Print
سناء عبد العزيز

تتمة "حكاية جارية" تتصدر قائمة "البوكر" 2019

27 يوليه 2019
تغطيات
سيتعين على القارئ الذي انتهى بالفعل من قراءة "حكاية جارية" للكندية مارجريت آتوود أن ينتظر حتى أيلول/ سبتمبر القادم ليتسنى له أن يعرف تتمة الحكاية التي قدمت فيها آتوود نموذجا لأدب الديستوبيا، لكن لجنة تحكيم البوكر ارتأت أن الجزء الثاني المعنون بـ"الوصايا" يستحق مكانا في قائمتها الطويلة لـ 2019، ومن ثم التنافس مع عدد من الكتاب البارزين على الجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني.

عالم الواقع المرير
بدأ هذا النوع من الأدب على يد الكاتب الإنكليزي جويف هول عام 1607 حين كتب روايته "العالم الآخر والعالم ذاته"، في مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. ويسمى أيضا "أدب المدينة الفاسدة" أو "عالم الواقع المرير"، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، وباختصار هو عالم يتجرّد فيه الإنسان من إنسانيته ويتحوّل فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تتناحر مع بعضها. ومثل هذه الرؤية ظهرت في العديد من الأعمال الأدبية، خصوصاً في القصص التي تقع في مستقبل تأملي، ومنها رواية "فهرنهايت 451" للأميركي راي براديري، ورواية "1984" لجورج أورويل، و"عالم جديد شجاع" لآلدوس هكسلي، و"مباريات الجوع" للكاتبة الأميركية سوزان كولنز وغيرها.
في ديستوبيا آتوود "حكاية جارية" تعمل الشخصية الرئيسة أوفرد في جمهورية جلعاد، خادمة في منزل الرئيس الغامض وزوجته الفنانة المتقاعدة حادّة الطّباع. ولا يتاح لأوفرد سوى الخروج مرة واحدة يوميّاً لجلب الطلبات من الأسواق. وهناك يحظر على النساء القراءة. وعليهن الابتهال والصلاة من أجل أن ينجبن من الرئيس، الذي ينام معهن على التوالي بمساعدة وحضور زوجته، لأن معدّلات الولادة انخفضت تماما في هذا البلد، حتى أصبح وجود طفل أمراً نادراً، وباتت قيمة المرأة تكمن في قُدرتها على الحمل، فإذا ما فشلت يتم إرسالها إلى

المستعمرات لتنظيف النفايات الإشعاعيّة.
هذه هي المرة السادسة التي يتم فيها ترشيح الروائية الكندية لجائزة البوكر، وهو الترشيح الثاني منذ فوزها بجائزة المملكة المتحدة الأدبية المرموقة عن روايتها "القاتل الأعمى" عام 2000. وهكذا تم ترشيح روايتها "الوصايا" التي تستأنف السرد فيها بعد 15 عاماً من نهاية روايتها "قصة جارية"، وإلى أن تصدر في 10 سبتمبر، سيظل محتوى الرواية سراً لن يعرفه سوى المحكمون، برئاسة بيتر فلورنس، مدير مهرجان هاي.
وتتنافس آتوود مع فائز سابق آخر هو الكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي، المرشح هذه المرة عن روايته "كيخوت" التي نشرت في آب/ أغسطس. وهي مستوحاة من رواية سرفينتس "دون كيخوتة"، وتروي قصة بائع متجول مسن يقع في حب نجمة تلفزيونية ويسافر عبر أميركا ليفوز بها. ووصفتها هيئة التحكيم بأنها "رحلة متشرد في أميركا المعاصرة، بكل ما فيها من إنذارات وجنون".

بريطانيا تستحوذ
على القائمة الطويلة
إلى جانب رشدي هناك البريطانية جانيت وينترسون عن روايتها "فرانكيسشتاين"، وهي بمثابة معالجة جديدة لرواية "فرانكنشتاين" للكاتبة الإنكليزية ماري شيللي مبدعة شخصية فرانكنشتاين عام 1818؛ والبريطاني جون لانشيستر بديستوبيته "الحائط"؛ والكاتبة البريطانية برنادين إيفاريستو بروايتها "فتاة، وامرأة، وآخرون" وهي رواية شعرية عن حيوات النساء السود؛ كما ترشح كل من البريطاني ماكس بورتر عن روايته "لانّي"، التي تحكي عن صبي مفقود في بلدة؛ والبريطاني ديبورا ليفي بروايته "الرجل الذي رأى كل شيء"، ويتم نشرها الشهر المقبل وهي تتسلل بين المناطق الزمنية في ما وصفه المحكمون بـ "بنية مرحة ومعقدة".

أميركية واحدة
بعد توترات في السنوات السابقة حول التغييرات التي أدخلت على قواعد الجائزة، حين اتسعت في نهاية عام 2013 لتشمل الأدب الأميركي، تضمنت قائمة هذا العام روائية أميركية واحدة فقط هي لوسي إلمان، الأنجلو أميركية التي ولدت في إلينوي، وانتقلت إلى إنكلترا في سن المراهقة، واختيرت في قائمة البوكر بروايتها "بط نيوبريبورت"، وهي عبارة عن مونولوج مكون من 1000 صفحة من ربة منزل من ولاية أوهايو يتكون بالكامل من جملة واحدة تقريباً.
قال الحكام إن رواية "بط نيوبريبورت"، "نسجت بذكاء، وهي تتحدى القارئ ببراعتها الفنية العالية وأصالتها... خليط متنافر من الفكاهة، والعنف، والتلاعب بكلمات جويسيان، كما أنها تشتبك- بغضب- مع تفتت الحياة المنزلية وكذلك أميركا ترامب". نشرت إلمان روايتها في دار نشر مستقلة صغيرة هي Galley Beggar، الدار التي رأت منذ البداية احتمالات مشجعة

