوميروس، ولكن من وجهة نظر بينيلوب، حيث تقدم نسخة بديلة من بعض الأحداث، وسد الثغرات، والأهم من ذلك، تعطي لـبينيلوب صوت الشخصية المركزية الصامتة في الغالب في حكاية هوميروس الأصلية. وبالعودة إلى الثلاثية، تتزامن روايتها "عام الطوفان" مع "أوريكس وكريك"، التي تقدم "بستاني الرب"، وهي طائفة علمية / دينية تحاول رعاية هذا الكوكب والتصدي لـ "الطوفان المائي"، الحدث الذي ينبئ بنهاية العالم. توبي هي إحدى البطلتين، جنبا إلى جنب مع رن، انضمت إلى المجموعة بعد أن أنقذها آدم ون، زعيم الطائفة، المستخدم النفسي. تلتقي مع رن التي هي بالفعل عضو في المجموعة. وتتقاطع قصصهما في نقاط مختلفة مع رجل الثلج وأوريكس وكريك.
أما عن روايتها "القلب يذهب أخيراً" فقد تلقت تعليقات متباينة عند نشرها لأول مرة، وهي عبارة عن هجاء هزلي يستند إلى تجربة اجتماعية، يعيش فيها الناس في مجمعات سكنية مثالية في الخمسينيات، لا يلوون على شيء، بل يتحولون كل شهر إلى العيش في زنزانة سجن. يجد الزوجان الرئيسيان، شارمين وستان، نفسيهما في هاجس متصاعد مع الزوجين اللذين يعيشان في منزلهما بالتناوب، وليس من المستغرب أن عالمهما المثالي ليس كما يبدو عليه.
وتختتم تيري مقالها بما تعلمته بعد إعادة قراءة أعمال أتوود قائلة: قلة من الناس تبقى ميتة لفترة طويلة جداً. كثير من الناس يزيفون موتهم، أو يصبحون أشخاصاً مختلفين، أو يعودون من بين الأموات. تعلمت أيضاً أن كونك محبوباً تماماً يجعلك شخصية مملة، وأن استكشاف الذات للهوية من المحتمل أن يؤدي إلى استنتاجات مضادة، وأن مارغريت أتوود قادرة على الكتابة في أي نوع على الإطلاق.