Print
إيهاب محمود

أولغا توكارتشوك: "أنا مجموع الشخصيات التي تخيلتها واخترعتها"

12 أكتوبر 2019
تغطيات
ربما لو فكرت الروائية البولندية أولغا توكارتشوك (1962) ذات يوم في كتابة سيرتها الذاتية، سيكون من الطبيعي جداً لو خصصت فصلاً كاملاً للعام 2018، إذ حازت تقديراً أدبياً لا يتوقعه أكثر الأدباء تفاؤلاً خلال مسيرتهم الإبداعية، لأنها فازت بجائزة مان بوكر العالمية عن روايتها "الرحلات"، ثم أعلنت الأكاديمية السويدية، الخميس، فوزها بجائزة نوبل للآداب لعام 2018، بعدما تقرر تأجيل الإعلان العام الماضي، لظروف استثنائية تعرضت لها لجنة تحكيم الجائزة، ليشهد هذا العام المثير تتويج توكارتشوك، وبيتر هاندكه (النمسا)، بالجائزة الأدبية الأهم والأرفع في العالم.
وعلى الرغم من أنها ليست معروفة عربياً، غير أن روايات أولغا تحقق مبيعات جيدة جداً، بعد أن أصدرت 11 كتاباً، ثماني روايات، ومجموعتين قصصيتين، فضلاً عن ديوان شعري. وترجمت أعمالها إلى أكثر من 25 لغة حول العالم.

 

البدايات
تخرجت أولغا توكارتشوك في جامعة وارسو، بعد أن درست علم النفس، وعملت لفترة من حياتها كمعالجة نفسية، وعندما نشرت كتابها الأول الذي يعد ديوانها الوحيد عام 1989، وهي في السابعة والعشرين من عمرها، وبسبب النجاح اللافت الذي حققه الكتاب، اهتمت أولغا

بتكريس وقتها للكتابة التي وجهتها ناحية الرواية، كعادة غالبية الكتاب الذين يستهويهم الشعر في البداية، ثم يجتذبهم السرد، وبخلاف الكتابة السردية، تقوم بالإشراف على مهرجان أدبي قرب محل سكنها في جنوب بولندا.
ولا تقف توكارتشوك عند مساحة كتابية معينة، بل تنطلق في مساحات واسعة ومتباينة تماماً، في روايتها "الأطفال الخضر" تبدو نظرتها للحكاية كقصة فلسفية خيالية تماماً، تعتمد على الفلسفة كمحرك لسير الأحداث وفهمها أيضاً، أما في روايتها "عظام الموتى"، فهي تدخل إلى عالم الرواية البوليسية مستعرضة قدراتها في مساحة مختلفة تماماً، وفي روايتها "كتب يعقوب" تجرب توكارتشوك نفسها في مجال الكتابة التاريخية، عبر رواية ضخمة تمتد صفحاتها لحوالي 900 صفحة، في ملحمة سردية تاريخية تدور على الحدود بين أوكرانيا وبولندا في العصر الحديث، وتحكي قصة ياكوب فرانك، وهو زعيم ديني يهودي، قاد عملية التحول القسري لليهود إلى الكاثوليكية في القرن الثامن عشر. باعت الرواية أكثر من 170 ألف نسخة عند صدورها عام 2014، وفازت بجائزة نايكي البولندية.

 

شخصيات توكارتشوك
ترتكز روايات أولغا توكارتشوك على شخصيات ناقصة، لا تكتمل إحداها بدون الأخرى، لتشكل هذه الشخصيات معاً لغزاً كبيراً لا سبيل لفك شيفرته إلا بتجميع الشخصيات جنباً إلى جنب، من أجل تشكيل اللوحة النهائية التي تستطيع من خلالها أن ترى العمل بوضوح، ورغم أن السرد استحوذ عليها تماماً، غير أنها ظلت مخلصة لكونها بدأت شاعرة، إذ أن اللغة التي تكتب بها دقيقة وشاعرية ترصد أدق التفاصيل، وتسيطر عليها طوال الوقت عوالم شاعرية تماماً.
وتبدو العلاقة بين أولغا وشخصياتها لافتة ومثيرة لتساؤلات، إذ أن الروائية البولندية الفائزة بنوبل لا تعرف لنفسها صفات محددة، ولا جوانب شخصية معتمدة بشكل نهائي، بل لا زالت تتأرجح هنا وهناك، لم تستقر على حال، واعترفت هي بنفسها خلال مقابلة مع مؤسسة الكتاب البولندية: "لا أملك سيرة واضحة جدّاً يمكنني أن أسردها بطريقة مثيرة للاهتمام. أنا مجموع هذه الشخصيات التي تخيلتها واخترعتها. أنا مؤلفة من كل هذه الشخصيات لذا سيرتي ضخمة ومؤلفة من حبكات عدّة".

 

الجانب السياسي
لا يمكن إغفال الجانب السياسي عند الكتابة عن أولغا توكارتشوك، التي عبرت في كتاباتها، سواء الروائية، أو المقالات، عن انتقادها لسياسات بلادها وأداء حكوماتها. وفي مقابلة مع التلفزيون الحكومي البولندي عام 2015، اعترفت أن بلادها ارتكبت فظائع تاريخية،

واستعمرت دولاً أخرى مسالمة، كما انتقدت ممارسات وجدت أنها تقود ناحية الطريق الخطأ. ونتيجة لذلك تلقت تهديدات بالقتل، ما دفع ناشر رواياتها لتعيين طاقم حراسة خاص لها، بعد أن أرسل إليها بعض من أكدوا لها أنها ارتكبت خطأ بانتقاد الحكومة علناً وأنها الآن مهددة في أي وقت بأن تخسر حياتها نتيجة لذلك. في مقابلة لاحقة، وتعليقاً على ما حدث قالت أولغا: "لقد كنت ساذجة جدا. ظننت أننا بتنا قادرين على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخنا".
لم يكن هذا الموقف هو التعبير الوحيد لاشتباك أولغا مع الحال السياسية في بلادها، بل عندما صدرت روايتها "الرحلات" عام 2009، وهي الرواية الفائزة بالمان بوكر العام الماضي، تم تحويلها لفيلم بعنوان "سر بمحراثك فوق عظام القتلى" ليتعرض لحملة انتقادات حكومية واسعة، وتقول وكالة الأنباء البولندية إن الفيلم معادٍ للمسيحية ويدعو إلى الإرهاب البيئي.
وتعد أولغا توكارتشوك الروائية رقم 15 التي تفوز بجائزة نوبل.