في رواية إيمير مكبيرد الأكثر مبيعاً والحائزة على عدة جوائز "الفتاة شيء شبه متشكِّل".
يذكر أن إيمير مكبيرد قضت تسع سنوات تحاول نشر روايتها الأولى، إلى أن وافقت Galley Beggar على نشرها أخيرا ومن يومها وهي تحصد الجوائز منها، جائزة بيلي لرواية المرأة، وجائزة دزموند إليوت، وجائزة كيري لرواية العام، وجائزة غولدسميث.
تضم القائمة المؤلفة من 13 كتاباً أيضاً الروائية التركية إليف شفق عن روايتها "10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب"، وتعرض من خلالها تفاصيل ذكريات فتاة الجنس في اسطنبول التي تُركت جثتها في صندوق قمامة؛ والمؤلف الأيرلندي كيفن باري عن "قارب ليلي إلى طنجة"، والتي قال عنها المحكمون "رواية عن الجريمة لا تتشابه مع أي عمل آخر"؛ والكاتب النيجيري تشيجوزي أوبيوما عن "أوركسترا الأقليات"، التي اعتمد في سردها على الأوديسة.
كذلك رشحت الكاتبة الإيطالية المكسيكية فاليريا لويسيلي عن أول رواية لها بالإنكليزية "سجل الأطفال المفقود"، وفيها تقوم برحلة عائلية على الطريق من نيويورك إلى جانب رحلة مجموعة من الأطفال المكسيكيين الذين يحاولون عبور الحدود إلى الولايات المتحدة.

أصغر كاتبة ترشح للبوكر
وكان ورود اسم الكاتبة النيجيرية أوينكان بريثوايت البالغة من العمر 31 عاماً عن عملها الأول "أختي القاتلة المتسلسلة" هو مفاجأة البوكر هذا العام، بالرغم من ترشح الرواية من قبل في القائمة القصيرة لجائزة كاتبات 2019 أيضاً.
"أختي القاتلة المتسلسلة" كوميديا سوداء تتم في لاغوس، عن فتاة تعودت قتل أصدقائها الرجال دفاعا عن نفسها ثم الاستغاثة بأختها للتخلص من آثار الجريمة حتى تتصاعد الأحداث ويأتي الدور على الطبيب الذي تعمل معه أختها وتكن له مشاعر حب فلا تجد في نفسها الشجاعة لأن تنتهي حياته بسكين في ظهره، لكن إنقاذ أحدهم كان يعني التضحية بالآخر. وقال المحكمون

عنها إنها "بارعة جدا وجريئة وجذابة مثل أي روائي متمرس الكتابة".
في عام 2014، تم إدراج بريثوايت رغم صغر سنها في القائمة القصيرة لنيل جائزة Eko Poetry Slam، وفي عام 2016 وصلت إلى المرحلة النهائية لجائزة الكومنولث للقصة القصيرة. وتعيش بريثوايت في لاغوس، نيجيريا.

الرؤية العميقة مع روح الدعابة
وفقا لتصريحات فلورنس فإن العناوين الثلاثة عشر تميزت بالمصداقية فهي تقدم تخيلا لعالمنا المعروف بأخباره الكارثية ومظالمه التي لا تنتهي، ومع ذلك تمتعت أيضا بروح الفكاهة: "إنهم يكتبون عن عالمنا، يعبرون عنه رغم ما به من الأخبار المظلمة والكارثية بحس دعابة، ورؤية عميقة، وفوق ذلك بإنسانية عميقة". هؤلاء الكتاب الذين تم إدراجهم في القائمة الطويلة كما يصرح فلورنس "يقدمون الفرح والأمل. إنهم يحتفون بالتعقيد الثري للغة الإنكليزية كلغة عالمية. وهم دقيقون ومفيدون ومسلون للغاية". وإن لوحظ استبعاد العديد من العناوين التي لاقت قبولا جيدا من القراء لإيان ماكيوان ومارك هدون وإيلي سميث.
تم اختيار قائمة بوكر الطويلة من 151 رواية. وإلى جانب فلورنس، تألفت هيئة التحكيم من ليز كالدر، الناشرة والمحررة السابقة، والروائية والمخرجة شيالو غو، والكاتبة عافوه هيرش، والموسيقية جوانا ماكجريجور. كما صرحت المديرة الأدبية لمؤسسة جائزة بوكر، غابي وود،

أنها تستعين بهم أيضا في تحكيم روايات الشباب البالغين، و"الكتب التي يتم رفضها في بعض الأحيان على أنها "تجارية" في بحثها عن أفضل روايات السنة".
وقالت إن القائمة الطويلة "توضح النطاق المذهل لما يكتب اليوم"، إذ "توجد أسماء مألوفة في القائمة تكتب الآن في أوج نضجها، وهناك شباب لديهم خيال وجرأة غير عاديين، وهناك خفة دم، ورؤية سياسية ثاقبة، هدوء وتشويق. وهناك تعددية تُظهر أن صناعة الأدب باللغة الإنكليزية مسعى عالمي".
هذا ويتم دعم الجائزة لأول مرة هذا العام من قِبل مؤسسة مايكل موريتز ومؤسسة هرايت هيمان الخيرية، بدلاً من مجموعة مان. ومن المقرر أن تُعلن القائمة القصيرة بمؤتمر صحافي في لندن في 3 أيلول/ سبتمبر 2019 وتتكون من 6 روايات تفوز كل منها بألفين ونصف ألف جنيه استرليني، ويتم إعلان الرواية الفائزة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر.