استدرجني كتاب "في الطريق معه" إلى كتاب آخر لأسمى طوبي عثرت عليه في منزل قديم متهالك لإمرأة بلغت التسعين (ماري صايغ أبي عاد)، وهي سيدة سورية الأصل، فلسطينية المولد، لبنانية الوطن منذ عام 1948. والكتاب موسوم بعنوان "عبير ومجد" (بيروت: د. ن.، 1966)، وقد نالت منه غبائر السنين، وجعلته ترابي اللون، وهو مهدى إلى القس عبد الله صايغ. وحين عثرت على كتاب "عبير ومجد" شعرتُ كأنني استعدت خاتماً نفيساً ضاع في الترب ثم عاد إليَّ فجأة. وكنتُ أعرف أن أسمى طوبي كانت تستعد لإصدار كتاب بعنوان "المرأة العربية في فلسطين"، وأرسلته بالفعل إلى المطبعة في الناصرة، لكنها اضطرت إلى اللجوء إلى لبنان مع عائلتها في سنة 1948، وبقي الكتاب في المطبعة، فضاع مثلما ضاعت فلسطين. ولعل كتابها "عبير ومجد" هو إعادة صوغ للكتاب المفقود بحسب ما بقي في ذاكرتها من معلومات، أو ما في جعبتها من مراجع. وقد كرّست الكاتبة جميع صفحات كتابها للحديث عن النهضة النسائية الفلسطينية منذ عام 1848 حين افتتحت راهبات القديس يوسف أول مدرسة نظامية للإناث في القدس، ثم شادت مدرسة ثانية للإناث في يافا في سنة 1849، ثم أنشأت مستشفى في يافا في سنة 1877. ويتضمن الكتاب معلومات وافية عن راهبات الناصرة وعن البعثات الرهبانية والإرساليات التبشيرية التي غمرت فلسطين في تلك الحقبة من حقب العهد العثماني مثل البعثات الفرنسية والبريطانية والألمانية والأميركية والإيطالية، وعن مدارسها ومياتمها ومستشفياتها، وأشهر العاملات فيها من الأجانب بالتحديد. كما يروي الكتاب تاريخ المدرسة الإنكليزية العليا في حيفا، وكلية شميدت في القدس والفرندز في رام الله ومعهد الإناث الروسي في بيت جالا.
جمعيات ورائدات
تؤرخ أسمى طوبي في كتابها هذا مراحل تأسيس الجمعيات الأهلية الفلسطينية مثل جمعية إغاثة المسكين الأرثوذكسية (عكا) وجمعية عضد اليتيمات الأرثوذكسيات (يافا) وجمعية تهذيب الفتاة الأرثوذكسية (القدس) وجمعية القديسة تريزا (القدس) وجمعية العناية بالطفل (يافا) وجمعية حاملات الطيب (القدس) وجمعية السيدات العربية والاتحاد النسائي (القدس) والاتحاد النسائي العربي الفلسطيني (بيروت) وجمعيات التضامن النسائي. وأفردت صفحات وافية لسير رائدات الحركة النسوية أمثال نبيهة الملكي منسى وأديل عازر وكاترين ديب ومريم هاشم وعندليب العمد وسلمى الحمصي سلامة وميليا حلبي ونعمتي العلمي وزهية النشاشيبي وساذج نصار وماري صروف شحادة ونمرة طنوس السعيد وفايزة عبد المجيد ويسرى البربري وسائدة حسام الدين جار الله وألكسندرا ظريفة وشفيقة مجدلاني ويسرى صلاح ومكرم أبو خضرا وكاترين سكسك وهند طاهر الحسيني ومفيدة عبد المجيد وعفيفة ملحس ومتيل مغنم.
استفاضت أسمى طوبي في الكلام على أديبات وناشطات اشتهرن بعد النكبة أو كن مشهورات قبلها أمثال كلثوم عودة (الناصرة) وإيفون خوري (يافا) وسلوى خوري (كفر ياسيف) وشارلوت سابا (يافا) وإميلي بشارات (عمان) وجميلة شحادة الخوري (صفد) وهدية أباظة (الزرقاء) وهدى صلاح حمد (نابلس) وعائدة النجار (لفتا) وبيان نويهض (القدس) وجاكلين رشيد خوري (حيفا) وعفاف مطر (الناصرة) ورائدة حسام الدين جار الله (القدس)، فضلاً عن مي زيادة وثريا ملحس وسميرة عزام وعنبرة سلام الخالدي ونجوى قعوار فرح وهنرييت سكسك فراج وهدى صلاح وأنيسة معلوف وأمينة عدوان وفدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي وكلثوم مالك عرابي ودعد كيالي وسميرة أبو غزالة ومي صايغ. ومن بين الفنانات التشكيليات والموسيقيات نبيلة جورج وتمام الأكحل وعفاف عرفات وإيفون حوا منسى وجمانة الحسيني بايزيد ويسرى جوهرية عرنيطة ووديعة حداد جرار. ومن الإذاعيات ناهدة فضلي الدجاني. ومن اللاتي ألّفنَ كتباً مفيدة للمرأة ديانا سعيد (فن التدبير المنزلي) وماري صلاح خباز (فن المطبخ وصنع الحلويات) وأمينة الزواوي (فن التجميل) وليندا مراش (فن الخياطة). ولم تنسَ الكاتبة أن تتحدث عن الشهيدات حلوة زيدان وحياة البلبيسي وجولييت نايف زكا وفاطمة خليل غزال، وعن المتصوفة فاطمة اليشرطية. ومن المؤكد أن في الكتاب معلومات غزيرة لا نعثر عليها في أي مصدر من المصادر الفلسطينية المعروفة، ولا حتى في الموسوعة الفلسطينية أو في المصادر الرديفة.
مَن هي أسمى طوبي؟
ولدت أسمى رزق في الناصرة في سنة 1905، وتزوجت الياس نقولا طوبي، وأنجبت ابنة تدعى سلوى. عملت في إذاعة القدس في سنة 1936، وكانت تقدم برنامجاً أسبوعياً بعنوان "حديث إلى المرأة العربية".
ومن اللاتي عملن معها في الإذاعة في تلك الفترة هنرييت سكسك وفاطمة العلمي وربيحة الدجاني والمطربة ماري عكاوي التي كانت أول مَن غنى لحن "يا جارتي ليلى" لعازف البزق السوري العبقري محمد عبد الكريم، ثم غنته بعدها المطربة السورية فايزة أحمد. وتعد أسمى طوبي من رائدات النهضة النسائية في فلسطين، منذ أن بدأت في تحرير الصفحة النسائية في جريدة "فلسطين" قبل النكبة. وقد لجأت مع عائلتها إلى لبنان في سنة 1948 حيث تابعت نشاطها الحيوي، فتولت أمانة سر الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني ورئاسة جمعية الشابات الأرثوذكسيات، وكانت تحرر الصفحة النسائية في مجلة "كل شيء" وفي جريدة "الأحد"، وتقدم برامج إذاعية في إذاعة لبنان وإذاعة الشرق الأدنى. وقد توفيت في بيروت في سنة 1983. أما أشهر مؤلفاتها النثرية فهي: الفتاة وكيف أريدها (عكا، 1943)، على مذبح التضحية (عكا، 1946)، عبير ومجد (بيروت، 1966)، نفحات عطر (بيروت، 1967). ولها ديوان شعر عنوانه "حبي الكبير" (بيروت، 1972). ومن أعمالها المسرحية: مصرع قيصر روسيا وعائلته (عكا، 1925)، صبر وفرج (عكا، 1943)، أصل شجرة الميلاد، نساء وأسرار، شهيدة الإخلاص، واحدة بواحدة، القمار. وكانت ترجمت عدداً من الكتب مثل: الابن الضال (رواية، 1946)، أحاديث من القلب (قصص، 1955)، في الطريق معه (1960)، الدنيا حكايات (قصص).